بقلم : هاشم الخالدي
بسبب الاحباط من اعادة تكليف النسور؟؟
اريد ان اعود صغيرا ولا اكبر
اريد ان اعود لحاكورة الروسان في الزرقاء .. العب فيها ما تيسر من حرفة (القلول)... واقارع الجميع في (الفنه) لاحظى باكبر عدد منها واكون الاغنى في الحاره.
اريد ان اعود صغيرا فاغادر المنزل صباحا لاذهب الى مدرسة الاثير باتجاه رحلتنا المدرسيه الجميله الى دبين.
اريد ان اعود صغيرا لالتقي عصابتي الجميله (شياطين الكهف السري) التي كانت مهمتها الدفاع عن شرف الحاره ضد تغول الحارات المجاوره وازعاج الجيران الذين تسول لهم انفسهم منعنا من ممارسة كرة القدم في محيط منازلهم .
اريد ان اعود صغيرا لاذهب صباح كل جمعه الى منزل جدي في حي النزهه لاخذ حصتنا مما انتجته المزرعه بخضارها وفاكهتها ولا اعود حتى يجبرني جدي على مرافقته لمسجد الخالدي لاداء صلاة الجمعه التي اخرج منها بالف طوشه مع المصلين لانني كنت اعتقد ان هذا المسجد هو مسجد العائله واستهجن ان يدخله شخص ليس من عائلة الخالدي لادرك لاحقا ان البيوت لله وليست للعشائر.
اريد ان اعود صغيرا لارد على هاتف بيت جدي الوحيد في المنطقه والذي كان يجبرني ان امشي ٣ كيلو متر لاصل منزل ام احمد لاقول لها : ردي عالتلفون.. ابنك بده يحكي معك من السعوديه .. تهرول ام احمد وعندما تصل الهاتف اتعمد ان انتقم منها لانها تأخرت في المجيئ فاغلق سماعة الهاتف ؟؟ واجري من المكان... وهي تملئ المكان صراخا وعويلا..وشتيمه.
اريد ان اعود صغيرا ليضبطني جدي الزعيم بهيبته الوقوره وعكازه الغليظه وانا اتشعبط شجرة الخوخ فيقسم ان يحطم اضلاعي عندما انزل عنها لانني لم ابقي ثمرة صالحه الا واكلتها فتبدأ معركة عض الاصابع... انزل ولك.. مش نازل.. وتنتهي المعركه عندما ينادي المؤذن للصلاه فيضطر جدي للمغادره ... وانتصر .
اريد ان اعود صغيرا لالعب مع ابناء ابو اسماعيل (حارس البستان) واساعدهم في قطف الخس والباذنجان والفجل وانتظر معهم حلول السادسه مساءا كي تبدأ فقرة كرتون الاطفال فاتسمر امام التلفاز قبل ان يعلن والدي ووالدتي حالة الطوارئ وهم يبحثون عني .
اريد ان اعود صغيرا لاجتمع مع ابناء العمومه والخؤوله لنقرر مجددا ونحن لم نتجاوز العشرة اعوام ان نقتحم بستان الجمزاوي المجاور لبستان جدي من اجل ان نستمتع بتذوق التوت الاحمر اللذيذ... ثم نهرب جماعة باتجاه سيل الزرقاء بعد ان يكون ابو اسماعيل قد تنبه لوجودنا فيلاحقنا بعصاه الغليظة المعروفه مرفقا مطاردة الليل بكم هائل من الشتائم وهو لا يعرف من نحن اصلا بحكم العتمه.. وعندما نصحو صباحا نشاركه في شتيمة من حاولوا ليلا التسلل لبستانه من اجل ( تقشيط ) شجرة التوت.
اريد ان اعود صغيرا لاحظى باجمل طبق منسف وفاكهه لا تعد ولا تحصى كلما زار ديوان جدي قريبنا الشيخ سعود القاضي لانجاز مصالحه بين عشيرة بني حسن التي عشت طفولتي مع ابناءها من العموش والزيود والغويري والمشاقبه .
اريد ان اعود صغيرا لانتظر باص الروضه واردد مع طلابها اثناء العوده الاغنيه الاحب الى قلبي حتى الان بصوت غوار وهو يشدو... لو لو لو... لو لا لي .. الله محيي شوارعكي .. يا بلادنا المعموره .
في ذلك الزمان البريئ لم اكن اعرف البرلمان ولا مصطلح الرئاسه وبالكاد اسمع بشيئ اسمه الديوان كلما تلقيت مغلف دعوه باسم جدي معتقدا انه ( كرت عرس) .. وغالبا ما كنت اخفيه في احد الادراج ولا القي له بالا.
في ذلك الزمان لم تكن خزينتنا منهوبه وكان الفاسدون في وطني يعدون على الاصابع ولم تكن هيئة مكافحة الفساد قد ولدت بعد وكنا نعيش على الزيت والزعتر وخيرات وطني لا تعد ولا تحصى.
اليوم تبدل الحال الى حال اخر .. سياسه لا تعرف المبادئ ونواب مأزومون من اول جلسه وعصير التفاح يفوح في المكان ورئيس وزراء يقنعنا بالتقشف ولا يجرأ ان يطبق التقشف في رواتب وزراءه ويتباكى على افلاس الخزينه ولا يجرأ ان يجرجر فاسدا الى القضاء.
ارجوكم اعيدوني الى بستان جدي .. فالسياسه هناك اجمل من نفاق عمان .. فانا لم اعد احتمل هذا الكم الهائل من الفوضى .
الكاتب مؤسس موقع سرايا
hashem7002@yahoo.com