27-03-2013 10:05 AM
بقلم : عطية عوض القرعان
رغم قساوة الظروف الإقليميّة الحالية وفوضويّتها, إلّا أنّها بالنسبة للأُردن تُعتبر من الفرص التاريخيّة التي لن يحظى بها مرّة أُخرى. فثورات الشعوب العربيّة غير المنظّمة والتي أُطلق عليها مجازاً وتمويهاً ثورات الربيع العربي يمكن أن يكون من نتائجها ربيعاً أردنياً حقيقياً إذا وفقط إذا استثمرت كل التداعيات والتغييرات التي حصلت وما زالت تحصل في اقليم الشرق الأوسط والذي هو محطُّ اهتمام الدول الكبرى. والنظرة التحليليّة التالية تبيّن واقعيّة ما أفترضه :
أ - لو أعدنا الأمور إلى جذورها التاريخيّة لوجدنا أنّ إهتمام الدول العظمى في منطقتننا تعاظم بعد زرعهم لليهود في إقليمنا وتعهّدهم لأنفسهم بالإستمرار في دعمهم حتّى يتمكّنوا من إقامة دولة لهم في فلسطين, وقد كان لهم ما أرادوا وأُنشئت دولة إسراتيل بعد أن هيّئوا كل الظروف لذلك حيث قسّموا منطقتنا العربية إلى دويلات وقسّموها مناطق نفوذ بينهم ولم يخرجوا منها إلّا بعد أن تركوا المتعاونين معهم على رأس كل دويلة من هذه الدويلات وذلك لضمان المحافظة على أمن إسرائيل.
إنّ نظرة إلى الجوار الإسرائيلي اليوم تُظهر أنّ إسرائيل في وضع أمنيّ لا تُحسد عليه, ففي شرقها صواريخ حماس مُوّجهة إليها وتدّكها بين الحين والآخر وهي غير قادرة على وقف إطلاقها, ومصر التي لا زالت تشهد حالة من عدم الإستقرار وحالة من الغليان السياسي ووصول جماعة الإخوان المسلمين إلى سدّة الحكم فيها. وفي جنوبها حزب الله الندُّ القوي لها والذي خاضت معه حربين خسرتهما فحطّم بذلك أُسطورة أنّ جيشها لا يقهر, وكذلك سوريا التي لا زالت في مخاض عسير والمرجّح أن تلد جماعات مسلّحة متنازعة, وسلاح في متناول أيدي الجميع, ناهيك عن أنّها قد تكون موطناً جديداً للجماعات الجهادية التي لا تحبّذ إسرائيل أن تكون هذه الجماعات جاراً لها. إنّ محيطاً كهذا لإسرائيل لا ُبدّ أنّه يقضُّ مضجعها ويعكّر صفو أمنها, ولذلك فإنّها تعوّل الآن هي ومن معها من الداعمين لها من الغرب وأمريكا على الأردن الذي لا يزال ممسكا بزمام الأمور على حدوده معها. يُشكّل الأردن في ظل هذه المعطيات حجر الزاوية بالنسبة لأمن إسرائيل, ونظراً للظروف الإقتصاديّة الصعبة التي يمر بها الأردن والتي تعتبر التحدي الأكبر أمام الحفاظ على أمنه واستقراره فإنّ على الدول الغربيّة ومن قبلها أمريكا أن لا تبخل على الأردن في تقديم المعونات الماديّة والعينيّة له بغية الحفاظ على كيانه واستقراره لضمان سيطرته على حدوده ومنع الجهاديين من التسلّل إلى أراضيه وتشكيل قاعدة لهم فيها ينطلقون منها لتهديد أمن إسرائيل عبر ما يزيد ثلاثمائة كيلومتر طول حدودها مع الأردن.
ب – إنّ أكثر ما تخشاه أمريكا وإسرائيل هو التحالف السوري – الإيراني – حزب الله, فهو يُشكّل أكبر تهديد لأمن إسرائيل وللمصالح الأمريكيّة والغربيّة في المنطقة. إنّ الحفاظ على أُردن قوي متماسك يبقيه سدّاً منيعاً أمام امتداد هذا التحالف وتوسُّعه وامام تزويد إيران عبر حليفيها في سوريا ولبنان حركة حماس بالأسلحة والذخائر والصواريخ متوسّطة وطويلة المدى. تُدرك أمريكا وإسرائيل هذا الدور الذي يلعبه الأردن في الحفاظ على استقرار المنطقة, وتُدرك أيضاً أنّ دعم الأردن ضروري لإستمراره في أداء دوره.
ج – لولا منعة الدولة الأردنيّة وسيطرتها على حُدودها في ظل ظروف عدم الإستقرار الأمني في سوريا لتُبدّل الوضع الأمني الداخلي في السعوديّة بوّابة الخليج العربي الغربيّة, فالسعوديّة بأمنها وببترولها مستهدفة من كثير من الجماعات الجهاديّة والإرهابيّة ووتمنّى الوصول إليها. على دول الخليج العربي أن تدرك ذلك - وأظنّها تفعل – وعليها أن تُقدّم من فائض أموالها ما يسدُّ رمق الإقتصاد الأُردني المُحتضر قبل فوات الأوان.
د – إنّ احتضان الأردن لأهله اللاجئين الفلسطينيين بأعدادهم الكبيرة التي فاقت أعداد سكّانه الأصليين ورضاهم بما قُدّم ولا يزال يقدّم لهم من حقوق المواطنة يخفّف من حدّة الضغوطات العالميّة على اسرائيل باتجاه السماح لهم بالعودة إلى وطنهم فلسطين. إنّ عدم تقديم المعونات اللازمة للأُردن لضمان استمراره في أداء هذا الدور يعني إعادة بروز مشكلة اللاجئين بقوّة على الساحة الدوليّة والذي سينعكس بصورة ضغوطات يمارسها الرأي العام العالمي على أمريكا وإسرائيل للتسريع في إقامة الدولة الفلسطينيّة والسماح لأغلب اللاجئين بالعودة إليها.
ه – يُشكّل الأردن حاجزاً طبيعياً بين العراق وإسرائيل, وبالرغم من أنّ العراق يغصُّ بأعداد غفيرة من الإرهابيين والجهاديين المدرّبين على حمل السلاح واستخدامه, إلّا أنّ إسرائيل لا توليهم الكثير من الإهتمام لإعتمادها على الدور الأردني بهذا الصدد وهي تعرف في قرارة نفسها أنّ الأردن قد كفاها شرّ من إذا جاورها جعلها في حالة طواريء دائمة.
و – ويُشكّل الأردن كذلك النموذج الأمثل في المنطقة في سعيه الدؤوب نحو ترسيخ مباديء الديمقراطيّة الغربيّة, فكم من حروب خاضتها أمريكا من أجل تصدير ديمقراطيتها وكم من مرّة اتخّذت فيها أمريكا الديمقراطيّة غطاءً لها وذريعة لتبرّر تدخّلها في الشؤون الداخليّة لدول لا تتّخذ من الديمقراطيّة منهجاً لها.
من أجل هذه الأسباب مجتمعةً فإنّي أرى أنّ أزمات الأردن يمكن وضعها على طاولات المفاوضات ما بين الأردن وأمريكا راعية إسرائيل وما بين الأردن ودول الخليج الغنيّة وطلب الدعم لحلّها بكل أشكاله من هذين الطرفين من موقع القوي الذي يملك زمام الأُمور وليس من موقع الضعيف المستجدي.