11-04-2013 10:23 AM
بقلم : معن عمر الذنيبات
كلنا يعرف المقصود بمفهوم الفساد الإداري، وما يدخل تحت مظلته من مفردات الاختلاس وسوء الائتمان
والرشوة والواسطة ومحاباة الأقارب والمعارف ...الخ، أنه يمكن القول إن الإطار العام للفساد ينحصر في سوء استعمال السلطة أو الوظيفة العامة وتسخيرها لقاء مصالح ومنافع تتعلق بفرد أو بجماعة معينة.....والفساد المالي او الاداري يتمثل( بمجمل الانحرافات المالية ومخالفة القواعد والأحكام المالية والادارية التي تنظم سير العمل الإداري والمالي في الدولة ومؤسساتها ومخالفة التعليمات الخاصة بأجهزة الرقابة المالية كالجهاز المركزي للرقابة المالية المختص بفحص ومراقبة حسابات وأموال الحكومة والهيئات والمؤسسات العامة والشركات). ويمكن ملاحظة مظاهر الفساد المالي والاداري في: الرشاوى والاختلاس والتهرب الضريبي وتخصيص الأراضي بغير حق والمحاباة والمحسوبية في التعيينات الوظيفية.
والفساد الإداري يتعلق بمظاهر الفساد والانحرافات الإدارية والوظيفية أو التنظيمية وتلك المخالفات التي تصدر عن الموظف العام إثناء تأديته لمهام وظيفته في منظومة التشريعات والقوانين والضوابط ومنظومة القيم الفردية التي لا ترقى للإصلاح وسد الفراغ لتطوير التشريعات والقوانين التي تغتنم الفرصة للاستفادة من الثغرات بدل الضغط على صناع القرار والمشرعين لمراجعتها وتحديثها باستمرار. وهنا تتمثل مظاهر الفساد الإداري في: عدم احترام أوقات ومواعيد العمل في الحضور والانصراف أو تمضية الوقت في قراءة الصحف واستقبال الزوار، والامتناع عن أداء العمل أو التراخي والتكاسل وعدم تحمل المسؤولية وإفشاء أسرار الوظيفة والخروج عن العمل الجماعي والواقع إن مظاهر الفساد الإداري متعددة ومتداخلة وغالباً ما يكون انتشار احدها سبباً مساعداً على انتشار بعض المظاهر الأخرى كالفساد الأخلاقي المتمثل بمجمل الانحرافات الأخلاقية والسلوكية المتعلقة بسلوك الموظف الشخصي وتصرفاته. كالقيام بأعمال مخلة بالحياء في أماكن العمل أو أن يجمع بين الوظيفة وأعمال أخرى خارجية دون إذن إدارته، أو أن يستغل السلطة لتحقيق مآرب شخصية له على حساب المصلحة العامة أو أن يمارس المحسوبية بشكلها الاجتماعي الذي يسمى (المحاباة الشخصية) دون النظر إلى اعتبارات الكفاءة والجدارة...ويساهم الفساد في تدني كفاءة الاستثمار العام وأضعاف مستوى الجودة في البنية التحتية العامة وذلك بسبب الرشاوى التي تحد من الموارد المخصصة للاستثمار وتسيء توجيهها أو تزيد من كلفتها، كما و يمكن لظاهرة الفساد أن تنمو وتتزايد بفعل عوامل اجتماعية ضاربة في بنية وتكوين المجتمعات البشرية ونسق القيم السائدة، إذ تلعب العادات والتقاليد الاجتماعية وسريانها دوراً في نمو هذه الظاهرة أو اقتلاعها من جذورها وهذه العادات والتقاليد مرتبطة أيضاً بالعلاقات السائدة في المجتمع كما أن التنظيم الإداري والمؤسسي له دور بارز في تقويم ظاهرة الفساد من خلال العمل على تفعيل النظام الإداري ووضع ضوابط مناسبة لعمل هذا النظام وتقوية الإطار المؤسسي المرتبط بخلق تعاون وتفاعل ايجابي بين الفرد والمجتمع والفرد والدولة استناداً إلى علاقة جدلية تربط بينهما على أساس ايجابي بناء يسهم في تنمية وخدمة المجتمع...وهناك عامل آخر لا يقل أهمية عن العوامل السابقة يتمثل في غياب الثقة في تطبيق المثل الإنسانية.
وقد لا أكون واهما إذا ما اعتقدْتُ أننا ابتلينا في هذا البلد, خلال العقد الأول من هذا القرن, بأزمة داخلية عصيبة, أخذت تنخر في بنية المجتمع وتخرّب مؤسسات الدولة من الداخل, على مرأى ومسمع من الجميع الاوهي "الفساد المالي والإداري". هذا التعبير أصبح مصطلحا جديدا دخل قاموسنا الوظيفي, وراح يتردد على ألسنة العامة في لقاءاتهم ومجالسهم الخاصة, كما أخذت وسائل الإعلام تتداوله بصورة شبه يومية.
حيث تعددت أشكال الفساد وتوسعت أركانه في المجتمع الاردني بحيث أصبح يشمل اختلاس الأموال العامة, واستغلال السلطة لمصالح شخصية, وسوء الإدارة, والثراء المفاجئ.حتى وصلت جرأة الفاسدين باقتحام خزائن الشعب واختلاس أمواله في بعض المؤسسات الرسمية, والتمادي في استغلال السلطة,وكل ذلك أصبح من الظواهر التي تلفت الانتباه. إذ لا يكاد يمر أسبوع إلا ونفاجأ بأخبار فساد جديده, ُقدّر لها أن تبرز إلى حيز الوجود في إحدى دوائر الدولة.
لا شك بأن مصطلح الفساد دخيل على مجتمعنا الاردني, الذي كان يتصف بالأمانة والحرص على المصلحة العامة, واعتبار الفساد صفة معيبة, تلاحق مرتكبها وتحط من قدره في المجتمع. وكان من المستهجن أن تمتد يد الموظف إلى مال اؤتمن عليه تحت القسم أو من دونه, ليحوّله إلى مال سحت يملأ به أرصدته في البنوك لكي ينضم إلى نادي الأثرياء بين عشية وضحاها من دون وجه حق ، أما في هذه الأيام فقد انقلبت الموازين الأخلاقية والاجتماعية, وأصبح الفساد بمختلف أشكاله "فهلوة" يفخر صانعها بأدائه المتميز, وقدرته في الوصول إلى غايته بأي وسيلة كانت.
وهناك وجه آخر للفساد يتمثل في إقدام موظف كبير, على استغلال موقعه الرسمي لبناء علاقات شخصية مع أصحاب مصالح خاصة, توفر له موقعا مهما يُهدى إليه بمجرد ترجله عن كرسيه الرسمي. وهذا الإهداء يدعونا بالضرورة إلى التساؤل: هل كان ذلك الإهداء نتيجة لمهارته في تطوير دائرته الرسمية التي كان يعمل بها؟
أم هو مكافأة لخدمات قدمها في الباطن من خلال موقعه الوظيفي وحان الوقت لرد الجميل إلى أصحابه؟
قد تكون الإجابة "بنعم" على التساؤل الأول صحيحة.. ولكن قد تكون الإجابة على التساؤل الثاني " بنعم " صحيحة أيضا في معظم الأحيان.
إن حكوماتنا المتعاقبة تلاحظ تفشي الأمراض الاجتماعية أمام عيونها, ولكنها تحجم عن وضع العلاج الشافي لها, فتطوي صفحاتها تحت ذريعة " عدم الإساءة إلى سمعة الدولة ". وهذه حجة واهية تتستر بها على أمراض المجتمع, وتشجع الآخرين على ارتكابها. فمحاسبة المسيىء بشفافية وعدالة هي طريق الإصلاح, وانعكاسها سيكون إيجابيا على احترام الدولة في الداخل والخارج.
وخلاصة القول: أن مكافحة الفساد الإداري لا يمكن أن تتحقق من خلال حلول جزئية، بل ينبغي أن تكون شاملة تتناول جميع مرتكزات الإدارة من بنيتها وهيكليتها إلى العنصر البشري العامل فيها إلى أساليب العمل السائدة فيها.
فلو كانت حكوماتناعلى امتداد عمر الدولة, صادقة في مسعاها ولديها الرغبة الحقيقية في معاقبة الفاسدين, لأقرت قانون "من أين لك هذا .