20-03-2013 11:09 AM
بقلم : أيمن موسى الشبول
لا يوجد عربي واحد„ لم يحزن لمنظر أطفال وشيوخ ونساء العراق وهم يتناثرون جثثا” هامدة” وأشلاء” ممزقة بفعل القصف الهمجي الامريكي لملجئ العامرية في عام ١٩٩١م ثم قصف الفلوجة وجميع مناطق العراق بعد الغزو الامريكي عام ٢٠٠٣ م ... ولا يوجد عربي واحد„ لم يحزنه رؤية أطفال ونساء وشيوخ فلسطين وهم يقصفون بالطائرات الاسرائيلية بلا رحمة في الضفة والجليل والخليل وفي قطاع غزة ليقتل الكثيرون بينما ترك من كتبت له النجاة في العراء بعد تدمير بيته ...
وبعد الربيع العربي فإن كل عربي حر ومسلم غيور هو لاشك حزين جدا” ومتألم كثيرا” لمشاهد القتل اليومية وللدماء البريئة التي تراق في سوريا العربية دون سبب ...
إن مسلسل الأحزان العربية لا يكاد ينتهي وحلقاته لم تدع في نفوسنا مكانا” للفرح والسرور ... والفرحين في هذه الأيام هم فقط أعداء هذه الأمة من اليهود الطامعين ومن لف لفهم بعد أن جندوا كل شيطانيهم وتضرعوا لآلهتهم وخدامهم لكي تباد هذه الامة المتمردة على الظلم والذل والاستعباد خلال محاولتها البحث عن ربيعها المفقود وهم ينتظرون لحظة الانقضاض النهائية على ثروات الامة العربية الظاهرة والباطنة ...
لقد مزق الاستعمار وطن العرب ليجعله أوطانا” وهو لم يزل الى هذا اليوم على نهجه التقسيمي للبلاد العربية ... فالسودان العربي قد أصبح اليوم سودانين أحداهما عربي فقير والآخر عجمي غني وقد يصبح السودان في قادم الأيام ثلاثة أو أربعة ... أما اليمن فهو ماض„ لأن يعود يمنين كما كان قديما” ... أما سوريا العربية فقد يفضي ربيعها الموعود الى التقسيم والتفتيت والتشرذم ... وهذا كان وما زال هو هدف الاستعمار : بلدان عربية مفتتة وضعيفة يسهل على المستعمر لي ذراعها وتوجيه مسارها ورسم مستقبل أبناءها وابتلاع كامل خيراتها وثرواتها ثم في النهاية قبولها بوجود الكيان الغاصب على أرض فلسطين ... ولتدعيم هدف التفتيت فقد بث الاستعمار النعرات الطائفية في بلداننا العربية ونشر التفرقة بين أبناء تلك البلدان العربية الواحدة لتكون بذور الفتنة تلك هي القنابل الموقوتة والجاهزة للتفجير فى أي وقت ... وستبقى الكيانات العربية يلفها الوهن ويغلفها الضعف بعد أن قدست حدودها الوهمية وسارت على نهج الاستعمار دون أدنى تفكير ... وهذا الضعف المتنامي لهذه البلدان العربية هو كلمة السر الحقيقية في بقاء الكيان اليهودي الواهن المصطنع جاثما” ولعقود طويلة„ فوق أرض فلسطين ...
هو وهن عربي قد جلب الفقر والجوع والتشرد الضياع والهزيمة ثم جلب الذل والعار والهزيمة ... وبقاء الاستعمار في بلادنا مرهون ببقاء هذا الوهن والضياع ثم بقاء قادته وكل المروجين له ... لذا فقد جاهد المستعمر لتغذية ذلك الوهن والضعف في نفوس أبناء الشعوب العربية باثارة النعرات الطائفية ثم باللعب على التناقضات الموجودة بين أبناء البلد العربي الواحد ...
في وطننا العربي يوجد قتل يومي مبرمج وموجه وهو أمر فضيع ومحزن ومؤلم... في وطننا العربي هناك سفك دائم للدماء دون سبب وهو أمر فضيع ومحزن ومؤلم حقا” ... وفي وطننا العربي هناك مستقبل مظلم للشباب العربي بعد أن تحكم في مستقبلهم أعداء هذه الامة وهذا ما يشكل كارثة كبيرة وخيانة عظيمة لدماء الشهداء والتي سالت على طريق الحرية ونيل الاستقلال ....
