09-03-2013 11:31 AM
بقلم : مصطفى صالح العوامله
يتنادي الكثير منا الى قيام ثورة بيضاء تعيد الوطن الى اهله والحقوق لأصحابها ، بعد الثورات الدامية التي اجتاحث العديد من أقاليمنا العربية ، والتى لم تكتمل مراحلها بعد في خضم ما يسمى الربيع العربي ، الذي تعددت ألوانه وأشكاله واتسعت مساحاته الملونة ، بالرغم من تباين حدة تلك الألوان من الباهتة الى اليانعة ، ومن السوداء المحلولكة الى الحمراء القانية ، ومل بينها الرمادي ، وإن لم تتضح صورة أي ثورة بيضاء حتى الآن .
ولأن الثورة البيضاء لها مواصفات ومكونات ومعطيات محددة وواضحة لكل ذي لب ، لأن التقدم الحضاري والوعي الثقافي ، والنظرة التفاؤلية والعقلانية والتيقظ ، جميعها ما يحفز على أن تكون الثورة المبتغاة ، ثورة بيضاء ناصعة من غير سوء ، ولا تكون هذه الثورة بيضاء نورانية إلا بعد اشتداد الظلمة ، من خلال رؤية الواقع الذي ينشد تغييره ، وهو الواقع المليء بالوحل والظلامية والإنتهازية والتغول وفقدان العدالة وتكافؤ الفرص وكثرة اللصوص والمرتشين وتفشي الفساد وتكالب المفسدين وقناصي الفرص والباحثين عن المكافأة بأرخص الطرق وأقلها تكلفة وجهدا ،واتساع مساحة مسرح النفاق والدجل وقلب الحقائق وتقديم من حقهم التأخير وتأخير من حقهم التقديم ، و اكتفاء الفئة الصامتة بمشاهدة أحداث المسرحيات المقدمة على مسرح حياتهم ، بالتحسر والقهر والإنكفاء على دواخلهم دون إبداء أية ردود فعل ، بعد تبلد الأحاسيس والمشاعر وفقدان الثقة والأمل ، وارتفاع منسوب الذاتية ، ليضحوا أحياء فقط ، بسبب ما يقتاتون من بقايا الفساد والمفسدين ، وأموات في مشاعرهم وأحاسيسهم ، همهم النجاة والإستمرار بالعيش مهما كان مذلا ومهينا وفارغا من أي طموح أو تطلع ، والإكتفاء بالأكل والشرب والنوم كل يوم ، كما تدور الجواميس في ساقيات أصحاب الأطيان والقصور .هذه الصورة القائمة التي أردت تصويرها واستخدام العدسات المكبرة لتوضيحها وإظهار تفاصيل تفاصيلها . هي نقطة مهمة في سبيل توضيح أهمية أن تكون الثورة بيضاءً ، منعا لولوج الفايروسات والطفيليات الى مفاصلها لكونها بيضاء كاشفة ، تكشف كل من فيها ، ومن هم حولها ، ومن يحومون خارج إطارها ، وتحين الفرص للدخول بها من ذئاب ووحوش بغية تفتيت الجهود المبذولة لنجاحها في معركتها النظيفة الأهداف والغايات والمآرب .
ولأن المرتكزات الأساسية لأي ثورة هي في تصحيح المسارات ، واجتثاث منابع الفساد وتعرية المفسدين وقطع الطرق والمسالك على الإنتهازيين وقناصي الفرص والباحثين عن المكافأت الرخيصة الجهد عالية الثمن ، واحقاق العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص ، باعتماد الشفافية والمكاشفة والمصارحة والمحاسبة بدقة وأمانة وانتماء للقيم والمبادىء والأعراف المتفق عليها بين شرفاء هذه الثورة البيضاء الطاهرة ، وتحملهم لمسؤولياتهم الوطنية والخلقية ، وفق مواثيق شرف ورجولة تعاهدوا عليها ، للوصول بالثورة الى أهدافها المعلنة ، وفق عقد اجتماعي متفق عليه بين كل مكوناتها المادية والمعنوية .
ولأن الظلاميين والفاسدين واللصوص والمفسدين في الداخل والخارج ، لا ينامون بعيدا عن مصالحهم ، سيبقون مدافعين عن مصالحهم بكل ما أوتوا من عزم وإمكانات ، وسيستخدمون كل الوسائل والطرق والأحابيل التي نمو و تربوا عليها ، ليتمكنوا من إجهاض هذه الثورة ، والإنحراف بها عن أهدافها ، بمحاولة إختراقها بالرشى والبحث عن ضعاف القلوب والنفوس فيها ، واستخدام وسائل الترغيب والترهيب في أدائهم المتواصل والمستميت لبولوغ أهدافهم ، التي من شأنها إبقائهم في مواقع القرار واستمرار النهب والسلب ، فهم لا ينتمون إلا لجيوبهم وقصورهم ، وأن الوطن بالنسبة لهم لا يشكل إلا جواز مرور لتحقيق هذه الأهداف والغايات ، وهم في سبيل ذلك على إستعداد للتحالف مع شياطين الإنس والجن للدفاع عن إمتيازاتهم ومميزاتهم ومواقعهم ، التي اعتادوا عليها ردها من الزمن في غفلة من أصحابها الحقيقيين .
