حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
السبت ,28 ديسمبر, 2024 م
طباعة
  • المشاهدات: 31318

في ظل العولمة .. امبراطورية بلا أخلاق

في ظل العولمة .. امبراطورية بلا أخلاق

في ظل العولمة ..  امبراطورية بلا أخلاق

02-03-2013 09:22 AM

تعديل حجم الخط:

بقلم : الدكتور شفيق علقم

تحت ظلال العولمة ودهاليزها ظهرت أطياف واسعة من القيم الغريبة الموجهة ، والمعاني الغامضة ، والهيمنة والسيطرة ، والحركات المريبة ، وما يسمى بالمجتمع العالمي المفتوح، ومقولة نشر الديموقراطية ، إلى غير ذلك من المفاهيم الحديثة الغامضة . فالعولمة بمعناها القريب كما وصفوها تعني تطوير الاسواق العالمية ، ونمو الشركات متعددة الجنسيات ، وعبورها الحدود ، وهيمنتها المتزايدة على الاقتصاديات الوطنية ، ومن خلال ذلك تسللت قيم السوق إلى مناخات جديدة لا تنتمي اليها تقليديا ، وسيطرت عليها في معظم بلاد العالم.
لقد روج دعاة العولمة لمبادئها ، وبهرجوا اجواءها ، فزعموا ان العالم تحت شعارها يظل اكثر ارتباطا وتجانسا وتفاعلا ، وان المجتمع العالمي المفتوح يمكن ان يضمن درجة اعظم من الحرية والرفاهية والازدهار للشعوب ، فكان من وسائل وآليات نشر العولمة والترويج لمبادئها ومغرياتها، عولمة المعلومات والثقافة والانترنت، ووسائل التواصل والاتصالات باشكالها المختلفة ، وبما ان العولمة بسمتها البارزة تسمح لرأٍس المال النقدي بالتحرك بحرية اكثر من حركة الناس التي تبقى خاضعة لقيود صارمة ، لذلك اخذت الدول تتنافس من اجل اجتذاب هذا المال ، وقد اصبح الجري اللاهث وراء الارباح يؤدي الى ايذاء البيئة ،والى صدام مع القيم الاجتماعية ؛ حيث ان الاسواق لا اخلاق لها ؛ لانها تسمح للناس ان يعملوا وفق مصالحهم دون الالتفات إلى القيم الاخلاقية والمجتمعية ، فاصبحت الشؤون الاجتماعية مهملة ، واخذت الدول تعطي الاولوية لمصالحها القومية دون النظر إلى المصلحة المشتركة ؛ فاصبح للدول مصالح وليس لها مبادىء. قال بالميرستون عن سياسة بريطانيا الخارجية امام مجلس العموم البريطاني ( ليس لدينا حلفاء دائمون ولا اعداء دائمون مصالحنا هي الدائمة والابدية)
لقد اعتمدت سياسة الولايات المتحدة من خلال ذلك على الهيمنة الاقتصادية والعسكرية ، فاصبح اقتصادها الاقوى كثيرا من بقية اقتصاديات العالم ، واصبحت زعامتها الاصعب تحديا. وهكذا اعتمدت الولايات المتحدة لتأسيس تفوقها نظامي السوق والواقعية الجيوسياسية ،وكلا النظامين يرتبطان بالقوة المجردة من المسؤوليات الاخلاقية ،وهو ما افتقدته، او ما ابعد في سياستها ؛ فلم يثقوا بابتهالات المبادىء الاخلاقية ؛لان تلك المبادىء كما زعموا يسهل تحريفها عن معناها ؛ اذ زعموا انه من السهل ايجاد المسوغ الاخلاقي للسلوك الاخلاقي او غير الاخلاقي ، كما زعموا ان الاخلاقية تولد النفاق وتوجه نفسها إلى الاساءة ، فكثير من التصرفات الشائنة ارتكبت باسم الاخلاق ، واصبحت العلامة المميزة لكل من اصولية السوق والواقعية الجيوسياسية انها عديمة الاخلاق، بمعنى لا تدخل في الحسبان ، وباتوا يصفقون للنجاح ويقدسونه ؛ حيث اعجبوا برجال الاعمال الماهرين بجمع الثروة ، والسياسيين الذين ينجحون في الانتخابات بغض النظر عن وسائل تحقيق ذلك ؛ كان هذا هو خطؤهم الاكبر، حيث تجاهلوا انه لا يستطيع اي مجتمع ان يعيش بدون اخلاق .
لقد تضررت شعوب كثيرة من معطيات العولمة وانتشارها ، وبخاصة الدول الاقل تطورا ، فلم يوفر لها شبكة امان اجتماعية ،فهمشتها آلية السوق وهي غير مؤهلة لضمان العدالة الاجتماعية ، اذ الاسواق لا اخلاق لها.ان عالم اليوم يفتقر إلى ناموس اخلاقي قوي ،وقد ساعدت مظا لم العولمة على انتشار النقمة واحتجاجات الشعوب.
