16-03-2013 04:55 PM
بقلم : مصطفى صالح العوامله
يبدو أن كلمة ضمير لغةً ، أصبحت تحمل معنى فضفاضا ، يختلف في مضمونه بين حضارة وحضارة ، أو بين أمة وأمة ، أو بين مجموعة بشرية و أخرى على هذا الكوكب الذي تلاشت بينه المسافات ، و أصبحت الرؤيا فية أكثر وضوحا وشفافية ، وخاصة خلال العقدين الماضيين من عمر هذا الإنسان البعيد على هذا الكوكب .
فقد ضاقت الهوة المعرفية والثقافية والحياتية بين الأمم والشعوب ، مع إنتشار وسائل الإتصال الحديثة ، بالرغم من أثارها السلبية والإيجابية على منظومة القيم والمبادىء والأعراف المشتركة بينها ، إن هذا الإنسان الذي ينتشر على مساحات متجاورة ومتداخلة جغرافيا وديمغرافيا ، يصر على وضع حواجز وسواتر بينها ، لتحقيق مصالح ضيقة ولو على حساب غيره ممن هم خلف تلك الحواجز التي رسمها بيديه وعقله السقيم ، مخالفا الطبيعة التي أرادها الله عز وجل بقوله :- ( يأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى * وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا * إن أكرمكم عند الله أتقاكم * إن الله عليم خبير ) وكذلك قوله عز وجل :- (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون * ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون) إلا أن هذا الإنسان المتمرد على نواميس خالقه ومبدعه ، بوسوة من الشيطان وأعوانه من البشر الذين عصوا ربهم بعد إذ هداهم النجدين وأضاء لهم الطريق القويم وهو القائل في كتابه العزيز :- ﴿أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ *وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ *وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ ﴾ هذا الإنسان الذي يأبى إلا أن يكابد في على هذه الأرض بطريقتة الكفيفة البعيدة عن الهدى و النور الذي منحه له الله وكرمه به .
إن كلمة ( ضمير ) هذه ، أصبحت كلمة غير ذات مضمون أو معنى على الصعيد العالمي ، بعد أن تلاشت كل المعايير التى تحكم سلوك هذا الإنسان على الأرض ، ببعده عن المنهج الذي وجد من أجله ، بعد أن عاد إلى بهيميته التي لا يرى من خلالها إلا مصالحه الخاصة والضيقة ، وغرائزه الدونية ، والمدافعة عنها بشراسة الذئاب والضوارى المتخلفة ، وفق منطق القوة والسلطة والجبروت ، وهو الذي يعتبر كل من هم خارج أطار تميزه النوعي ، مجرد توابع تدور في فلكه ، وتعمل من أجل رفاهيته ، وتأتمر بأمره ، ولذلك فأنه يبتدع كل السبل والأحابيل التي من شأنها تفتيت قيم الشعوب ومبادئها ، وما يجمع بين خلاياها المتجانسة ، ببث الفرقة والإختلاف بين مكوناتها لتبقى هزيلة طيِعة قابلة للتشكل حسب مقتضيات حاجاته ومتطلبات رفاهيته .
إنهم في حقيقة الأمر مجموعة من المرضى النفسيين الذين يعانون من علل وأمراض مخيفة يخفونها عن من حولهم ( من جنون عظمة وإحساس بالتميز النوعي والعرقي ) ، ويجيشون ويحشدون المماثلين لهم من مرضى ومشوهين ( والأقل شأنا منهم حسب قناعاتهم ) من بين الشعوب والأمم ، لمساندتهم في أطفاء حمى شهواتهم وغرائزهم وأطماعهم ، بوسائل متعددة ومتنوعة ، تحمل في ثناياها المكر والخداع والتضليل والمراوغة وقلب الحقائق وتزييفها ، متكئين على أحدث ما توصل اليه العلم والعلماء ( المجموعين في حضائرهم ومختبراتهم ) من تكنولوجيا حديثة ومتطورة على إختلاف مستوياتها وأنواعها ومجالاتها المتعددة ، ووفق المراحل والمتطلبات التي تؤدي الى غاياتهم المرضية .
