14-03-2013 05:33 PM
بقلم : د.امديرس القادري
هذه هي بعض الأوصاف التي استخدمها رئيس الوزراء المكلف الدكتور عبد الله النسور وهو يتحدث عن الحكومة التي سيقوم بتشكيلها بعد أن نال الثقة الملكية ، وهذه الكلمات الوصفية تستدعي التوقف أمامها لأنها تثير في نفس القارىء الكثير من الأسئلة والشجون ، ذلك لأنه من حق أي مواطن مهما كان بسيطا أن يتساءل عن الكيفية والطريقة التي يمكن أن تولد من خلالها حكومة نظيفة وطاهرة ، فتشكيل الحكومة في أي بلد هو مسألة سياسية بإمتياز ، ومن هنا ينبع السؤال عن علاقة التشكيل بالنظافة والطهارة وإن كان ذلك وحده كافيا لولادتها .
بالعودة قليلا للوراء وإبان الأجواء الإنتخابية النيابية طغى وساد على أغلب الكتابات والتعليقات مصطلح النزاهة والشفافية وكان ذلك مستوعبا وبكل الأبعاد والمقاييس التي كان يتم توظيف هذه الكلمات من خلالها ، ولكن القول عن الحكومة القادمة بأنها ستكون نظيفة وطاهرة ففيه الكثير من الصعوبة التي تعيق وتمنع الوصول إلى إستيعاب وفهم منطقي وموضوعي للمراد من هذا الوصف الذي لجأ إلى إستعماله رئيس الوزراء المكلف .
قد نتفهم أغلب الجوانب الأخرى التي وردت في حديث الرئيس ، وقد ندرك المغزى والمقصود من إبداء الإستعداد والإلتزام أمام كل الخيرين – حيث نلاحظ هنا أنه لم يقل الشعب - ، وقد نتفهم ما هو مطلوب من الحديث عن الحاجة الماسة إلى الفكر والرأي الجديدان ، وعن رغبة الكل في إحداث التغيير ، ولكن نعود للقول بأنه من حقنا معرفة مدى الدقة في القول بأن الحكومة " النظيفة والطاهرة " ستكون هي الطريق الأصوب والأسلم الذي سيمكن من الوصول إلى بقية الأهداف الأخرى المرجوة من وراء هذا التشكيل الحكومي .
كلمة طاهرة يا دولة الرئيس في اللغة هي اسم علم مؤنث عربي ، ومعناها النقية أو التقية أو المنزهة عن العيوب ، وإذا ما أخذنا بعين الإعتبار مقدار الأشواط والمراحل التي لا يزال على الأردن قطعها على طريق الوصول للإصلاح المنشود ، فسوف يكون بمقدورنا التكهن بحجم المصاعب والمعيقات التي ستعيق وتمنع وجود وإمتلاك حكومة بهذه المعاني والسمات الكامنة داخل كلمة الطاهرة والتي تحدثت وقلت أنها ستكون صابغ رئيسي للحكومة التي تنوي تشكيلها ومن هنا تأتي أهمية تقديم النصيحة بضرورة البحث عن مسمى أخف في الميزان السياسي والذي على أساسه يتم وزن وقيام الحكومات .
على الصعيد الداخلي هناك عشرات الملفات التي لا تزال تبحث عن المزيد من التنظيف والتطهير لنصل بها إلى حدود معقولة ومنطقية ومقنعة للشرائح الواسعة من هذا الشعب والذي بُح صوته وعلى مدى عامين من التظاهر والإحتجاج وبكافة السبل والوسائل السلمية ، وكذلك هو الحال مع السياسة الخارجية والتي لا نستطيع إغفال أهميتها وتأثيرها ، فهي الأخرى بحاجة إلى بذل جهد بالغ وكبير حتى نقول أنها اقتربت في مواقفها وتفاصيلها من الوضوح الذي نتطلع إليه .
إن ما هو محمول حتى اللحظة على أكتاف وظهر البلاد وشعبها من مخلفات مراحل زمنية ماضية وحكومات سابقة ، ما زال ينتظر سياسات وخطط عملية ونظيفة ولا لبس فيها للتخفيف من حدة وثقل هذه الأعباء التي تلقي بظلالها على أغلب المستويات والصعد التي يتطلع إليها كل مواطن ومن جوانبها الحياتية والمعيشية ، هذا هو المهم ، و هذا ما نحن في حاجة إليه قبل الحديث عن مواصفات لحكومة قادمة يعرف رئيسها وقبل أعضاءها أن الوصول لإمتلاكها هو أقرب إلى المستحيل حتى يتم إعادة ترتيب للكثير من ملفات الأوضاع الداخلية والخارجية التى يطالب بها الشعب لكى يعطي الثقة اللازمة ، ودولة الرئيس يعلم جيدا ماذا يحدث غالبا لمن يحمل في يديه حجرا أكثر وزنا من مقدار ما تحتاجه الرمية المطلوبة ! .
الحديث العاطفي من موقع الدرجة الأخيرة للسلم المطلوب صعوده لا يجدي ، وهو اسلوب سبق تجربته وثبتت على أرض الواقع عدم منفعته ، ومن هنا فإن العودة للبحث عن الدرجة الأولى والتفكير بما هو مطلوب فعليا لقطعها نحو التي تليها قد يسهل بعض الشيء على المركب وقبطانه الإبحار الآمن نوعا ما ، فالأمواج عاتية وصاخبة وعلى الصعيدين المحلى والإقليمي ، وما هى الطريقة التي من خلالها يمكن المحافظة على الأردن في مأمن من الحرائق المشتعلة في المنطقة ؟ هذا هو التحدي الذي ينتظر البلاد قيادةً وشعباً والله المستعان على ما هو قادم في القريب العاجل .