ومسلسلات الحزن العربي لا تتوقف أبدا” ولا تنتهي ... وحتى لقد أصبحت أفراح المواطن العربي اليوم مغلفه بكثير من الحزن والبؤس والألم والأسى ...
وحتى ضحكات الاطفال قد حملت الى نفسي الأحزان ... وحتى ابتساماتهم البريئة قد ولدت لدي مشاعر الحزن والأسى ... وهي ابتسامات بريئة من طفل عربي يجهل حقيقة ما جرى له وما سوف يجري في قادم الأيام ... وهي ضحكات بريئة لا تعي الخبر ولا تحسن قراءة ما وراء الخبر ... ذلك الخبر الذي خطه الجهل والطيش والعبث وما وراء الخبر الذي خط بيد الاستعمار ...
كان مشهد الأطفال” السوريين الفرحين وهم يستعدون لركوب قارب„ ينقلهم مع اسرهم عبر سد الوحدة الى الاردن هو محزن حقا” ... سألوا أحد اولئك الأطفال : إلى اين أنت ذاهب ؟ فقال بفرح„ وسعادة„ : إلى الاردن ـ إلى الاردن ... فما هو سر هذا الفرح المؤلم عند ذلك الطفل العربي يا ترى ؟ ربما كان السر هو شعور ذلك الطفل البريء بالفرح لركوبه القارب لأول مره ... وربما كان سبب ذلك الفرح هو ذهاب هذا الطفل في ما يشبه الرحلة الى دولة عربية أخرى ولأول مرة في حياته ... وربما كان في خيال هذا الطفل البريء بأن الأحضان العربية الدافئة سوف تتلقفه بكل لهفة„ وشوق„ وحنان بعد اجتيازه الحدود الى الاردن ... وربما اعتقد هذا الطفل بأن الأموال العربية المكنوزة سوف تغادر بسرعة تلك البنوك وتسارع لنجدته ولجلب السعادة له ولافراد اسرته ... وربما كان عند ذلك الطفل اعتقاد بأن يجد في وطنه الثاني ـ الاردن ـ كل فرح„ وسعادة„ وسرور„ وبأنه سيطوف مع أفراد اسرته وبرفقة زملاءه وأقرانه في رحلات سياحية تذهب عنه آلآمه وتنسيه أوجاعه وحرمانه وتعيد له بارقة الأمل بمسقبل أحلى وأجمل ... ولكن واقع الحال هو مغاير تماما” لكل ذلك وهو واقع مرير وصادم لهذا الطفل العربي البريء ـ وهذا الذي ولد لدي الحزن والمرارة والأسى ـ
سوآء في الاردن أو لبنان أو تركيا أو العراق فلن يجد هذا الطفل العربي السوري ما كان قابعا” في خياله ووجدانه وسيجد نفسه مع اسرته في داخل خيمة صغيرة وفي جوف الصحراء المغبرة حيث البرد والحر والأمراض ...
لعنة الله على كل من سرق ونهب وأفقر هذا الوطن الاردني ثم جعله تحت رحمة الديون وابتزاز الدائنين ... ولعنة الله على كل من فرط ولو بشبر واحد„ من أرض فلسطين العربية ومن غير فلسطين ... ولعنة الله على كل تآمر على مستقبل هذه الأمة وعلى كل من كان سببا” لقتل وتشريد وحصار وتجويع العربي في كل مكان وزمان ... ولعنة الله على كل المحتكرين لثروات العرب والمسلمين وعلى من سخر ثروات الامة لشهواته ونزواته ثم كنزها في بنوك الشرق والغرب ولم يحركه يوما” صوت الجائعين في الصومال والسودان وفي مالي ولم يبالي ولو لساعة” واحدة” بآهات وأوجاع ومآسي المشردين في فلسطين والعراق وفي سوريا العربية وفي كل مكان ...
وتحية صادقة أوجها لكل من حمل عقيدته في قلبه وعقله وقاتل لأجل مبادئه واهدافه السامية بكل صدق وعزيمة واصرار ... وتحية عربية أصيلة لكل من دافع عن شرف هذه الأمة وعاش حرا” عزيزا” ثم مات وهو مرفوع الرأس مقبلا” لساحات البطولة والشرف غير مدبر يقول الشاعر العربي ابو الطيب المتنبي :
عش عزيزا” أو مت وأنت كريم بين طعن القنا وخفق البنود