19-03-2013 10:14 AM
بقلم : د. إبراهيم بدران
تعتبر أراضي الدولة من منظور سياسي جزءاً أساسياً من تراب الوطن، وأمانة بيد الحكومة. ومن منظور اقتصادي هي موجودات وطنية، وثروة دائمة. ومن منظور مستقبلي هي أصول لا ينبغي التفريط فيها أبداًُ، باعتبارها تعود للشعب وملكا للأجيال القادمة. وعليها تقوم الكثير من النشاطات الوطنية والاجتماعية والاقتصادية والعمرانية، ابتداء من المحافظة على الطبيعة والبيئة، وانتهاء بإقامة المشاريع والمرافق للنفع العام أو الخاص المحدد بالقانون.
غير أن التنمية الاقتصادية بالضرورة، تتطلب توظيف جزء من هذه الأراضي وفي مواقع ملائمة لإقامة مشاريع اقتصادية خاصة أو عامة ،سواء كان صاحب المشروع هو الدولة نفسها أو كان مستثمرا خاصا يعمل على أسس اقتصادية تتجاوب مع اقتصاد السوق و مصالح المجتمع.
ما درجت عليه الإدارات المتعاقبة، هو إما تأجير هذه الأراضي وبأسعار رمزية غير عادلة أو بيعها للمستثمر. وفي الآونة الأخيرة ومع تداخل السلطة بالمال، وتعمق موجة الفساد دون وضع حدود رادعة ، أصبحت بيوعات الأراضي الحكومية تشمل أراضي ذات قيمة تاريخية، أو إستراتيجية، أو اقتصادية عالية جداً. وأصبحت هذه البيوعات تمرر بطرق غير مشروعة أو تقوم على الاحتيال على القانون.فهذه أراض تمنح للأقارب،وتلك تمنح للأبناء والأصدقاء، و أخرى للمؤلفة قلوبهم ورابعة للشركاء.كل ذلك مما يعلن عنه أو لا يعلن؛ الأمر الذي عزز من حالة الشك والريبة لدى المواطنين ولدى منظمات المجتمع المدني والأحزاب والحراكات والقوى السياسية. خاصة بعد بيع الكثير من الأراضي في مواقع هامة بأسعار بخسة، وضمن اتفاقيات هزيلة ومجحفة. والكثير من هذه البيوعات لم تكلف المستثمر إلا أقل القليل بسبب الشراكات والعمولات غير القانونية ،وبسبب تمويل المشاريع من البنوك المحلية، وبضمان الأراضي التي يتم التعاقد على شرائها كما حدث على سبيل المثال في أراضي العبدلي ومشاريع موارد وميناء العقبة وسواها.
وهناك أسئلة يتداولها المواطنون ولا يجدون إجابة مقنعة. الأول: هل يمكن اعتبار الأراضي حين تكون بمساحات كبيرة أو في مواقع هامة وحيوية أو حين تكون ذات قيمة اقتصادية أو إستراتيجية عالية ، هل يمكن اعتبارها من الثروات الطبيعية للبلاد وبالتالي ينبغي أن تنطبق عليها النصوص الدستورية بهذا الشأن وخاصة المادة (111) من الدستور والتي تقتضي موافقة مجلس الأمة قبل التصرف بها؟ أو أن الأراضي مهما كانت أهميتها وقيمتها تبقى مجرد موجودات عادية،تتصرف بها الحكومة كما تشاء؟؟ الثاني: هل البيع هو المدخل أو الأداة الوحيدة للاستثمار والتنشيط الاقتصادي؟ أو أن هناك بدائل عن البيع تجمع ما بين تمكين المستثمر من جهة، والمحافظة على الموجودات الوطنية من جهة أخرى؟؟. الثالث: هل تلجأ جميع الدول إلى بيع أراضيها حتى لو كان المستثمر أجنبيا؟ والبيع في مناطق إستراتيجية كما هي الحال في العاصمة أو العقبة أو وسط الغابات والأراضي الحرجية؟؟ هذا إضافة إلى الكثير من المفاجآت والغموض في الاتفاقيات، وأحيانا كثيرة غياب الشفافية وعدم الإعلان عن شخصية المشتري أو المستولي.
واضح أن الإدارات كانت لا تجد نفسها ملزمة بالإجابة عن هذه الأسئلة، ولا بالنظر إلى أراضي الدولة باعتبارها ثروات طبيعية وملكا للأجيال. هذا في الوقت الذي يرى الشعب عكس ذلك. و هنا لا بد من تبيان جملة من الحقائق على النحو التالي:أولاً- ان أراضي الدولة هي جزء من الثروة الطبيعية للوطن. وينبغي عدم بيعها والتفريط فيها إلا وفق القانون والدستور. وعندما تكون مساحات كبيرة أو مواقع هامة أو مناطق إستراتيجية، يجب أن تكون اتفاقياتها معلنة وبموافقة مجلس الأمة ثانياً- ان البديل الصحيح والذي تستعمله الكثير من الدول ،هو تأجير هذه الأراضي وليس تمليكها. تأجيرها لمدد طويلة تصل إلى 33 سنة وقد تمتد إلى 99 سنة، وفق اتفاقيات عادلة تسمح بالتجديد، ولا تسمح بانتقال الملكية. ومثل هذا الأمر معمول به جزئيا في أراضي وادي الأردن ،وهذا جيد. ولكن غير معمول به في أماكن أكثر خطورة مثل العقبة والعاصمة وكثير من الأراضي الحرجية وغيرها. وثالثاً- ان اتفاقيات الـتأجير ينبغي أن تكون معلنة وأن تخضع لموافقة لجنة قضائية لضمان النزاهة وعدم التكسب والتنفع والدخول في الفساد كما جرى في كثير من أراضي وادي الأردن؛ ما استطاع العديد من ذوي النفوذ أن يستأجروا الأراضي بأسعار بخسة غير عادلة وأن يكبدوا الدولة مبالغ طائلة لقاء الخدمات التي تقدم لهذه الأراضي ومجاناً. ورابعاً- ان لجنة النزاهة التي تم تأليفها مؤخراً ينبغي أن يكون لها دور في الاطلاع على الصفقات والبيوعات والاتفاقيات التي تجري بين الحكومة وبين آخرين وذلك للتأكد من نزاهة العمليات وخلوها من الفساد قبل أن يقع.
إن الكثير من الحالات التي تم فيها التصرف الخاطئ بأراضي الدولة لم تكن دائرة الأراضي طرفا فيه، و بالتالي لم تكن على علم بالحيثيات القانونية أو المالية.وهذا يستدعي أن يكون لهذه الدائرة العريقة القول الفصل في صحة و مشروعية وعدالة التصرف في أراضي الدولة. ولا شك أن الجهود المنسقة والمشتركة بين مجلس الأمة ودائرة الأراضي ولجنة النزاهة إذا تحققت، إضافة إلى رقابة منظمات المجتمع المدني من شأنها أن تضع نهاية للتصرف المجحف بأراضي الدولة و ثروات الأجيال القادمة.