بقلم :

 حدثني صديقي المثقف عما حدث معه ذات يوم عندما التقى صديقا له لم يره منذ فترة طويلة ..وبعد حديث المجاملات المعهود في مثل هذه المواقف ..سأله صديقه عما يفعله هذه الأيام ...فقال له انه الآن عاطل عن العمل بعد ان طرده صاحب العمل بسبب ما اعتبره تحريضا للعاملين قام به صديقي ..وأنه الآن يكتب في بعض الصحف والمواقع الألكترونية وقد نشر كتابين وديوان شعر وأن لديه بعض المخطوطات التي تحتاج الى مراجعة وتنقيح وبحكم انه يعتبر نفسه مثقفا وصاحب رسالة ...فإنه يشعر أنه بقوم بما يجب أن يقوم به نحو مجتمعه ووطنه وشعبه ...فما كان من صديقه إلا ان قهقه بصوت مرتفع مما لفت انظار المارين بقربهم ..قائلا : اهلا يا مثقف ..اهلا يا ابو الثقافة ..مما احرج صديقي وجعله يسرع بالتخلص من صاحبه الذي يهزأ به وبثقافته وبمنجزه الثقافي ...وأضاف صاحبي في حزن شديد : أصبحت اشعر بالخجل والحيرة حين يسألني احدهم : ماذا اعمل ...هل اجيبهم بأني مثقف في بلاد لا تحترم الثقافة ولا المثقفين ؟لا تحترم الأدب ولا الأدباء .لا تحترم الشعر ولا الشعراء ...هل أجيبهم بأن بعض الناس في بلادنا ما زالوا ينظرون الى المثقف بعين الريبة والشك ...هل اجيبهم بأن العاهرات والساقطات والراقصات في الملاهي الليلية على موائد السكاري يعشن الحياة المرفهة بينما المثقف يبيت على الطوى وعاطل عن العمل ولا يملك قوت يومه ...هل أجيبهم بأن لشيخ العشير المتدثر بعباءة التخلف وللمختار في أي قرية أو حي قيمة اجتماعية اكثر من المثقف ...هل اجيبهم بأن وسائل الإعلام مفتوحة لكل اطياف المجتمع باستثناء المثقف ... ويضيف صديقي بمرارة ..هل من الضروري ان يكون المثقف مختارا او شيخ عشيرة او كاتب احجبة ورفيات دينية قصير الثوب محفوف الشارب كي يهتم به المجتمع وتهتم به الحكومات ...ولكي يكون له اعتبارا ووزنا اجتماعيا وماديا ... ولماذا نحن العرب ( امة اقرأ ) نحترم ونقدر الأمي والجاهل الذي يبني القصور والفلل بأموال لا أحد يدري كيف ومن أين جاء بها بينما المثقف الحقيقي ينام على الرصيف جائعا مغبرا ...ولماذا نحن العرب ( والعرب فقط ) نحذر ابناءنا من التعامل او الأختلاط مع المثقف الإحنكاك وكأنه يحمل جرثومة الأيدز او الجرب ...لماذا نتعامل مع المثقف وكأنه خطر داهم على حاضرنا ومستقبلنا ...وتحت اي ذريعة يقبل العرب بأن يشتري أحد الأثرياء هدية ما لعاهرة أو راقصة في إحدى علب الليل يساوي في ثمنه ما قد يكسبه المثقف خلال عشرة سنوات ...هذا ان كسب شيئا ...ويستطرد صديقي ...أنا هنا لا اتكلم عن مثقفي السلطات في البلاد العربية من كتاب وصحافيين وكتاب اعمدة الصحف ممن تعودوا التصفيق للحاكم والوزير والمسؤول ...فهؤلاء موظفون ولا تقصر معهم الحكومات العربية ...اما الكلمة الحرة الشجاعة والمسؤولة التي تشم من خلالها رائحة المعاناة التي يعيشها الناس في البلاد العربية ..فهي مطاردة ومحاربة ( بفتح الراء ) وأصحابها من المثقفين الشرفاء مطاردون ومحاربون ايضا ...واتساءل : لماذا تكون صلاحيات وزير الداخلية في اي قطر عربي اضعاف صلاحيات وزير الثقافة ...بل ...ولماذا لا تنجح للعرب وانظمتهم السياسية اية مؤتمرات او لقاءات الا مؤتمرات ولقاءات وزراء الداخلية ...ان كلمة مثقف يا صديقي لا تجلب لصاحبها الا الجوع والعوز والحرمان والمراقبة الأمنية ...ختم صديقي كلامه بهذه الجملة القصيرة التي لخصت كل شيء وتأبط جرائده وكتبه وانصرف ...لا يدري هو نفسه الى اين ...