حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الثلاثاء ,26 نوفمبر, 2024 م
طباعة
  • المشاهدات: 34445

تبّاً لعودتها المدارس .. جعلتني أبكي ؟

تبّاً لعودتها المدارس .. جعلتني أبكي ؟

تبّاً لعودتها المدارس  .. جعلتني أبكي ؟

02-03-2013 09:37 AM

تعديل حجم الخط:

بقلم : د .ظاهر الزواهرة
الموت يا سيدي غيّب عنّا المحبينا
ذهبوا إلى مدارسهم فرحين بالفصل الجديد ، ويمرحون ويلعبون في كل ناحية من بيتهم الثاني ، وبقيت أنت لم تذهبْ ولم تلعبْ ، وبقيتَ أنت بعيداً عن الرفقاء والصحب ، فهل سيذكرونك حين يجدون مقعدك خال ٍ من الوجه الجميل ؟ ومن مشاكسة أودتْ بك أيها الطفل ؟ ولم تدرِ كم مشاكسة وذكاء كانتْ في عيون الحاسدين جمراً وناراً !
حملوا حقائبهم ومضوا إلى غرفة الصف ، يحملون معهم كتبهم ودفاترهم وأقلامهم ، وحملتَ أنت حقيقبة السفر البعيد ، تحمل معك مالا نعلمه ، وحمّلتنا بعد الفراق دمعة تحرق الأجفان ، وغصة في الحلق لا تقلع ، حمّلتنا يوم الفراق مالا نطيق ، والوجع في القلب ، نعتصر الأسى حين تحطّمتْ الآمال والأحلام ، وحل مكانها الألم الشديد ، هي الآلام تطفو فوق منزلنا :
ياربّ لولاك متنا من الحزن ، وابيضت العين ، فلا لنا إلّاك !
آه أيها الطفل كم هي الدنيا تقسو علينا كل عام ! كم هي الدنيا عجيبة ! كم هي الدنيا غريبة !
بالأمس كنتَ هنا تشرب شوارع الحيّ ، وتقفز من هناك ، وصوتك أعلى من الحقد الدفين ، وأغلى من الذهب الثمين ، بالأمس كنتَ هنا تملأ الدنيا نسيماً وابتسامة ، في كل زاوية من البيت أراك حين أنظر ، لم تغبْ عني لحظة واحدة ، ما زلتُ أراك تبتسم وأنا أحدّثك ، وأجدك بابتسامتك خجلاً ، مازلتُ أرى صورتك على سلّم الألعاب في حديقة الحيوان ، أحدّق فيها ، أهذا أنت ؟
واليوم لم تعد لبيتنا ، لقد آثرتَ الرحيل ، وأي رحيل ٍ يا ابن أخي ؟ وقد أخذ قطعة من كبدي وقلبي ؟ أي رحيل ٍ ترك مجرى لدمعي على خدي ؟ أي رحيل ٍ جعل السواد أعظم في المكان ؟ أي رحيل ٍ لم يحمل لنا وقتاً كي نودّعك ، ونلوح لك بيد ٍ تشتاق لك ! أي رحيل ٍ لم يُتحْ لنا فيه أن نراك كما يجب ، قل لي : أي مكان يتسع لمدمعك ؟ لو أن روحي تفتديك لقلتُ لك خذني معك ! أي رحيل لا لقاء بعده أو يجمعك ؟
آه أيتها المدارس لا تفتحي الأبواب بل اغلقيها فإنّ ( رائد ) لم يأتِ إليك ! فإنّ ( رائد ) لم يكن في ساحاتك اليوم ، ومقعده هناك في غرفة الصف ! تبّاً لك أيتها المدارس التي لا تبكيه حين أحبَّها ، ولم يفارقها إلا هناك في روضة الجنة ! تبّاً لك أيتها المدارس بعد ( رائد ) أن تكون !
هناك مقعده ! هناك كتبه ! هناك دفاتره وأقلامه ! وبقيتْ هنا آلامه ! وبقيتْ هنا ذكراه تلمسنا كما قطرات الندى ، وألمحهها كلّما هاجت الذكرى حبيباً يعشقك !