إن أخطر الوسائل التي تبتدع لنهب ثروات شعوب الأرض والأمم ومقدراتها ومقدرات أجيالها اللاحقة ، تلك التي تغلف بعناوين براقة تسر الناظرين ، تحسبها هذه الشعوب ماء يطفىء ضمئها، وطعاما يسكت سغبها ، وكساء يستر عوراتها ، من خلال منظومات من المنظمات والمؤسسات والمنتديات والمحافل ومحاكم ، ووفق إتفاقيات وبروتوكولات حقوق إنسان و غيرها من المبتدعات ، تحت مسميات عديدة ما أنزل الله بها من سلطان ، هدفها تخدير ضمائر الأمم والشعوب وتنويمها ، بل وإيصالها مراحل الغيبوبة ، وحتى الموت السريري ، والتي من أخطرها خلق الفرقة والخلاف والتناحر والتقاتل والتسابق في إقتناء الأسلحة والتكنولوجيا التي فقدت قيمتها وفاعليتها ، لإستخدامها من قبل هذه الشعوب والأمم ، وتحت ذرائع متعددة مبتدعة بمكر ودهاء ، بإستخدام إختلاف الأديان والطوائف والأعراق والأجناس والجهات ، وكل ما هو مؤثر في عواطف وغرائز العامة والرعاع من بين الشعوب والأمم ، والمهيج لمشاعرها على طريقة ثيران المصارعة في الحلبات الأسبانية ودول أمريكا اللاتينية ، وصراع الديكة في جنوب وشرق اسيا ، ومن خلال إختلاق أقطاب سياسية مختلفة الأيدولوجيات والرؤى والمعتقدات ، تتم زراعتها في ضمائر قادتها وتتبناها شعوبها ببله ، ودون وعي لما تخلفه من دمار وتدمير بإستخدام مختلف المعارف والعلوم والسياسات ، والحشد للإقناع والإقتناع بها وجعلها منهاج حياة ومنظومة سلوك .
إن ما يهمني من خلال هذه الإضاءة والتشريح الواقعى لما هو عليه هذا العالم المتلاطم ، وغياب الضمير فيه ، والتنافس المحموم بين مكوناته ومنظوماته السياسية ، وتصارع الكبار عليه لإحتوائه واستغلال شعوبه ، وامتصاص طاقاتها وإمكاناتها المادية والعلمية والبشرية والطبيعية ، وتسخيرها كلها لمصالح النخبة الخفية الضيقة ، كم في ( كتاب الحكومة الخفية ) و ( كتاب أحجار على رقعة الشطرنج )و( ما طرحه برنارد لويس المفكر الصهيوني من مخططات على منطقة الشرق الأوسط ، والشرق الأوسط الجديد ، وهي التسمية المستحدثة للبلاد العربية أصلا ليمكن إحتواء الكيان اليهودي في ثناياها وجعله طبيعيا وجزء منها ) بغية البقاء هناك في مواقع السيادة والتميز ، والمشكلة الأهم في ذلك ، هي أن نفس شعوب مجموعة الكبار ، لا تشكل سوى عجلات وخيول تجر عربات قادتها الخفيين ، ] كماورد بكتاب قديم إسمه (أمة من غنم ) للكاتب الأمريكي وليام جي ليدرر ، الذي يقال أنه إنتحر في بداية ثمانينات القرن الماضي !! [ ، القادة الخفيون أولئك هم غير من يظهر من قادة تتلقفهم الشاشات وتتناقل أخبارهم وأقوالهم وخطاباتهم وتصريحاتهم وحفلاتهم وبروتوكولاتهم ، وتنقل صورهم عدسات المصورين ، وما هم في واقع الحال ليسوا سوى أدوات لتنفيذ مخططات المرضى النفسيين الذين يقودون العالم حقيقة ، من خلال محافلهم المغلقة عليهم وحدهم ودون السماح الغيرهم من الولوج إلى هذه المحافل المغلقة ، وللإستزادة في المعرفة ، كتاب اليهودي العالمي لهنري فورد وهو صاحب شركة فورد الذي فضح الحملة الصهيونية عليه وتأليب العالم لمقاطعة منتجات فورد بكل العالم ، كتاب عالم جورج بوش السري لمؤلفه إريك لوران وأسرار عاصفة الصحراء كما وردت من الإعلام الأمريكي إبان الحرب الكونية على العراق .