ولأن هؤلاء الظلاميين ابتدعوا كل السبل والأساليب المشروعة وغير المشروعة ، وعلى مدى سنين طويلة من الخداع والتضليل ، لتحقيق أهدافهم ، بتمييع الحس بالأنتماء الوطني ، وتمييع الهوية الوطنية ، وخلط أوراقها وتطعيمها بكل ما من شأنه تذويب هذه الهوية الوطنية ، تحت مسميات رنانة مثل القومية والعروبية ( التي لا أنكر إنتماء كل أبناء الوطن لها ) بفتح المجال والأبواب على مصاريعها للهجرات العادية و القصرية ، حتى غدا الوطن كوجبة طعام غير مستساغة الطعم واللون وذات شكل منفر ، بوسائل مشبوهة مريبه الأهداف ، عرفها المتنورون منذ بداياتها ، ولأن التربية الوطنية تبدأ من الأسرة والعشيرة الى الحي و المنطقة وصولا الى المدينة والدولة ومن ثم البعد القومي والعروبي ، ( فإن صلح الأساس صلح البناء الوطني كله ) ، ومع ذلك ولأنني وطني وقومي وعروبي ، فإنني لا أجد حرجا في استقبال أي مواطن عربي واحتضانه ومساعدته والوقوف معه والذود عن حقوقه والمحاربة من أجل حصوله عليها ، ولكن دون أن يتخلى هذا العربي عن هويته وجنسيتة وأصله وتراب وطنه ، واستبدالهم بجنسية أخرى مهما كانت الإغراءات والمنافع ، هذا إذا كان له وطن يستطيع العودة اليه بيسر و سهولة ، أما إذا كان مهجرا قصريا فإن الواجب الوطني يحتم عليَ القيام بكل ما هو متاح بين يدي لمساعدته والمحاربة معه ، في سبيل إسترجاع حقوقه ، ولكن دون منحه جنسية وهوية الوطن حفاظا على هويته لكوننا جميعا نحمل الهوية القومية والعروبية أصلا ، وإذا ما قمت بذلك أكون خائنا لقضيته وحقوقه ، لأن عوامل الزمن والطبيعة البشرية والإعتياد ، يخلق التراخي والنسيان والتقاعس عن أداء الواجب ، وهو ما يراهن عليه الظلاميون والإنتهازيون ومخربوا الأوطان من خارجها ، والمتربصين به الدوائر ، بالإستقواء عليه وجعله رهينة الإنقسام والشرذم والضياع ومن ثم الوطن البديل للمشردين عن اوطانهم الذين يكونون قد نسوها أو تناسوها وركنوا الى ما حققوه من مكاسب على الأرض الذي يعيشون عليها ويقاسمون أهلها لقمة خبزهم وكسائهم وشرابهم الذي شح ، ولم يعد يكفي أهله ولا ضيوفه الذين أتوا من كل ما هب ودب ، إلى أن أصبحت مقولات العديد من ضيوفه بأنه وطن كان خال من الناس وهم لهم حق في الوجود به كغيرهم ، بعلو النبرة والضجيج ، ومقولة أنهم صنعوا هذا الوطن وما آل اليه من تقدم ونماء ، تماما كما قالت اليهود في تبرير اغتصابها لفلسطين ، ( بأنها وطن بلا شعب ، لشعب بلا وطن ) مع الإختلاف الأيدولوجي بالأصل وبالظروف ، حيث أنه لا يوجد ما يشير بالتاريخ قديمه و حديثه ، وعلى مر الحقب والعصور ، أن شكل الدين عرقا أوجنسا ذو أصول محددة من البشر، وإلا فإن من حق المسيحيين في العالم المطالبة أن يكونوا دولة واحدة ، وكذلك المسلمين ، اليس من اليهود من في اصولهم من العرب أوالأوروبيين أوالأفارقة وخلافها من الجنسيات المختلفة ، إذ جاء موسى برسالته الى فرعون وأهل مصر وغيرهم من الأمم ، كما جاء عيسى ومحمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين .
إن الثورة البيضاء هي التي تعيد للمواطن كرامته وعزته ، وتعزز لدي أبنائه شعور الإنتماء والولاء والعزيمة والتفاني والإيثار والتطلع نحو الرفعة والتقدم والإزدهار واليقضة والتحفز والتعاون ، دون أراقة نقطة دم واحدة لأن الأنسان أغلى مخلوق على هذه الأرض .
إن ما يسمى بالربيع العربي ، والذي تجرى أحداثه حاليا ، ما هو إلا إعادة هيكلة مدروسة بعناية فائقة ، وفق أستراتيجية محكمة ومترابطة الحلقات ، تنفذ بعناية فائقة من خلال معطيات ومدد زمنية محددة ، وبتكتيكات تتفق بأدائها مع المعطيات والتحولات والظروف المحيطة ، ومن خلال أعلام مدروس ومنفذ بأعلى درجات التأهيل والتدريب ، وبأيدٍ ماهرة وعقول مدبرةٍ تستخدم كل التكنولوجيات الحديثة ، وما توصل اليه العلم الحديث في سبيل تحقيق أهدافها ، ونحن ما زلنا نتطاحن في معمعة هذا الربيع الكالح الألوان لثوراته المتعددة الألوان ، من الأحمر القاني والأصفر الباهت والأسود البهيم ، ولا نرى من هذا الربيع سوى القتل والتدمير واستنزاف بنانا التحيتية وما قمنا ببنائه على مدى السنين الطويلة ، ألا يوجد من بين هذه الجموع من يضيء شمعة وينير دربا لترى الشعوب طريقها نحو الربيع الحقيقي الذي يحقق طموحاتها بالتحرر والإنعتاق أم لا زلنا نجتر التاريخ الذي كنا فيه خير أمة أخرجت للناس نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر ، ولا نرى واقعنا المرير الذي وصلنا اليه من يوم أكل الثور الأبيض .