16-03-2013 10:06 AM
بقلم : كميل الحدّاد
يشهد مجتمعنا وباءً فتك بأعمار شبابنا وتسلل إلى جامعاتنا وبيوتنا بسرعة قياسية، فكان له وقع الصدمة الأشدّ على الآباء والأمهات. إنه السم الأسود... المخدرات. ذلك الوباء الفتاك قضى على شبابنا، فدمّر حياتهم وغدهم. فهل من منقذ يخلّص شباباً تتربّص بهم الآفة الأخطر وتنسج الشرّ لهم في الأيام الآتية؟ هل من يضع حداً لمروّجيها وتجارها؟ وماذا عن حُماتهم؟ لماذا يلجأ شبابنا إلى هذا الحضيض وهذه التهويمات السود؟ هل هو اليأس أم فقدان الأمل بالمستقبل أم الهرب من الواقع المليء بالهموم؟
أسئلة كثيرة تقضّ المضاجع نطرحها على المسؤولين المعنيين علّهم يضاعفون جهودهم المفقودة في سبيل وضع حدّ لتفاقم هذه الآفة التي قضت حتى الآن على عدد غير قليل من شبابنا، والآتي بلا شك سيكون أعظم...
عبر المتابعة التي قمنا بها مع المتعاطين من الشباب ومع المؤسسات الاجتماعية المعنيّة بمعالجة الإدمان، تبيّن ان لاحول ولا قوة لدى هذه المؤسسات كونها لاتملك القدرة على انشاء مراكز للعلاج , المشكلة تكمن ايضاً في معاملة المريض المدمن على أنه مجرم يماثل القاتل واللص، لا كمريض يحتاج إلى رعاية صحيّة وعلاج. ومن هنا اتت الفكرة ... وبعد معاناة المدمنين واهلهم والمجتمع على حد سواء . وبعد غياب الدولة عن هكذا مشاريع مفيدة وتحد من موت الجيل الصاعد وضياعه .
وللاضاءة على هذا الموضوع كان لابد من زيارة مركز علاج المدمنين في مستشفى ضهر الباشق الحكومي , والذي يعتبر الوحيد لا بل اليتيم في لبنان لمعالجة هذه الآفة .اسئلة كثيرة طرحناها ونطرحها على المسؤولين وعن تهرّبهم من مكافحة المخدرات وعدم الاكتراث لها, مع العلم انها باتت في كل حي وشارع ومبنى ومدرسة.....
وبعد أن " تكرّمت " الدولة وساعدت بايجاد نوعاً أو قسطاً ضئيلاً لحلّ هذه المشكلة . كان لا بد من القاء الضوء على هذا المشروع الاجتماعي , الصحي , العلاجي الاهم بالنسبة للمجتمع اللبناني بكافة شرائحه .
حاموش
وخلال لقائنا الدكتور روجيه حاموش المدير العام , رئيس مجلس الادارة في مستشفى ضهر الباشق الحكومي اوضح وفسّر والقى الضوء...
* متى وكيف اتيتم بفكرة اشاء مركز علاج الادمان في لبنان ؟
- الفكرة اتت عام 2010 نظراً للحاجة الملحة في بتّها وكون آفة المخدرات تفاقمت الى حد كبير , وبما اننا نملك مبنى قديم يعود للعام 1909 , فكرنا بتجديده لكن ميزانيتنا الضعيفة لم تسمح لنا , فلجأنا لمؤسسة الوليد
بن طلال مشكورة بشخص الوزيرة ليلى الصلح حمادة وبكتابنا اعلنا النية بانشاء هذا المركز وطلبنا المساعدة والحمد لله " نقشت " واستجابوا لطلبنا هذا وقاموا بالترميم لناحية البنى التحتية واعادة اعمار المبنى مع الحفاظ على تراثه القديم.
وفي شهر كانون الثاني من العام 2010 تم وضع حجر الاساس والافتتاح وبدىء العمل بدعم وحضور معالي وزير الصحة علي حسن خليل آخذاً على عاتقه هذه الخطوة الجبارة اذ اعطانا سلفة مالية تشغيلية للمعدات الفندقية والطبية كما وخصصت وزارة الصحة لهذا الغرض سقفاً مالياً مستقلاً عن ميزانية المستشفى , وبدأنا بدعم كبير وجهود جبارة منهم ودرجة عالية من الاحترافيّة .
* كيف تتابعون المريض المدمن داخل المركز ؟
- المدمن الذي يريد الشفاء اختيارياً وبحاجة للمساعدة الطبية وقبل البدء بمرحلة التأهيل نستقبله ونساعده بملىء ارادته كي لا يشعر اننا نعامله كسجين , انه مركز طبي علاجي وليس سجناً. كما وان المريض لديه الحرية المطلقة بالبقاء من تلقاء نفسه او الخروج من المركز , مع الحفاظ على راحته والسماح له بالخروج للطبيعة ساعة يشاء , كما ونعمل على ايجاد معدات رياضية وغيرها من الادوات التي تسمح للمريض بقضاء فترة علاجه بسلام وبعيداً كا البعد عن الملل, واليوم بات لدينا لائحة انتظار طويلة كوننا الوحيدين المعنيين بعلاج ادمان المخدرات , كما وطرح الوزير الخليل بمجلس الوزراء مرسوما لانشاء مراكز مماثلة في جميع المحافظات اللبنانية لقناعته بضرورة الحد من آفة المخدرات .
