11-04-2013 09:41 AM
بقلم : د.منصور محمد الهزايمة
يعد النبوي إسماعيل احد أشهر وزراء الداخلية الذين مروا على مصر كان يوصف بصاحب القبضة الحديدية وكان ذا شخصية جدلية وعلى الرغم من قبضته الصارمة فقد عمت المظاهرات الغاضبة أنحاء البلاد فقام باعتقال الالاف مرة واحدة وانتهت سياسة القبضة الحديدية باغتيال راس الدولة (الرئيس السادات) وعمت البلد جزر أمنية لم يعد الأمن المصري يستطع أن يدخل إليها.
كانت للرجل فلسفة أمنية خاصة اعلنها بعد تركه المنصب الرسمي وهي تتلخص بما يلي:
"إذا أردت أن احضر مئة من المطلوبين وأرسلت رجل امن واحد وجاء بهم جميعا فامن الوطن والمواطن موجود أما أذا أردت أن احضر مطلوبا واحدا واحتاج مئة رجل امن كي يأتوا به فامن الوطن والمواطن مفقود".
كما قلت في السابق فأن الرجل كان جدليا واختلف معه الكثيرون لكن في الواقع فان نظريته الأمنية الصارمة تثير الاهتمام وارى أن لها فضائلها تماما كما مخاطرها.
لكن ما الذي ذكرني بهذا الرجل ونظريته الامنية؟ وما علاقة ذلك كله بأمننا في الأردن؟
اتذكر هذا الكلام هذه الأيام وانأ أتابع تماما ما يجري في بلدنا من ممارسات تمس جوهر أمننا الوطني والاجتماعي والاقتصادي بشكل حساس وخطير فامننا الذي كان مثار إعجاب الجميع نخشى اليوم أن يصبح – لا سمح الله - من ذكريات الماضي ولطالما تغنينا به وتنازلنا عن أشياء كثيرة وسكتنا عقودا عن فساد أكثر مقابل ما تم مقاضاته بما سمي دائما نعمة الامن التي افتقدها غيرنا بحروب حدودية أو أهلية أو طائفية أو على شكل تفجيرات أو عصابات.
قبل أسابيع كان زملاء عرب يتداولون رسالة على شكل طرفة تقارن بين الجحيم العربي والنعيم العربي وكانت كما يلي : الجحيم العربي يتمثل بــما يلي : زوجة مصرية - جنسية لبنانية - ضرائب أردنية - أكلة إماراتية - سياحة قطرية - امن فلسطيني - جار سعودي - راتب سوري.
أما النعيم العربي فتمثله: زوجة سورية- جنسية إماراتية- ضرائب سعودية - أكلة لبنانية - سياحة مصرية - امن أردني- جار فلسطيني- راتب قطري.
أي انها خصت نعيمنا في أمننا وجحيمنا في ضرائبنا فكيف تكون حياتنا إذا خسرنا أمننا وزادت ضرائبنا؟
في السابق كانت شخصية رجل الأمن لدينا تتعامل مع الناس بنرجسية مبالغ بها وتتجاوز كثيرا على الناس والقانون ويطبق القانون بصورة فيها الكثير من التجاوزات وكانت شخصية رجل الشرطة متضخمة وكان محظورا تماما توجيه النقد للأمن العام جهازا وأفرادا بل أن الدراما الأردنية كما العربية جسدت دائما رجل الشرطة بأنه ميزان العدالة يمشي على الأرض كانت الناس تسكت على كثير من الممارسات على مضض مقابل إحساسهم بأمنهم واطمئنانهم على ممتلكاتهم وحدثت الكثير من الوقائع لتجاوز رجال الشرطة حد القتل غير المبرر حتى ولو كان ضد مذنبين أو مطلوبين وقامت الدولة بحمايتهم على اعتبار أن ما قاموا به يجسد رؤية أمنية تحاكي نظرية النبوي إسماعيل وان لم يكن مصرح بها.
اليوم تبدلت الصورة تماما ويبدو أننا كجزء من آمة وسط لا توسط بيننا وصرنا نقفز في الهواء بين حواف المخاطر والهلاك فقد أصبح رجل الأمن لدينا مسلوب الإرادة لا يقوى على فعل شيء يكاد لا يستطيع أن يحمي نفسه فهل هو عاديٌ مثلا أن نسمع عن مواجهات جماعية بين المواطنين و رجال الأمن ؟ وهل من الطبيعي أن يتم اختطاف رجال امن ليتم التفاوض على إطلاق سراحهم ؟ هل مهاجمة المراكز الأمنية أضحى بطولة؟ فهل يكون لدينا عن قريب ميليشيات مسلحة وعشائر لها أجنحة عسكرية كما الفسائل والفصائل؟ وهل نصل بعد قليل إلى جزر أمنية محظور على أمننا أن يطأ أرضها؟
ما يحدث في جامعاتنا وحدها يدمي القلب إذ لا يمر أسبوع إلا وتنفلت أعمال شغب تدمر وتخرب بل وتقتل لأسباب تافهة رخيصة ولا نكاد نرى غيرة وطنية من أصحاب القرار والشأن تقف لتضع حدا لكل هذه الحماقات وفي غياب امني ملفت.
لقد تربينا أن العشائرية خلق وقيم تسامح وعدالة بل أن العشيرة تكبر بسموها عن الصغائر وتكبر بأبنائها بعلمهم وثقافتهم و وعيهم و وطنيتهم.
اما في البعد الاجتماعي فقد كثرت قصص السلب والنهب والنصب والخطف والقتل ويكفي ان ترصد اخبار البلد في اسبوع لتدرك ان الامر قد تجاوز الخطوط الحمراء.
الامن اساس النمو الاقتصادي والامن الاجتماعي والاستقرار الوطني وضرب الامن في وطننا يعني لا محالة ان يصبح بلدنا طاردا لراس المال والسياحة فيه متأخرة غير امنة وانهيار منظومة القيم واختلاف النظرة الى الخريج الاردني ليكون غير منافس في اسواق العمل اينما كان.
اتمنى أن يبقى آمننا قويا بعدالته وان يكون أبنائه متسلحين بعلم يؤدون واجبهم بقانون وبالمقابل لا يتجاوز عليهم احد فامن القانون والنظام هو المطلوب وما الأمن الناعم أو الخشن إلا تجاوزا ليس فيه مصلحة احد.
فهل هناك يد خفية تعبث بهويتنا وأمننا ووطننا لكنها تقبع هذه المرة داخل الأبواب لا خلفها!