02-03-2013 09:35 AM
بقلم : أحمد محمود سعيد
تعرّفت عليه في احد فنادق تونس عام 1994 اثناء حضورنا لإشهار وتأسيس إتّحاد المقاولين الفلسطينيّين انا ممثلا لشركة مقاولات اردنيّة وهو ممثّلا لشركة مقاولات فلسطينيّة وقد جاء ذلك التأسيس بعد توقيع إتّفاق اوسلو ورغبة منظّمة التحرير الفلسطينيّة بتأسيس النقابات والمؤسسات الشعبيّة الفلسطينيّة إستعدادا لمرحلة جديدة من النضال الفلسطيني وطمعا في تحقيق الحلم الفلسطيني بتأسيس الدولة الفلسطينيّة التي زالت حلما .
وعلى هامش ذلك الاحتفال وتزامنا معه حضرنا الفاردة (زفّة العروسين باللهجة الفلسطينيّة ) التي جاءت من فلسطين برئاسة الشاعر سميح القاسم لإصطحاب العريس الشاعر المرحوم محمود درويش الى عروسه فلسطين بحضور المئات من التوانسة والعرب وغيرهم من المحبّين والمتابعين للنشاطات الخاصّة بفلسطين .
في حفل الافتتاح تحدّث الرئيس الراحل ياسر عرفات مباركا إشهار تأسيس إتّحاد المقاولين الفلسطينيّين الذي يضم مقاولي الضفّة الغربيّة وقطاع غزّة المحتلّين وفي كلمة الافتتاح وردّا على المشكّكين في إتّفاق اوسلو حينها شبّه الرئيس عرفات الفلسطينيين بعروسين رزقهما الله بمولود مشوّه وسأل الحاضرين هل يقوم الزوجين بقتل المولود ام برعايته حتّى يردّ الله عافيته عليه ويقوم الشعب بانتزاع دولته من العدوْ الإسرائيلي .
كان ذلك المقاول الفلسطيني مقدسي المولد والنشأة وكان في حينها في اوائل الخمسين من عمره شهد النكبة بتفاصيلها وتشرّد من بلدته ابو غوش الى رام الله حاملا الهويّة الاسرائيليّة كباقي الذين احصتهم دولة الاحتلال داخل القدس بعد النكسة وبعد ان ضاق العيش به ككثير من ابناء الشعب الفلسطيني وجد ملاذا له العمل في دولة الامارات العربيّة المتّحدة في بدايات تأسيس دولة الإتحاد بين الإمارات السبع حيث عمل لعدّة سنوات وثمّ عاد ليعمل في فلسطين والاردن في نفس مجال عمل والده بالمقاولات .
وبعد الإنتكاسات التي لحقت بالعمليّة السياسيّة للقضيّة الفلسطينيّة نتيجة التعنّت والصلف الإسرائيلي والمحاباة الامريكيّة لليهود والتراجع في المواقف العربيّة عاد صديقي إلى الامارات العربيّة وحيدا تاركا ابناؤه ليكملوا رسالة ابيهم في إعمار فلسطين بأيدي ابنائها بينما هو فضّل البقاء في الامارات ليلقى وجه ربّه عن إثنين وسبعين عاما رحمه الله .
وما يوسف ابو غوش إلاّ فلسطينيّا كان شاهدا على احتلال فلسطين ومجازر الإسرائيليّين في حق الفلسطينيّين شاهدا على القتل والتشريد والإعتقال والتعذيب وتدمير المنازل وقلع اشجار الزيتون وغير ذلك من جرائم .
مات شاهد آخر واليهود ما زالوا ينتظرون المزيد من الموت لشهود الكارثة والمحارق الإسرائيليّة في فلسطين حتّى تتكلّل جهودهم بنجاح احلامهم في ترحيل الفلسطينيّين من فلسطين وخاصّة مدينة القدس الشريف ليتسنّى لهم إقامة دولتهم اليهوديّة وبناء هيكلهم المزعوم عل أنقاض المسجد الاقصى المبارك والصخرة المشرّفة التي سرى اليها الرسول الكريم وعرج منها الى السماوات العلى .
رحل يوسف بعمله وشهادته على الغطرسة الظالمة بعد ان ملّ الحديث عن ذلك لأبنائه واحفاده واصدقائه علّه يترك اثرا ووفاء للبلد الذي أحبْ وقد ترك اثرا طيّبا في نفوسنا نحن اصدقائه ممّا حدى باصدقائه المقرّبين على تحقيق وصيّته بنقل جثمانه ليُدفن في القدس الشريف مسقط رأسه .
وموت يوسف إنذار آخر للفلسطينيّين والعرب الشرفاء بان موت المزيد من الشهود على الاحتلال وجرائمه يضع بعد سنوات المزيد من العوائق والعقبات امام عودة الحقْ لأصحابه حتّى لو حقّفت السلطة الفلسطينيّة المزيد من المكاسب لدى المنظّمات والجهات الامميّة لأنّه سيأتي يوما توأد فيه هذه المنظمات والجهات الاممية بفعل إسرائيلي وتصبح إسرائيل هي الآمر الناهي في العالم وخاصّة منطقة الشرق الأوسط الكبير الجديد .
رحم الله يوسف وكل شهداء وشهود القضيّة الفلسطينيّة والقدس الشريف .