ان هيمنة الولايات المتحدة على الاقتصاد العالمي جعلها اكثر البلدان معنية بالسياسة الاقتصادية؛ فلا يحدث شيء عمليا دون موافقتها ، كما اصبح بيدها القوة لعسكرية المهيمنة في العالم، فهي بقوتيها الاقتصادية والعسكرية مجتمعتين اصبحت المهيمن المطلق في عالم اليوم ، وان على الدول الاخرى الطاعة ،وان تستجيب لسياساتها ، وهذه هي معطيات الهيمنة واخلاقها، مع مبدأ العولمة الاساسي هو احتدام المنافسة وليس هيمنة الاقوى. صحيح انه كان دوما منذ اقدم العصور توتر شديد ما بين المبادىء الكونية وسيادة الدولة، لكن هذا التوتر ازداد واتضح اكثر مع ازدياد قوة الولايات المتحدة وهيمنتها.
ان مواجهة الاخطار العالمية لا يمكن فهمها بشروط الانظمة التي اعتمدت عليها الولايات المتحدة لتأسيس تفوقها ( نظام السوق والواقعية الجيوسياسية) فكلا النظامين يرتبطان بالقوة، ولكن ثمة مسؤوليات اخلاقية، وهي المقيم المفقود والمبعد في سياستها.
ان ممارسة القوة الجيوسياسية تحتكم إلى وطنيتهم، والحقيقة ان هذا مسوغ غير اخلاقي ؛ لذلك فان ما يقدمونه للعالم عرضة للرفض والاحتجاج من كل المجتمعات الاكثر تقليدا؛ لانه يفتقر إلى الاخلاق في ابسط صوره؛ حيث ما زالت الاخلاق تقوم بدور مركزي عند المجتمعات الاسلامية والعربية والتقليدية؛ حيث لا ينعدم الفصل بين المؤسسة الدينية(دور العبادة) والدولة.
والحقيقة اننا لا نستطيع ان نبني مجتمعا عالميا بدون الاهتمام بالاعتبارات الاخلاقية، ان القاعدة الاخلاقية للعولمة والهيمنة الامريكية ناقصة وتشكل خطرا عليها وعلى شعوب العالم ودوله.
يقولون ان المفهوم التقليدي للاخلاق هو الممارسات الدينية الملحوظة ،او معايير اللياقة والاحتشام، وان هذه امور خاصة في مجتمع تنفصل فيه الدولة عن الدين ؛ ونقول ، ان الاخلاق ينبغي ان تلعب دورا اكبر في الشؤون الدولية والمجتمعات الانسانية لكي تكون افضل. وان القدرة العسكرية ليست بالضرورة هي الصواب، كما ان الولايات المتحدة الامريكية بلا اخلاق هي العقبة الكأداء امام التعاون الدولي اليوم؛ لانها تعارض اي ترتيب دولي يمكن ان يخالف سيادتها، والقائمة طويلة حيث تتضمن ، المحكمة الجزائية الدولية، ومعاهدة الالغام الارضية وبروتوكول كيوتو، وكثير من مواثيق منظمة العمل الدولية، وقانون معاهدة البحار، ومعاهدة الاختلاف البيولوجي ،وهذه الاخيرة لم تصادق عليها من بين الدول التسع، بل وترغب الولايات المتحدة فقط الحاق سيادتها بالمؤسسات الدولية لتسهيل التجارة العالمية ،وهي بذلك تصطدم من اجل هذا العمل مع رؤية المجتمع العالمي المفتوح. قال تشارلز جونسون الاكاديمي المستشار السابق بوكالة المخابرات المركزية الامريكية، ان الولايات المتحدة تناقض نفسها حين تروج لمقولة نشر الديموقراطية ،وهي امبراطورية تمارس اشكالا من الاستبداد، وقد شبهها بالامبراطورية الرومانية ، فهي تسيطر على العالم من خلال قوتها العسكرية الهائلة التي تضم اكثر من 725 قاعدة عسكرية ،و12 حاملة طائرات واكثر من نصف مليون من الجنود والجواسيس والتقنيين والمقاولين والمدنيين ، اضافة إلى ما يسمى القواعد السرية خارج بلادها لمراقبة ما تتبادله الشعوب من رسائل بالفاكس والبريد الالكتروني .
ان هذه الامبراطورية الاعظم، لم تعد مقيدة بالقانون الدولي، ولا بالاخلاق الانسانية، ولا بهموم الحلفاء ، ولا بأية قيود اخلاقية على استخدامها للقوة العسكرية ،وهي شيء مغاير لما تتظاهر به، وهي قوة ساحقة طاغية مصممة على السيطرة على العالم ومقدراته، ولا شك ان مصيرها مشابه لمصير الاتحاد السوفييتي السابق ،وذلك بفضل عملياتها السرية التي سوف تهدم المستقبل ؛ فتكون وبالا كارثيا لا محالة على بلادها وشعبها والعالم.








طباعة
  • المشاهدات: 31318
لا يمكنك التصويت او مشاهدة النتائج

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم