25-03-2013 11:11 AM
بقلم : الدكتور مهند صالح الطراونة
في قراءة جديدة لواقع الحال القانوني والسياسي للمؤسسات الدستورية في الأردن وددت أن أضع بين يدي المتابعين والمهتمين من القانونين وكذلك عامة الناس بعض الحقائق الهامة لحياتنا الدستورية المتعلقة بمؤسسة البرلمان، تلك المؤسسة التي يفترض أن تكون حاضنة التشريع والتعددية الفكرية والسياسية للدولة ، والمؤسسة التي نعول وننتظر منها الكثيروالكثير ومازلنا لم نفقد الامل بها فمن غيرالإنصاف الحكم عليها الآن حتى تشكل الحكومة وتشرع بأدوراها الرقابية والتشريعية ،وأعتقد أن توابنا الكرام جزء من نسيجنا الإجتماعي وهم على يقين أن الشعب الأردني لم يعد بحاجة إلى الخطب الرنانه و الإستعراض ورفع الأصوات والجدال العقيم الذي تطورا أكثرمن ومس السلوك القويم الذي يفترض أن يتحلى به ممثل الأمة والشعب معتقدا البعض منهم وهم فئة قليلة طبعا أن في رفع الصوت والخطب الرنانة وأبيات الشعر والسجع وترتيب الكلام غير المؤسس على برامج وأفكار واقعية يمكن ترجمتها على أرض الواقع ليس لها هدف سوى الإستعراض أمام أبناء عموتهم زقواعدهم الإنتخابية معتقدين أنهم بتلك الأفعال قد أدوا واجبهم تجاه وطنهم وتجاه ناخبيهم متناسين دورهم الرقابي والتشريعي الذي منحهم أياه الدستور فقد منح عضو السلطة التشريعية في بموجب الدستور صلاحيات تمكنه من إعتماد أي تشريع حتى في حال عدم تصديق جلالة الملك عليها ،وهذه صلاحية تجسد الصورة الحقيقية لقاعدة أن الأمة مصدر السلطات ،وتعكس إرادة قياتنا الهاشمية الحقيقية للإصلاح الدستوري والتوازن بين السلطات في الدولة وإرجاع الهيبة للمؤسسة التشريعة والبرلمان خاصة .
وعليه وددت أن أضع بين أيدي المهتمين في الشأن الدستوري بعض الحقائق الدستورية والتي تثبت ديمقراطية الدستور الأردني والنهج السليم الذي رسمه الدستور الأردني للدولة ،فعلى الرغم من وجود بعض المثالب الموجودة في الدستور إلا أنه يزخربالعديد من الحقائق يثبت من خلالها حقيقة النظام النيابي البرلماني في الدولة الأردنية والذي يعتمد بالأصل على مبدأ أن الأمة مصدر السلطات من خلال إعطاء مجلس النواب الحق بإعتماد إي تشريع يصر عليه حتى بعد رجوعه من قبل جلالة الملك ،حيث نصت المادة (31) من الدستور الأردني على أن (الملك يصدق على القوانين ويصدرها ويأمر بوضع الأنظمة اللازمة لتنفيذها بشرط أن لا تتضمن ما يخالف أحكامها) و نصت المادة (91) بأن" يعرض رئيس الوزراء مشروع كل قانون على مجلس النواب الذي له حق قبول المشروع أو تعديله أو رفضه وفي جميع الحالات يُرفع المشروع إلى مجلس الأعيان، ولا يصدر قانون إلا إذا أقره المجلسان وصدق عليه الملك ، و بينت المادة (93) من الدستور الطريقة التي يمارس فيها الملك حق التصديق فنصت "في الفقرة الأولى منها أن كل مشروع قانون أقره مجلسا الأعيان والنواب يرفع إلى الملك للتصديق عليه...وفيالفقرة الثالثة من نفس المادة ورد أنه إذا لم يرد الملك التصديق على القانون فله في غضون ستة أشهر من تاريخ رفعه إليه أن يرده إلى المجلس مشفوعاً ببيان أسباب عدم التصديق وفي الفقرة الرابعة أيضا ورد أنه إذا رد مشروع أي قانون (ما عدا الدستور) خلال المدة المبينة في الفقرة السابقة وأقره مجلس الأعيان والنواب مرة ثانية بموافقة ثلثي الأعضاء الذين يتألف منهم كل من المجلسين وجب عندئذ إصداره وفي حالة عدم إعادة القانون مصدقاً في المدة المعينة في الفقرة الثالثة من هذه المادة، يعتبر نافد المفعول وبحكم المصدق، فإذا لم تحصل أكثرية الثلثين فلا يجوز إعادة النظر فيه خلال تلك الدورة على أنه يمكن لمجلس الأمة أن يعيد النظر في المشروع المذكور في الدورة العادية التالية" .
وبناء على ماتقدم يتضح لنا أن هنالك ركنان أساسيان إشترطهما الدستور الأردني لعملية إصدار القانون يتمثلان بإقرار القانون من مجلسي النواب والأعيان وتصديق جلالة الملك عليه الذي يستطيع بموجب الدستور رد مشروع القانون إلى مجلس النواب من أجل إعادة النظر فيه، مشفوعاً بالطبع بأسباب الرفض والتي قد تكون دستورية مثل مخالفة القانون لأحكام الدستور، وفي حال بقي مجلس الأمة على موقفه الأول من مشروع القانون، فقد بين الدستور تجاوز الاعتراض بأغلبية ثلثي الأعضاء الذين يتألف منهم كل من المجلسين،وذلك عندما يصوت المجلس على مشروع القانون مرة ثانية، أي بعد إرجاعه من الملك، أما في حالة عدم إعادة القانون مصدقاً من قبل الملك خلال المدة التي حددها الدستور وهي ستة شهور، فيعتبر القانون ناقد المفعول وبحكم المصدق ، لكن إذا لم يحصل المشروع عند إعادة النظر فيه على هذه الأغلبية الخاصة، فلا يجوز إعادة النظر في المشروع المذكور.
وعليه إن صلاحية الملك بتصديق القوانين العادية هي صلاحية اعتراض توقيفي، ولم يقصد في التصديق بمعناه الفني القائم على ستة أشهر، وأن حق الاعتراض هو حق تنفيذي يستخدمه الملك باعتباره رئيساً للسلطة التنفيذية، وكل ما يترتب عليه من أثر ينحصر في تأجيل صدور القانون ريثما تعاد دراسته على ضوء اعتراضات وملاحظات الملك.
أما بالنسبة لطبيعة حق التصديق في الدستور الأردني، فإن البعض قد فرق بين نوعين من التصديق، النوع الأول : وهو التصديق الذي يملك صاحبه (الاعتراض التوقيفي)، كما هو الشأن في مشاريع القوانين العادية، فهو عمل تنفيذي وليس اشتراكاً حقيقياً في التشريع حيث ان تصديق الملك على القوانين يعتبر من قبيل الاعتراض التوقيفي، وبالتالي فهو عمل تنفيذي، وليس اشتراكاً في العملية التشريعية، وبذلك يكون نص المادة (25) من الدستور والذي يقرر أن السلطة التشريعية تناط بمجلس الأمة والملك، غير صحيح. لأن الوظيفة التشريعية ليست في الحقيقة شركة بين الملك البرلمان ، وإنما يستأثر البرلمان بحق التشريع، ويكون دور الملك ثانوياً في العملية التشريعية.
وأخيرا لابد من ذكر حقيقة أن النظام الأردني من أكثر الأنظمة البرلمانية إستقراراً في العالم فمركز الملك القانونيفي النظام ووجوده على رأس السلطات الثلاث ليس إستئثاراً بالسلطة وليس تركيزا للسلطة كما هي الحقائق أعلاه ،بل جاءت إختصاصاته مرسختاً للنهج الديمقراطي بصفته ضابطاً للسلطات الثلاث في الدولة ومرجعية لها ، ونحن أبناء الأردن إذ يحق لنا أن نفخر بقيادة هاشمية لها شرعية دينية وتاريخية ترجع جذورها إلى خير البشرية سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام وأثبتت على مدار عقود تواضعها ووسطيتها وإعتدالها وحمايتها للفرد وكرامته .
حماك الله ياوطني
Tarawneh.mohannad@yahoo.com