إن ما يهمني من كل ما سبق ومن خلال كل ما يحيط بالأمة العربية الواحدة ، وهو ما يدعو للأسى والحزن والألم ، أن الضمير العربي أضحى في سبات عميق ، أو في مراحله المتقدمة من الإحتضار ، بفضل فئات تظن نفسها قيادات حقيقية ، من خلال المال والثروات الطبيعية وسطوتها ، وتبعيتها وارتهانها المطلق لقوى الشر والظلام ، تظن أنها تستطيع لعب الأدوار المهمة في حياة هذا الشعب العربي الواحد ، ( الموحد عاطفيا في لغته وتاريخه وخضارته وعاداته وتقاليده المثوارثة منذ ما يزيد على الف وخمسمئة عام ) وذلك بتفتيته وتقزيمه وجعله كنتونات صغيرة مستضعفة ومتناحرة ، بزرع النعرات الطائفية والدينية وقياداتها المسيسة والمسيرة ، والحزبية الفردية المصنعة لغايات محددة ومسبوهة والمناطقية والجهوية والعقائدية المحورة والمزيفة التي كانت حقيقية وصادقة وموحدة له من محيطه الى خليجه ، بإبتداع عناوين ومسميات براقة مبهرة ، تخلو من المضامين الحقيقية الفعالة ، من بينها التحرر واجتثاث الفساد والمحسوبية والمساواة وتكافؤ الفرص وتوفيرها ومصطلح الشعب مصدر السلطات والنظرية الحديثة المبتدعة ، الرأي والرأي الأخر ، واستخدامها في الأساسيات والعقائد والمسلمات الطبيعية والفكرية غير المختلف عليها ، بعد أن تم تشويهها وإعادة هيكلتها وتكريسها من خلالهم ، ومن خلال ممارساتهم المشبوه باللعب على معانيها ومضامينها والتشكيك بما تحمله من معان ، بالمجادلة السفسطائية ، والحوار من أجل الحوار ، والتي لا تتعدى كونها تنفيذا لمخططات من صنعوهم ولمعوهم ونفضوا عنهم غبار الجهل والتخلف ووضعوهم في مواقعهم القيادية ، في غفلة من زمن هذا الشعب المكلوم والمثخن الجراح جراء صراعه الطويل في مكافحة المخططات السابقة الممتدة منذ انتهاء الخلافة الإسلامية الأولى وحتى ظهور ممالك الطوائف وأمراء الحارات ووالأزقة المتناثرة على مساحة الخريطة العربية ، وهي التي أوصلته لهذه المرحلة من التبعية و الإرتهان والتقوقع ، بعد إنكماش الشعور القومي والإعتزاز بالأمة العربية الواحدة ، التي كانت تشكل القاعدة الصلبة والحاضنة الحقيقية للرسالة الإسلامية الخالدة ، هذه الأمة التي كانت خير أمة أخرجت للناس ، حيث أصبحت تأمر بالمنكر وتنهى عن المعروف وتؤمن بقادتها من دون الله في عبودية حديثة ( عبودية القرن الواحد والعشرين ) وتدين لما تجمعه من حطام الدنيا دون نظرة ولو خاطفة لواقعها المرير والمزري ، وما آل اليه من تخلف وارتهان وهذيان ، وكانها تعيش اليوم الأخر بما يحمله من أهوال ، متناسين اليوم الحقيقي اليوم الأخر وما فيه من محاسبة وحساب وجنة ونار ، أو كما قال سبحانه وتعالى في كتابه العزيز : - ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ( ألا من متعظ ولو بكلمة سواء ، وإلا ( ما كانت النسوان تبدي عهرها ...... لو بين أشباه الرجال رجلا ) .