حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الأحد ,24 نوفمبر, 2024 م
طباعة
  • المشاهدات: 24139

الدمج من الحلم إلى الواقع

الدمج من الحلم إلى الواقع

الدمج من الحلم إلى الواقع

20-03-2013 04:34 PM

تعديل حجم الخط:

بقلم : فاتن السماعيل
عزيزتي ربى:
قرأتُ مؤخراً مقالتكِ المنشورة في جريدى الغد يوم الإثنين 10122012 والمعنونة بـ"دمج ذوي الاعاقة بالمدارس بين الواقع والحلم"وقد سكنت كلماتك صميم قلبي إذ شاركتكِ واقع هذه التجربة نظراً لاشتراكنا بكف البصر وتَبعَاتهِ من الدراسة في مدارس داخلية خاصة بالمكفوفين,وهي عبارة عن مجتمع مغلق يعزل الشخص الكفيف عن من وما حوله، ويجبره على البعد عن أهله الذين يكون في أَمَسِ الحاجة إليهم في مختلف مراحله العمرية، وتستمر هذه العزلة بضعة سنوات إلى أن يجد نفسه فجأة مضطراً للانتقال إلى المدارس العادية تحت مُسمى الدمج، مع ملاحظة عدم تأهيله النفسي لخوض مثل هذه التجربة، وعدم تأهيل المدارس التي سينتقل إليها الطالب كي تتعامل معه بالطريقة التي تساعده على تجاوز العقبات، إضافة إلى استنكار من حوله واستغرابهم لوضعه غير المألوف، الأمر الذي يجعله معرضاً إلى ضغوط نفسية كبيرة.
إنها تجربة في غاية الصعوبة وقلائل الذين استطاعوا تجاوزها بصبر أهلهم غير المحدود، وبفضل معلميهم وأصدقائهم الذين يتمتعون بحسٍ إنساني مرتفع يستحقون عليه التكريم الذي يليق بالعظماء.
غير أنني عزيزتي أردت أن أبشركِ أنه في وطننا الحبيب، وتحت ظل الراية الهاشمية قد امتدت أيادٍ بيضاء شيمتها فعل الخير لتكون شموعاً تنير ظلمة الدروب، وعصاً بيضاء ترشد الكثيرين ممن حرموا من نعمة البصر إلى سواء الطريق، ونور أعين حرمت من بصرها.
ذلك أنه ومنذ ما يقارب 10 سنوات وتحديدا في عام 2003 تم افتتاح المدرسة الأسقفية العربية التي تعنى بدمج ذوي الاحتياجات البصرية مع أقرانهم على مقاعد الدراسة ابتداء من مرحلة رياض الأطفال حتى أعلى الصفوف الدراسية التي وصلت حتى الآن إلى الصف الثامن على أن يتم افتتاح صف جديد في كل عام دراسي.
وقد أسست هذه المدرسة في حي البارحة في عروس الشمال (إربد) انطلاقا من إيمان الكنيسة الأسقفية العربية الممثلة (بالقس سمير اسعيد رئيس المدرسة ) و(السيدة صباح زريقات مديرة المدرسة)، بالتعاون مع جمعية الضياء في ما يتعلق بمرحلة رياض الأطفال ,بأن التعليم حق لكل طفل في وطننا الحبيب، وأنهم كتربويين وأصحاب رسالة أرادوا أن يحملوا على عاتقهم مسؤولية الأخذ بأيدي الطلبة المكفوفين وذويهم ليعينوهم على خوض الحياة بمختلف مجالاتها عموماً، وبمجالها التعليمي تحديداً.
في هذه المدرسة تم توفير مختلف الوسائل التي تساعد الطالب الكفيف على تجاوز جميع المعوقات التي تقف في وجه مسيرته التعليمية من كتب مطبوعة بطريقة بريل، وأجهزة حاسوب ناطقة، وطابعة بريل وجهاز رسم حراري، وأجهزة تكبير لضعاف البصر، ووسائل تعليمية ملموسة....
كما حرص المسؤولون عن المدرسة على توفير كادر مؤهل للتعامل مع الطلبة المكفوفين اجتماعياً وتعليمياً، وتوفر المدرسة إلى جانب المعلمات الأساسيات معلمات بريل مرافقات للطلبة المكفوفين.
وأكثر ما يسعد الزائر لهذه المدرسة التي حملت على عاتقها مسؤولية الدمج الكامل للطلبة المكفوفين ما يشاهده من ألفة وحب وأخوة بين الطلبة سواء كان في الصفوف أو في الساحات، إذ يراهم يداً واحدةً كأفراد أسرة لا يشعرون بالاختلاف أو النقص بل يكمل بعضهم بعضاً، وترجع هذه الصورة إلى (تربية السلام) التي اتخذتها إدارة المدرسة منهاجاً وجعلتها جزءاً أساسياً من رسالتها.
مع ملاحظة ان العمل في هذه المدرسة ينطلق من كون التعليم حقاً للطلبة المكفوفين وليس رعاية , وتشترك المدرسة مع المجلس الاعلى لشؤون الاشخاص المعوقين في هذه الرؤية ,وهذه مناسبة لتوجيه الشكر الخالص للمجلس الاعلى ممثلاً بسمو الامير رعد بن زيد والدكتورة امل نحاس على جميع ما يقدمونه لذوي الاحتياجات الخاصة عموماً وللمكفوفين خصوصاً .
وتجدر الإشارة هنا إلى أن المدرسة الأسقفية العربية قد حصلت على جائزة (الممارسات الجيدة في دمج الإعاقة) على مستوى الشرق الأوسط تحت رعاية (مؤسسة إنترناشونال هانديكاب وسي بي أم )بالتعاون مع جمعية الحسين للتحديات الحركية.
وإن مثل هذه التجربة الرائدة تستحق التعميم على مختلف محافظات المملكة لكي لا يكون لزاما على ذوي الطلبة المكفوفين الهجرة بهم إسبوعيا من مكان إقامتهم إلى العاصمة التي تحتضن المدارس الخاصة بالمكفوفين، ولكي لا يعيش ذوي الاحتياجات البصرية معزولين عن مجتمعهم وأقرانهم لمرحلة طويلة من حياتهم، ولكي لا يجدوا أنفسهم فجأة غرباء بين أهلهم.
وأخيراً عزيزتي: اسمحي لي أن أقدم لك جزيل الشكر إذ جعلتني أحقق رغبتي في الكتابة عن هذه المدرسة التي اجتاحتني منذ عملي فيها واطلاعي مباشرة على هذه التجربة إذ أسعدني آن ذاك التحاقي بالمعلمين الذين يقدمون الخدمة الأَجلْ للوطن، كما أسعدني تميز عملي لكونه في مدرسة تمتاز بدمجها للطلبة المكفوفين مع توفير جميع ما يلزم لنجاح الدمج.
وكل الشكر والتقدير لجميع القائمين على هذه المدرسة وعلى أمثالها من المشروعات التي تسهم في مسيرة تقدم الوطن.
وختاما: تحية من عيون لأناسٍ اختاروا أن يكونوا بصرها، وتحيةً من أكف لأناسٍ أرادوا أن يكونوا عصاها البيضاء، وتحية من الظلام لأناسٍ جعلوا أنفسهم شموعاً منيرة.
وبارك الله في كل من يقدم خدمة جليلة لأبناء هذا الوطن بغض النظر عن أي اعتبار.









طباعة
  • المشاهدات: 24139
برأيك.. ما خيارات ترامب للتعامل مع إيران بعد فوزه بانتخابات الرئاسة الأمريكية؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم