30-03-2013 05:13 PM
بقلم : مصطفى صالح العوامله
إنه الإعلام الحقيقي بكافة مداخله ومخارجه ، ولكنه الإعلام النظيف الصادق المنتمي ،و ليس دكاكين التجارة الإعلامية الترويجية النفاقية ، أنه العين الساهرة المراقبة لكل الأحداث صغيرها وكبيرها سواء بداخل الوطن وخارجه ، وهو المرآة التي تعكس الواقع ، وترسم التطلعات ، وتبحث في وعن كل ما من شأنه رفعة الوطن والأمة وشعبها ، وتفضح كل متستر خلف قِناعات مختلفة الأشكال والألوان والأحجام ، يبدي غير ما يضمر ويتلون حسب المواقف والمواقع والظروف ، ويرسم لنفسه صورا زاهية يتخفى خلفها ليخفي قبحه وسوء نيته وتكالبه على انتهاز كل الفرص المتاحة للقفز على مواقع الشرفاء والتشكل بأشكالهم الخارجية واستغلال كل الأمكانيات المتاحة للوصول إلى اهدافه المريضة ولو على حساب كل شيء ، إنه الإعلام الجريء الحر الشريف البعيد عن التسييس والمسايسة ، أنه الأداة الحادة التي تدخل كل معبر للوصول الى الحقيقة دون تشويه أو تعديل أو تجميل ، إنه الذي يحلل الواقع والظروف المحيطة به والمؤثرة بتكوينات وطموحات من يعيشون به وما يؤثر على حياتهم وتطلعاتهم وطموحاتهم ويعمل على إيجاد الحلول الناجعة لكل معضلة وخطب .
إن أخطر وسائل الإعلام وأبلغها أثرا، هي الصحافة والفضائيات والتي اصبحت مع التطور العلمي العالمي ألكترونية ، تلج كل بيت دون عوائق أو حواجز ، وفي أي وقت و زمان و مكان ، وهي التي استطاعت ربط الوطن بالعالم والعالم بالوطن ، سواء أكانت فضائيات حوارية أو ترويجية أو صفحات مقرؤة على المواقع الألكترونية العابرة للقارات ، تلك التي تلعب أدوارا محورية بالإقتصاد والتجارة والثقافة والعلوم اللاتي تشكل بمجملها العامود الإرتكازي لكل سياسة وحرية واستقلال ، إن خطورة الصحافة والفضائيات تكمن في ما تنفثه من سموم تلوث عقول وأفكار ومعتقدات وقيم المتلقين ، أو ما تنثة من عطور فواحة نفرح أفئدة المتفائلين والمتطلعين للغد الأمثل والحياة الأفضل ، ومن الأمثلة السطحية المسطحة الترويج على شاشات الفضائيات لكل المنتجات التجارية والصناعية المتشابهة في الإستعمال ، بطرق رخيصة مبتذلة مليئة الفحش والفجور والكذب والتضليل ، بهدف الكسب والربح على حساب الجودة والفعالية والفائدة الحقيقية من المنتج واستعمالاته ، حتى أصبحت الأوطان حاويات لقمامة ما تصنعة الشركات العالمية وشركائها من الشركات الوطنجية بالداخل ، التي يمتلكها أشخاص لا يملكون سوى جوازات إقامة بالوطن تحمل أرقاما وطنية لإستغلال ثرواته وثروات أهله ، أو العبور بها الى بلاد الله الواسعة لجمع المال والإثراء بالخداع والنفاق والتزلف لشراء ما تبقى من ارضي أهل الوطن الذين غدو حفاة عراة ، جراء تمسكهم بالقيم والأخلاق والمثل العليا ، إنهم اولئك الذين على استعداد لإلقاء هذه الجوازات بأقرب حاوية أو على قارعة الطريق عند إنتهاء الحاجة لها ، واستبدالها بجوازات غربية يسهل الحصول عليها ، وتكون عابرة لدول النفط والمال بدون حواجز مرور أو تفتيش ، تحضى من قبل أجهزتها الأمنية بالرعاية والتكريم وإنحناء الرؤوس إحتراما وإجلالا وتبجيلا لمصدَريها ، وليس لحملتها من المهاجرين والمهجرين والعمالات الوافدة والقاعدة والنائمة التي أضحت كالجراد الذي يأكل الأخضر واليابس ، حتى أصبح القابض على وطنيته وانتمائه كالقابض على الجمر ، أن المحافظة على الهوية الوطنية أهم من المحافظة على الوطن نفسه ، فلا وطن بدون شعب منتم ولا شعب بدون وطن نظيف من الشوائب والطحالب وعابري الجنسيات وباعتها في الأكشاك والبقالات السياسية تحت مسميات الأستثمار والقومية والعروبية والنصرة والنخوة الكاذبة ، وخلافها من المسميات المسمومة الأهداف والمرامي .
إن أخطر ما يمكن أن تلعبه وسائل الإعلام هذه ، هي في قلب الحقائق وتشوية الأفعال والإنفعالات الجماهيرية وتسييس المواقف والتشكيك بكل ما ينتج عن حراكاتها بهدف تمييع الإحاسيس الوطنية لدي العامة ، تحت شعارات براقة مدونة بدفاتر الساسة والمسيسين وأتباعهم من المروجين والمطبلين وقادة أوركسترات العزف على الجهوية والإقليمية والعرقية والعشائرية والطائفية والمذهبية والذكورية والأنثوية والمساواة والحقوق المنقوصة والحقوق الزائدة ، وعلى سياسات ظاهرها جميل ، ولكن ما تخفيه يقلق المطلعين والمحللين وقادة الفكر الوطني الحقيقين والمنافحين عن الهوية الوطنية ومكتسبات أبنائها ، وعن الوطن باستخدام شعارات القومية والعروبية والنخوجية الكاذبة والأيدولوجيات الممذهبة بأفكار سوداوية مريضة مثل الأصولية والسلفية والإسلاموية التي تلعب دور المنقذ ، وهي في حقيقتها خوازيق تنخر في قاع مركب الأمة لإعرقه في معتقدات بعيدة عن الدين القويم وأهدافه النبيلة في خلاص الإنسان وانعتاقه من الرق القديم المتجدد له ولمقدراته ومكتسباته وطموحاته في العيش بحرية مسؤولة وكرامة حقيقية وإنعتاق شريف .
ولأن الإعلام ليس مهنة بل هو رسالة مقدسة ، فإن على الرسول أن يكون أمينا في تبليغ رسالته بصدق وحيادية وشفافية ولأن الرسالة مقدسة وجب على من يؤدي هذه الرسالة الصدق والصراحة والموضوعية والنزاهة والشفافية والحيادية والمكاشفة والبعد عن مواقف الإرتزاق والتكسب والإبتزاز في كافة مواقفة وأداءه ، وأن يكون أداة تعرية لكل الممارسات المشبوهة سواء داخل الجسم الإعلامي أو المحيطين به او المؤثرين به أو عليه وأن يكون تلسكوبا كاشفا لكل مستور أو ما من شأنه التأثير على مسيرة العمل الإعلامي برمته ، وأن يراعي مصلحة الوطن والأمة في كل ممارساته وسلوكه ، كما يجب على كل من يعمل في هذا المجال أن يكون قدوة في السلوك والألتزام وعلى قدر المسؤولية من حيث الكفاءة والإقتدار والتميز ، فالعمل الإعلامي ليس كأي عمل أخر ، بل هو من أخطر الأعمال التي يمكن أن يمارسها أي إنسان ، فهذا العمل يمكن أن يكون معول هدم و تدمير أو رافعة بناء وتشييد . وكل ذلك لا يمكن أن يتحقق بدون الإحاطة بالمعرفة ومستلزماتها ومقوماتها الفكرية والثقافية والأخلاقية والعلمية ، فليس كل من عمل ويعمل في ساحة الإعلام مؤهل للقيام بالعمل بالشكل الصحيح والمفيد والمجدي ، أن من أهم قواعد العمل الإعلامي الإبداع العقلي والتفرد الممزوج بالمعرفة والسلوك القويم والأداء المتميز للوصول الى النجاح وتحقيقه بأقل التكاليف واقصر الطرق وانجع النتائج .
أن الفشل الإعلامي الذي نواجهه كل يوم ، ناتج عن ضحالة فكر معظم العاملين به ، وتخلفهم الثقافي والعلمي ، وضعف قدرتهم على المبادرة والتميز ، واعتبار العمل الإعلامي بكافة مرفقه بنظرهم هو كأي عمل أخر يحقق دخلا معقولا وشهرة من أقصر الطرق وأقلها تكلفة كمطربي الأعرس والمقاهي والحارات ، إن مكونات الشهرة والتميز والإبداع الحقيقية تحتاج إلى طاقات وقدرات وثقافات ومواهب إبداعية غير عادية ، كما الشعر والموسيقى والأدب ،إذ لا يجود الزمان بالمبدعين بهذه المجالات إلا قليلا ، وهم كما الذهب الذي يُبحث عنه بعناء وكد وتعب ، وليس كل من عمل في هذا المجال أهلا له ولو ظن بنفسه الكفاءة والمقدرة ، أن المعاهد والجامعات والكليات تخرج العديد من من يحملون الشهادات في هذه المجالات على إختلاف درجاتها ، ولكن النجاح لا يكون إلا للمثابرين والمتابعين والمتنورين والمحيطين بكل جزئيات العمل الإعلامي وخفاياه ، والمطلعين على كل ما وصلت الية المدركات والنظريات العلمية والعملية في هذا العالم الفسيح وهضمها وأفرازها سلوكا وفعلا وأداء .
إن من أبرز الأمثلة التي تبين ضحالة الفكر الإعلامي محليا ، تلك التي ملئت الصحف والمواقع الألكترونية وتنطعت لمهاجمة ما كتبه الصحافي الأمريكي (جيفري جولدنبرغ) في صحيفة( ذا اتلنتك ) من قول منسوب لجلالة الملك أثناء زيارة جولدنبرغ للاردن ، إذ أن المتمعن في نص ما قاله الملك ، لا يجد ما أقامه هواة الصحافة العربية والمحلية وما أقعدته( إلا من رحم ربي ) بسبب عدم الفهم أوعدم التروى أو بالخبث لجر الوطن للفتنة ، أوإتاحة الفرصة لدكاكين السياسة المشبوهة للعبث بالظلام الدهاليز السياسية المعتمة ، لأن ماقاله الملك هي لحظة تجلٍ و رؤيا شمولية واضحة المعالم لما يدور في الداخل والخارج وما يجب أن تكون عليه الأمور في السياسة والإقتصاد والحياة العامة بكل بفاصيلها ، بغية النهوض بالوطن والأمة ، وتحقيق طموحاتها وتطلعاتها ، إن الكثير ممن كتبوا لا أستطيع وصفهم إلا هواة لا يتقنون هوايتهم ، ويدخلون معتركا ليس لهم ، وأن جل ما كتبوا لا يرقى لمستوى ما ينسخه طلبة المدارس على لوحات الحائط المدرسية كنشاط لامنهجي يكون في معظمة تكليف من إدارات المدارس و مدرسيها لتكون واجهات مزركشة بارزة لزوار المدارس من مفتشين ومشرفين والمسؤولين توحي بنشاط المدارس اللامنهجي وتفاعلهم الهزيل مع هوايات الطلاب ورغباتهم البدائية الهشة .
أننا يحاجة ماسة لإعادة هيكلة الجسم الإعلامي بكافة أنواعه ومنافذه و وضع خيرة خيرة الخيرة للقيام بالدور الإعلامي الهام في هذه المرحلة الدقيقة من عمر الوطن وللخروج من عنق الزجاجة بأقل الخسائر وأسهل الطرق وانجعها لأن الإعلام مرآة وبوصلة ودفة سفينة توجهها الى شواطىء الأمان منوها الى أن الجامعات والمعاهد تخرج طلابا يحملون شهادات على مختلف المستويات العلمية في مجالات الإعلام ولكنها لا تخرج إعلاميين ناجحين لأن الإعلام موهبة وفكر قبل المناهج . وتدريسها ولكنها يرفدها وتزيد من كفاءة الإعلامي ، على قاعدة أن يكون لدي الإعلامي Media mentality