24-02-2013 01:35 PM
بقلم :
في العام 1987م وفي أحد الأحياء الراقية من المدينة اجتمع مجموعة من التجار في مكتب للعقارات ودار بينهم هذا الحديث ...
قال تاجر للعقارات : لا أدري يا اخوة كيف أضاعت الأمة العربية فلسطين بهذه السهولة ـ لا أدري !!! ... قال تاجر السيارات : صدقت يا أخي ـ لقد أضاعوها بشربة ماء ثم بعد ذلك لم يطلقوا ولو طلقة واحدة لتحريرها فقد مر على احتلالها عقود طويلة وطويلة ولم نسمع عن قائد عربي واحد بعد ذلك تجرأ ليطلق ولو طلقة واحدة على إسرائيل ! وشمل الحديث كل التجار الذين ابدوا رأيهم في سبب ضياع فلسطين ثم سبب بقائها محتلة لغاية الآن ..
كانوا جميعا” يتأففون لوضع الأمة العربية ومآلها وكانوا في النهاية يحملون غيرهم مسئولية كل شيء وفي النهاية يركزون نقدهم ويشنون جام غضبهم على قادة هذه الأمة الذين لم يفعلوا شيئا” يذكر لأجل مستقبل ولأجل استرداد فلسطين من اليهود المحتلين ... وخلال انعقاد ذلك الاجتماع كان يقف في زاوية المكتب خادم أو فراش بسيط للمكتب والذي كان يصغي لحديثهم ثم يقول في نفسه : والله إنكم جميعا” كاذبون لانني لم أسمع عن تاجر„ واحد„ منكم قام بالتبرع ولو بدينار„ واحد„ لدعم الانتفاضة الفلسطينية المشتعلة على الأرض الفلسطينية منذ عام ١٩٨٧م ـ إنكم كاذبون ولا تجيدون سوى النقد والكلام وجني الدنانير ، ثم كان يقول يا ترى : متى سيصدق الناس مع أنفسهم ؟ ...
بعد حرب الخليج الثانية والتي وقعت في عام ١٩٩٠م قام الرئيس العراقي صدام حسين أثناء تلك الحرب باطلاق صواريخه على الكيان اليهودي مما جلب الفرح لأغلب الشعوب العربية كما شمل الفرح اولئك التجار الذين استبشروا وهللوا لتلك الضربات الصاروخية الموجهة لاسرائيل ... ولكن كان من نتائج تلك الحرب قيام الامريكان وحلفاءهم بغزو العراق وتدمير بنيته التحتية وكثير من بنيته العسكرية ثم وضع العراق تحت حصار أممي قاس„ ومفتوح ... وفي تلك الظروف اجتمع التجار وعقدوا جلستهم السياسية الثانية :
قال تاجر العقارات: لا أتوقع بأن الرئيس العراقي صدام حسين كان بكامل وعيه يا اخوة لقد تسرع في كل عمل أقدم عليه وإلا فكيف يقصف اسرائيل بالصواريخ وهو يعلم بأن موازين القوة ليست في صالحه ؟ ولا ننسى يا أخوة بأن اسرائيل تملك الكثير من القنابل النووية والتي تستطيع من خلالها مسح كل الدول العربية ولا ننسى كذلك يا أخوة بأن أمريكيا لن تسمح أبدا” لاحد„ بأن يتطاول على حبيبتها اسرائيل ولن تسمح لاحد„ بأن يفكر بالتحكم في بترول منطقة الشرق الأوسط !
وقال تاجر السيارات : كلامك صحيح وواقعي ـ نعم قكل ما أقدم عليه صدام حسين من أعمال جلبت الدمار للعراق وللامة : حارب ايران ثمان سنولت بحجة تحرير الأهواز ثم وقع في الفخ ودخل الكويت وقصف اسرائيل بالصواريخ ... لقد أعطى كل المبررات لامريكيا والغرب للقيام يغزوه وتدميره وحصاره ... ولكن تم قطع حديث التجار بسؤال جاء من تاجر آخر والذي قال : لقد بدأت فترة تالقديم لطلبات التعويض والتي أقرها مجلس الأمن للحصول على تعويضات من العراق فهل قدمتم طلباتكم أيها السادة ؟ قال تاجر العقارات : بالطبع قدمنا ـ لقد طالبت أنا بتعويض مقداره ثلاثة ملايين دولار امريكي تعويضا” عن عماراتي وشققي التي طالها الكساد في الكويت خلال تلك الحرب ! وقال تاجر السيارات : أما أنا فقد طالبت بتعويض مقداره خمسة ملايين دولار لقاء فرع مكتب الشركة في الكويت والذي تعطلت أعماله هناك ! ثم قال التاجر يدعى أبو السعيد : أما أنا فقدمت طلب للتعويض بمليون دولار امريكي ... فقالوا جميعا” بدهشة : ولكنك يا أبو السعيد لا تملك أي مكتب„ أو تجارة„ في الكويت ؟ فقال أبو السعيد : نعم يا أخوتي فهذا صحيح ولكن حظي السعيد يأبى الا أن يسعدني فقد كنت هناك في الكويت لحظة دخول القوات العراقية واصبت حينها بالذعر والخوف الشديد !!! ثم ضحك ابو السعيد وضحك جميع التجار كذلك ... باستثناء ذلك الفراش البسيط والذي بقي واقفا” ومتعجبا” مما يرى ويسمع ...
وفي هذه الأيام جلس هؤلاء التجار في جلسة السياسية الثالثة والتي تناولوا خلالها أحداث الربيع العربي والدور المرجو من هذا الربيع لتحرير أرض فلسطين وقد كان التجار لا زالوا يلومون قادة العرب بأنهم لم يصنعوا مجدا” ولم يحققوا نصرا” ولم يطلقوا بعد حرب رمضان ولو طلقة واحدة باتجاه اسرائيل ... لكن هؤلاء التجار لم وضعوا الأولوية لمناقشة الخطط المناسبة والتي يحافظون من خلالها على الخط البياني المتصاعد لتجاراتهم ولثرائهم الفاحش ثم قاموا برسم الخطط المناسبة والتي من خلالها يستطيعون التملص من هيئة مكافحة الفساد والفاسدين والتي فتحت عيونها جيدا” خلال ثورات الربيع العربي ...
فقال ذلك الفراش في نفسه : لقد شاهدت أمامي كل الحلقات من مسلسل : سياسة التجار فوجدت تلك السياسة لا تعرف قانون أو مبدأ وكنت كذلك قد شاهدت في التلفاز حلقات لتجار السياسة الذين ظهروا بعد أوسلوا وفاوضوا وساوموا على كل شيء وتاجروا بكل شيء ... والله ـ لقد افتقرت أمة لم ترسم للتجار سياستهم ... والله ـ لقد ضاعت حقوق هذه الأمة بعد أن تركت لتجار السياسة يلعبون ويتلاعبون فيه كما شاءوا ...