31-03-2013 09:39 AM
بقلم : ربحي شعث
في الحقيقة لقد تعمدت أن لا أثير قضية نأي لبنان بالنفس فيما يتعلق بالإنتفاضة السورية منذ إتخاذه هذا القرار إلى حين إستكمال متابعة أوجه نأيه على جميع الأصعدة, أي بإختصار هو أنني نأيت عن التعليق بهذا الشأن مُنحياص تساؤلاتي وإندهاشاتي على ذلك حتى هذه اللحظة التي سنقف على أهم ردود أفعال القوى داخل لبنان وطبيعتها ومدى فعاليتها.
فمنذ اللحظة التي أعلنت حكومة لبنان الرسمية بإتخاذها موقفاً محايداً من مايحصل في سورية والأمور تستعر في لبنان تصاعدياً إذ يبدوا أن سياسة النأي لم تغير المشهد داخلياً من منطلق أن الأقوى هو صاحب القرار بغض النظر كانت حكومة أم حزب أو تيار, فدولة لبنان لم ولن يحكمها قانون أو تصريح أو سياسة ثابتة بحكم التجارب, ولن يُلزم الخطر الأمني أطرافه للرضوخ لسياسة النأي أو غيرها.
نحن نتفهم قرار سياسة النأي في لبنان ولو أننا لم نكن نحبذها من باب وجوب إتخاذ موقف واضح لما تتعرض له الجمهورية العربية السورية من تدمير وإبادة على يد نظام تحوّل إلى عصابة وحقق مآرب الغرب للنيل من قوة وقوام سورية من أجل إعتبارات طائفية في الدرجة الأولى ومحاولة التمسك بحكم عن طريق المخالب. وهذا التفهم ماهو إلا إدراكنا بحقيقة التقارب بين الجارين بجميع أشكاله إضافة إلى إنقسام لبنان بطوائفه وإتجاهاته وأثره الإقتصادي والإجتماعي مما جعل لبنان ضعيفاً في الصمود وإتخاذ القرار وإنعكاس ذلك على خطورة الوضع الأمني.
للأسف حتى أضعف المواقف وهي النأي لم تنجح في لبنان ولم تلتزم بها الحكومة وقيادات الأحزاب, بل عكس ذلك فإن مواقفه كانت تصب لمصلحة كتائب الأسد في مُعاداة تطلعات الشعب الذي أكمل عام صرخته الثاني وهو يُطالب بالإستقلال والديمقراطية. ولقد تجسدت تلك المواقف العدائية على لسان كبار المسؤولين في الحكومة اللبنانية, فقد صرّح وزير الداخلية اللبناني مروان شربل سابقاً بأن اللاجئين السوريين يمثلون تهديداً أمنياً على لبنان, في الوقت الذي تجاهل فيه أكبر تهديد أمني للبنان وهو إنخراط حزب الله بشكل واضح وفاضح عسكرياً داخل سورية بل وإحتلاله لقرى سورية متاخمة على الحدود اللبنانية السورية بحجة حماية اللبنانيين مُعتبراً نفسه الوصي الوحيد على حماية اللبنانيين في الخارج, وهذا التبرير من قيادة حزب الله قد كشف جليّاً بأن دولة لبنان هي تحت وصاية حزب الله في الجنوب اللبناني. ولقد كنا مراراً نحاول ان لانستخدم كلمة دويلة حزب الله , إلّا أننا أصبحنا على يقين بذلك بعدما كرّر حزب الله مراراً إتخاذ مواقف وتحركات أحادية الجانب سياسياً وعسكرياً.
وزير الخارجية اللبناني عدنان منصور هو الآخر لم ينأى عن النفس في مواقفه التي كانت حادة تجاه تجاه الإنتفاضة السورية والذي إعترض على تسليح المعارضة السورية ولم يلتفت جنوباً ليشاهد مدى التسلح والدعم الذي يقدمه حزب الله لكتائب الأسد بل طلب بعودة مقعد جامعة الدول العربية إلى نظام الأسد وسط إندهاش الكثيرين من السياسيين والمحللين وكذلك الأمر جبران باسيل وزير الطاقة الذي طلب بطرد اللاجئين السوريين والفلسطينيين ضارباً بذلك الجوانب الإنسانية والدَين الذي يحمله النازحون اللبنانيون للشعب السوري إبان الحروب اللبنانية بأجمعها.
ولم تقتصر هدم سياسة النأي على وزراء حكومة ميقاتي المستقيلة بل قيادات التيارات والأحزاب الداعمة لسياسات بشار الأسد الإبادية والطائفية.. فقد هاجم رئيس تكتل التغيير والإصلاح في لبنان الجنرال ميشيل عون الثورة السورية وكل من يدعمها وطالب أيضاً بترحيل اللاجئين وهو بالمناسبة من داعمي المشروع الطائفي "مشروع اللقاء الأرثذوكسي" في لبنان. كم قال نعيم قاسم من حزب الله نائب أمين عام حزب الله اللبناني متحدثاً بلسان الجمهورية الإيرانية بأن بشار الأسد سيترشح للإنتخابات الرئاسية القادمة وأنه سيفوز.
كل هذه التصريحات لايمكن إعتبارها ضمن سياسة النأي بالنفس , ولايمكن إعتبارها إلّا تدخلاً بل ومشاركة سياسية وعسكرية لمصلحة كتائب الأسد ضد الإنتفاضة السورية . ولايمكن أيضا عزل طرابلس عن المشهد فهي مركز الشرارة الأولى ونقطة الإنطلاقة لأي توترات طائفيه تتأثر بشكل مباشر من أي تطور داخل سوريا.
قد يكون الحل (السهل الممتنع) في لبنان لكي يضمن عدم تهديد أرضه وزعزعة أمنه ومحاولة لتطبيق سياسة النأي هو أن يتواجد الجيش اللبناني على الحدود اللبنانية كاملة ومنع تسلل المقاتلين اللبنانيين من الموالين والمعارضين للإنتفاضة السورية وسحب جنود حزب الله اللبناني من داخل سوريا كي يضمن لبنان على أقل التقديرات عدم تفاقم أزمته الداخلية وضبط الفلتان الأمني على الحدود اللبنانية السورية. وخاصة أن المؤشرات تدل على أن المرحلة القادمة لن تكون أفضل من الآن فنحن نتوقع مزيداً من التدمير والتهجير والإبادة ودعم غربي غير مباشر يعين الأسد على تحقيق مآربهم والتي يمكن إختصارها بتدمير سورية وإضعافها.