آه يا ابن أخي !لو أستطيع أن أهزم الصخر الأصم ! لو أستطيع أن أبعد الأسمنت من فوقك والتراب لوجدتني عندك أنبش القبر بأسناني إذا خانتني أصابع اليدين ! لو أستطيع أن أفتديك بمال قارون وأملكه لفعلتُ ! لو أستطيع أن أشتريك بمال كسرى كلّه لفعلتُ ؛ لكنه الموت يا سيدي غيّب عنّا المحبينا ، وترك في صدرنا زفرة وأنينا ، هو الموت يا سيدي لا يرحمنا ، ولا يقدّر دموعنا وأنيننا وحنيننا ، هو الموت يا ابن أخي فرّق وبعثر وأبكى ، لم يأخذ الأذن منّا ، بل يمنح القهر والعذاب ، ومن نحن سوى ضعفاء هدّنا التعبُ ؟ لا نملك دفع الضرر عن أنفسنا حتى ندفع عنك الضرر ؟ لن نستطيع أن ندفع الموت عنّا كي عنك ندفعه ؟ وإذا الذي فقد الغوالي كلهم قد صاح مثلي وانقهر :
- ولقد حرصتُ بأن أدافع عنهمُ وإذا المنية أقبلتْ لا تدفعٌ
- وإذا المنيةُ أنشبتْ أظفارها ألفيتَ كلّ تميمة ٍ لا تنفعُ
والله يا ابن أخي ساقني الدمعُ إلى حزن ٍ عميق ، وصرختُ وبكيتُ ، نعم بكيتُ ، وكم سالت الدمعات من عيني على وجنتيّ ! ولبكيتُ لو كانت دموعي تنفعك ! ولصرختُ لو كانت الصرخاتُ قسرا تُرجعك ! ليس بيدي ! فهل تراني أخدعك ؟ وأكون بحزني من يشاهد مصرعك ؟ وكنتُ رغم أوجاعي معك ! أقرأ القرآن وأدعو ربي يشفيك !
آه أيها الصبي ! كم كانت الدنيا غريبة ! تقسو علينا ونحن نعشقها حبيبة ! تُبكي مدامعنا ، وتُقلق مسامعنا ، وتبقى قمة الصرخات حين تفقد غالياً !
ها قد مضيتَ ! وبقيتْ ملابسك البهية تنتظر منا السلام ، وبقيتْ ملامحك الزكية صورة في القلب لا تمّحي بعد السنين ! وبقيتْ دفاترك رهن حقيبة ٍ صماء لم تنصفك ! حين حملتها عمراً ، وحين سقطتَ تخلّتْ عنك ! ( مثل عصفور بنى عشه في غصن الشجر ، أين الوفاء لمّا الغصن انكسر ؟ عصفور الشجر ما بان ؟ ) .
آه يا ابن أخي ! أتعرف كم غصة ٍ في الحلق خلّفها بعدك عنّا والسفر ؟ أتدري كم دمعة ٍ في العين نزفتْ دماً ؟ أترانا لو نستطيع إلى التراب نسلمك ؟ ولو نستطيع ما نمتَ خارج غرفتك ؟ أو سمحنا لأحد يأخذ مقعدك ؟
تبّاً لها الدنيا ! تبّاً لعودتها المدارس أشعلتْ حرقة كادتْ تنطفي ، وفتحتْ جراحاً كادتْ تلتئم ، فجرتْ المقادير برحمة ربنا ، واليوم لن تجري الكرة التي كنتَ تركلها حصاناً في ساحة الملعب ، فحتى الملاعب لم يعد لك فيها لعب !! ولا لك في شارع الحيّ مكان أو قدم ، حتى الدفاتر والكتب !تبّاً لعودتها المدارس حين رأيتُ دمعة حمراء في عين أخي !تبّاً لها المدارس حين رأيتُ قسوتها في وجه أخي !
قف أيها البطل لا تبك ِ على طير يحلّق في الفردوس ، سيأتي – بإذن الله – بالشفاعة لك ، لا تبك ِ ! فأنتَ من علّمني الصبر على الحادثات ، وعلّمني الرجولة في النوازل والمحن ، وكيف أقوى على كسر الألم ! وشجعني على حمل الدفاتر والقلم !
قف ، لا تبك ِ ، فربي يسمعك ، وقل كما قال الحبيب على فراق حبيبه :
" إنّ القلب ليحزن ، وإنّ العين لتدمع ، وإنّا على فراقك يا رائدُ لمحزونون ، ولا نقول إلا ما يرضي الربّ : إنّ لله وإنّ إليه راجعون "
• بقلم : .








طباعة
  • المشاهدات: 34445
لا يمكنك التصويت او مشاهدة النتائج

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم