14-03-2013 04:52 PM
بقلم : أيمن موسى الشبول
نظر حكم الراية للمهاجم المتقدم بالكرة ثم قال في نفسه : هذه حالة تسلل مشكوك فيها ،الأمر ملتبس هنا ، وسوآء أعلنت عن تسلل أم لم أعلن عن ذلك إن ردة فعل الجماهير واحدة وهي : إعتراضات واحتجاجات وشتم من بعض الجماهير على المدرجات ، ولكنني سأرفع رايتي هنا لتبرئة لدفع الشبهات وقطع الشك باليقين ...
ورفع حكم الراية رايته وانهالت عليه الشتائم من جمهور ذلك الفريق ، ولكن تلك الشتائم باتت تتكرر في كل مباراة تقريبا” ، حتى باتت أهازيج يتفنن الغوغاء بتردادها بسبب ودون سبب ، ولكن كان أشد ما يخشاه حكم الراية هو استهدافه بحجر طائش من قبل مشجع مندفع متهور ، ولكن لحسن حظ حكم الراية فان هذا الأمر لم يحدث ...
أستئنفت تلك المباراة من جديد ، ثم مال اللعب بعد ذلك الى الهدوء ، وفي تلك اللحظات كان حكم الراية قد سرح بخياله بعيدا” عن أجواء تلك المباراة الهادئة ليفكر في همومه الكثيرة ومشاكله المتراكمة من مطالب أسرية وأقساط شهرية وغيرها ...
ولكن عمل الحكام لا مكان فيه للشرود والغفلة وهو عمل يقتضي التركيز بما يجري في الميدان ، ومحاولة دفع الهموم ونسيان كل شيء ، ففي لحظة سهو وشرود قد تهضم حقوق وتنقلب موازين وتتبدل نتائج ، وهذا ما الشيء كاد يحدث بالفعل في تلك المباراة عندما نشب عراك عنيف بالأيدي بين لاعبين من الفريقيين المتباريين ، وحاول بعده كل لاعب محاولة ايهام حكم المباراة بأنه هو الضحية وهو المستهدف ، أظطر حكم المباراة بعد ذلك الشجار لطلب مشورة حكم الراية لاستطلاع حقيقة ماجرى في الملعب ، ولكن حكم الراية كان سارحا” وغارقا” في همومه ، ولم يكن متابعا” لتفاصيل ما جري في ، ولكن كان عند حكم الراية حرص للابتعاد عن عدم الشبهات التي قد تقود الى الظلم ، لذلك فقد كانت نصيحته لحكم الساحة بأن يكتفي في هذه المرة بتوجيه إنذار„ أصفر„ لكل المتعاركين في الملعب ، وهذا ما تم بالفعل ...
بعد فترة قليلة من اللعب سجل الفريق الأول هدفه الأول ، وقد جاء ذلك الهدف من ضربة جزاء كان هناك شك كبير في صحتها ، واعترض عليها الفريق الثاني ، ولكن الحكم لم يصغي لأحد„ منهم ، فقرارات الحكام لا تراجع فيها ولا مجال فيها للاسئناف ...
كان لدى حكم الراية قناعة مؤكدة بأن ضربة الجزاء المحتسبة تلك هي غير صحيحة ، ولكن حكم المباراة لم يستشره بشأن تلك الضربة لذا فقد التزم الصمت ، لاسيما وأن القرار الأخير في الملعب هو من اختصاص حكم الساحة ...
لم تمضي بعد ذلك سوى بضعة دقائق حتى سجل الفريق الثاني هدف التعادل والذي أعاد الحماس لتلك المباراة ، ظلت نتيجة التعادل هي المسيطرة على أجواء المباراة ، ولكن قبل نهاية تلك المياراة ببضعة دقائق سدد مهاجم من الفريق الآول ضربة” قوية” اصطدمت بعارضة المرمى وبعدها اصطدمت بالأرض بقوة متجاوزة” خط المرمى بسنتمرات قليلة ، ولكن تلك الكرة عادت وارتدت لخارج المرمى ولم تذهب لملامسة الشباك كما هو الوضع الطبيعي لمثل تلك الكرات ... أشار حكم الساحة بأن هذه الكرة هي ليست هدفا” وأعلن عن إستئناف اللعب من جديد ، ولكن كان هناك اعتراض قوي وغضب شديد من لاعبي الفريق الأول ومن جمهوره كذلك على عدم احتساب تلك الكرة هدفا” ، مما دفع حكم الساحة لطلب مشورة حكم الراية حول تلك الكرة ... فكر حكم الراية مليا” بما جرى لتلك الكرة ثم قال في نفسه : لقد كانت ضربة الجزاء الأولى الممنوحة للفريق الأول هي غير صائبة حسب رأيي ، والآن المباراة قد اقتربت من نهايتها ، وهناك احتمال كبير بأن تكون هذه الكرة قد تجاوزت خط المرمى بعد ارتدادها من عارضة المرمى ثم اصطدامها بالأرض ، والوضع الطبيعي لمثل تلك الكرات إن تجاوزت خط المرمى هو معانقتها الشباك ، وحيث أن ذلك الشيء لم يحدث فإنني اعتقد أن الحق هنا كان أقوى من الجميع ، والحق هنا هو من أخرج تلك الكرة إلى خارج المرمى ، وكأن الحق أراد انصاف الفريق الثاني بعد أن ظلم بضربة الجزاء الخاطئة ... ثم نظر حكم الراية الى حكم الساحة وقال له بثقة وثبات : إن قرارك بعدم احتساب هذه الكرة هدف هو قرار صائب ، لان وضع الكرة الطبيعي عندما ترتد من العارضة الى أسفل المرمى أن تعانق الشباك ، ولكننا نجدها قد خرجت من المرمى ...
ثم انتهت تلك المباراة باعلان تعادل الفريقين المتبارين ، ولكن المحللين والمتابعين لتلك المباراة كانوا قد وجهوا نقدهم الشديد لحكم المباراة ولمساعديه اصرارهم على عدم احتساب الكرة هدف وقد تجاوزت خط المرمى ، ولكن هؤلاء الناقدون بأن قوة الحق كانت هنا أقوى من الحكام ومن الجميع ...
رقابة صادقة وصافرة حاسمة وراية ومشورة وارادة فاعلة وصديق صدوق هو كل مايحتاجه الحكام لادارة المباريات بسلاسة بعيدا” عن الظلم والتجاوزات وهضم حقوق الآخرين ...
قد يرتكب بعض الحكام هفوات ، وقد يقع بعضهم الآخر في أخطاء„ أليمة وزلات ، والحكام هم في النهاية هم بشر يرتكبون الأخطاء ، ولكن تلك الهفوات سوف تزداد في لحظات الشرود والغفلة ، وستكبر تلك الأخطاء لتصبح قاتلة عندما تغيب المشورة ، وقد تطيح تلك الأخطاء برؤوس وأرزاق المساكين إن بوجود مستشارون كاذبون مخادعون منافقون ...ولا يغرنكم أيها الأخوة ضجيج الباطل وهديره القوي وصخبه ، فصوت الحق في النهاية هو من سيطغى وهو من سيبقى ، وسوف يعود الحق بقوة الرب ليدحض الياطل ويمحوه بكل ثبات ، والحق من سيسود في نهاية الأمر والحق من سيقرر ، شاء من شاء وأبى من أبى ...