* أفهم من كلامك بان للمريض الحرية المطلقة بالبقاء او الخروج من المركز ؟
- للمريض الحرية بالبقاء كونه دخل المركز اختيارياً , لقد افتتحنا مركزا علاجياً وليس سجناً. ننصحه بالبقتء ونرشده للطريق الصحيح , ونجعله يستوعب وضعه ونقنعه بحاجته للعلاج الطبي , وبعدها يقرر بنفسه الدخول لمراكز التأهيل التي يختارها. مع الاخد بعين الاعتبار مستعدة الاهل على كيفية التعاطي مع المدمن والطرق الناجعة للنواصل معه .
* ما هي القد رة الاستيعابية للمركز؟
- المركز حالياً يتسع لحوالي الخمسة عشر مريضاً , ونعمل جاهدين على توسعته .
* كيف يتم دخول المدمن او تحويله للمركز ؟
- يد خل المدمن عبر اللجنة الوطنية لمكافحة المخدرات والتي ترأسها القاضية رندى كفوري بعد توقيفه عدليا أو قضائياً, يضعوه امام خيارين , اما الخضوع للعلاج او الدخول للسجن .
او من خلال الاهل او المدمن بنفسه طالب العلاج بالاتصال على الخط الساخن الخاص لهذا الغرض وهو 872145/04
او على الرقم :5004
* ما هي المراحل التي يمر بها المريض ويتبعها لشفائه ؟
- اولا يخضع للعلاج الطبي الذي يقيه " الكريزة " والاعراض الانسحابية , وتقييم وضعه يتم من خلال اطباء نفسيين ومعالجين اجتماعيين كونها تسهل عملية الخلاص من شر المخدرات ورواسبها في جسمه. وهذا الفريق المتخصص خضع لدورات متتالية بدعم من السفارة الفرنسية في بيروت داخل المراكز العلاجية المماثلة في فرنسا .هذه هي المرحلة الاهم كونها تشفيه صحياً ويبدأ بعدها تحضيره للعلاج النفسي الذي نبدأ به ويتابعه داخل مراكز التأهيل المتخصصة ولفترة معينة , وكل حسب وضعه وتجاوبه ورغبته بالعلاج...
* يعني ان المرحلة الاولى والتي هي على عاتقكم هي الاصعب والاخطر ؟
- ابداً. نحن نبدأ بمرحلة الفطام لتنظيف الجسم من السموم ورواسب المخدرات وتهدئة العوارض الا نسحابية , ويكون بعدها جاهزاً لدخول مراكز اعادة التأهيل . الاصعب هو كيفية تعاطي فريقنا المعالج معه بالاثار الجانبية
( كريزة , تعصيب , تكسير , تهجّم الشعور بالحاجة للمواد المخدرة...) لكن والحمد لله لم نواجه حتى الآن مثل
هذه الحالات,كون الفريق الطبي المتخصص يعرف كيف يتعامل مع المدمن, ونجح فيها.
* وهل كلفة العلاج لديكم بالنسبة لغيركم من المستشفيات والتي " كفر " منها الاهالي والتي تتجاوز احياناً الالفي دولار اسبوعياً ؟
- ابداً . نحن ملتزمون بتسعيرة ودعم وزارة الصحة العامة ( %85 ) من النفقات والعلاج تتحمله الوزارة و
% 15 على حساب الاهل . مما يشكل كلفة بسيطة بالنسبة لغيرنا من مراكز العلاج الخاصة . كما ونساعد
المدمن بمتابعة علاجه النفسي مع الطبيب المختص بكلفة زهيدة بعد خروجه من المركز . كما واننا بصدد دراسات عدة لمساعدة المريض واهله على حد سواء ليتعاونوا سوياً على تخطي المرحلة والبدئ بالعلاج النفسي الطويل .
نحن بدأنا برسالة لا طبابة , وباذن الله سنكملها على اكمل وجه حتى النهاية ...
* وعلى من تعتمدون بالمساعدة المادية كون مساعدة الوزارة لا تكفيكم وهي تتحمل القسم الكبير من العلاج
الطبي فقط ؟
- اولا نتكل على الله كونه المعين الاول وعلى مهارات فريقنا الطبي , وعلى دعم وزارة الصحة والوزير شخصيا والذي يحرص على زيادة الميزانية لاقتناعه بضرورة اكمال هذا المشروع الانساني العلاجي , وللحد من
تفاقمها في المجتمع اللبناني . كما واتوجه من خلال الاعلام الذي لطالما دعمنا معنوياً , لكل من يجد فيه القدرة على مساعدة الجيل الصاعد للخلاص من آفة باتت على ابواب كل بيت ومدرسة وجامعة ...
البيسري
ولدى لقائنا السيدة نصرة البيسري مديرة مكتب الدخول في المستشفى , ومديرة قسم علاج الادمان , أوضحت بان التواصل مع المريض قبيل دخوله للمركز يجعله على اقتناع تام بعلاجه , ونحاول اراحته نفسيا وتحضيره للاختلاط مع المرضى والممرضين والاطباء, ونساعده لتخطي كافة المشكلات التي من الممنكن ان يواجهها , من حاجات خاصة , دواء , طلب الراحة والمساعدة ...
ولدى سؤالنا عن التكلفة التي يجب ان يتحملها المريض , افادت بانها لا تتعدى الاربعين الف ليرة لبنانية يوميا , وهذا ما يشجع الاهل والمريض على حد سواء بالدخول لهذا المركز , كون التكلفة في المراكز والمستشفيات الخاصة الخاصة باتت من المستحيل تحمّلها .
وفي حال خروج المدمن من المركز ولم يتلائم مع العلاج او مع الموجودين داخله, أفادتنا " نحاول معه مراراً وتكراراً , بمساعدة الاطباء النفسيين , كما ونرحب به ساعة يشاء الدخول مرة ثانية,فاتحين له المجال بالحصول على فرصة جديدة وحياة جديدة ...