حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الأحد ,29 ديسمبر, 2024 م
طباعة
  • المشاهدات: 20549

الإخوان المسلمون والإصلاح .. بين خَلْطِ المسائل وغلَط ِالوسائل ( 1 )

الإخوان المسلمون والإصلاح .. بين خَلْطِ المسائل وغلَط ِالوسائل ( 1 )

الإخوان المسلمون والإصلاح  ..  بين خَلْطِ المسائل وغلَط ِالوسائل ( 1 )

13-04-2013 11:29 AM

تعديل حجم الخط:

بقلم : سعيد نواصره
لن تجد من يجادل في كوْن الدين هو من يحكم أتباعه حقيقة ؛ اللهم إلا زائغاً عن الحق أو مجافياً للصدق ؛ ذلكم أنّ الله تعالى قد بعث رسله لهداية الناس إلى سبل السلام وما ينجيهم في الآخرة ، وأسبابِ الحياة الطيبة وما يسعدهم في الدنيا ؛ ويوم أن استحكمت حلقات الدين بين الناس استقامت شؤونهم وعَلَت الهامات والهمم ، وأسبغ الله عليهم الرحمات والنّعم .

حكم الدين هو ادراك المسلم ما أوجبه الله عليه من الفرائض والطاعات فيلزمها ما استطاع ، وأن يعلم ما نهى عنه وزجر فيمنع نفسه ويُلجمها التقوى والورع ؛ وهذا نظام عام يتعلق به صلاح المجتمع أو فساده ؛ وبحجم الخلل الذي يطرأ عليه يكون قدْرُ الأثر وازدياده .

من يتتبع تاريخ الإسلام يرى جلياً أنّ عامة ما اجتمع على الأمة من المصاعب والمحن والمصائب والفتن كان مردّه إلى برودة حكم الإسلام في قلوب أهله ، وهوانه عليهم ، وتركهم الأصول الشرعيّة التي نهضت بها الأمة ؛ ثم الانشغال بالدنيا والشهوات ، أو الانصراف إلى المناهج الشاذة والشبهات ؛ ومن هنا كان مبدأ الفساد وظهوره بين الناس من اعتلال معايشهم الماديّة ، واختلال النظام العام للمجتمع الإسلامي .

إنّ الإصلاحَ واستئصال شأفة الفساد لهو مما جاء به الأنبياء والرّسل – عليهم السلام - ومن أهم ما دعوا الناس لأجْله ؛ بل إنّ حدوث الفساد هو ما خشيته ملائكة الله عزّ وجلّ من انتشار ذريّة آدم عليه السلام في الأرض { وإذْ قالَ ربُّك للملائكة إنّي جاعلٌ في الأرضِ خليفةً قالوا أتجعلُ فيها منْ يُفْسِد فيها ويسفكُ الدّماءَ ونحنُ نسبّحُ بحمدكَ ونقدّس لك قالَ إنّي أعلمُ مالا تَعْلمون}

وأمّا تحسينُ الظروف المعيشيّة والاجتماعية ؛ فإنّ من مقاصد الشريعة الإسلاميّة الخمسة هو حفظَ النّفس ؛ وهذا من مستلزماته – كما هو معلوم – توفير القدْر الكافي والمتوازن من الطعام والشراب ، والمسكن ، والملْبس ، والحماية من الضرر ، وصيانتها من المكروه ؛ فجاء الإسلام يحضّ على العمل فيما أحلّه الله تعالى، والاعتدال في المأكل والمشرب والملْبس ، والادّخار ، وكذلك فرض الزكاة على الأغنياء وصرْفها على الفقراء ، وحثّ على الصدقات ، وحرّم قتْل النفس إلا بالحقّ ، والإلقاء بها إلى التهلكة ؛ زِدْ على هذا ما جاءت به الشريعة من الأحكام التي تنظم العلاقات بين الأفراد والجماعات ، وتجلب لهم الحياة الطيبة وتحفظ عليهم أمنهم واستقرارهم ؛ وبالتالي توفيرَ أسباب العزة والتمكين والمَنَعة للأمة ؛ والنصوص في ذلك متوافرة وكثيرة .

يجب الآن على أي دعوة إسلاميّة اتّباع الوسائل الشرعيّة المُحققة للإصلاح ؛ كتعليم الناس مسائل التوحيد والإيمان ، ودعوتهم إلى الخير ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ مع العناية بالأساليب التي تستعمل في كلّ وسيلة كالحكمة أو العلم ، والموعظة الحسنة ، والقدرة أو الاستطاعة ، واعتبار الضوابط الشرعية والقواعد الأصولية التي بيّنها أهل العلم ؛ وذلك لئلا تنقلب النتائج فتصيرَ وبالاً وشرّاً على المسلمين .

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر – مثلاً – هو أصلٌ عظيمٌ من أصول الدين ، ومن الوسائل الهامّة التي يُستعان بها على إصلاح شؤون الأمة ودفْع الفساد عنها أو رفْعه إذا حاقَ بها ؛ ويستوي تحت هذه الوسيلة جميعُ الناس من حكام ومحكومين وعلماء وعوام ، ويتحصلّ من القيام بها صلاحُ الدنيا والآخرة ، ويتحقق شرطٌ مهم من شروط خيرية الأمة لقوله تعالى : { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ } ؛ ولذا جعل الله تعالى هذا الأصل من أصول شريعته أساساً في الموالاة بين المسلمين ، وسبباً لرحمته { وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } .

ولو تعطّل هذا الركن في حياة الأمة لعمّ فيها فساد البلاد والعباد ، و لكان سوء المآل لها بالمرصاد ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : " والذي نفسي بيده لتأمرنّ بالمعروف ولتنهونّ عن المنكر ، أو ليوشكنّ الله أن يبعث عليكم عقاباً من عنده ، ثم لتدعنه فلا يستجيب لكم " ؛ قال أبو حامد الغزالي رحمه الله في ( الإحياء ) : " فإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو القطب الأعظم في الدين، وهو المهم الذي ابتعث الله له النبيين أجمعين، ولو طوي بساطه وأهمل علمه وعمله لتعطلت النبوة، واضمحلت الديانة، وعمّت الفترة، وفشت الضلالة، وشاعت الجهالة، واستشرى الفساد، واتسع الخرق، وخربت البلاد، وهلك العباد، ولم يشعروا بالهلاك إلا يوم التناد ".

هذا محلّ اتفاق بين أهل الإسلام قديماً وحديثاً ؛لكنّ الخلاف لا زال يشتدّ بين الطوائف والفِرق حول الأساليب المُتّبعة في إنزال هذه الوسيلة وغيرها من وسائل الإصلاح على أرض الواقع فهماً وتطبيقاً.
اعتنى علماءُ أهل السنة والجماعة – وعلى مرّ العصور – بالأساليب التي تتضمنها وسائل الإصلاح الشرعيّة وضبط المسائل المتعلقة بالتطبيقات العمليّة لها أو المباشرة بها؛وذلك باعتبارها ركناً من أركان الدعوة إلى الله تعالى ؛ وعليه فلا بدّ – عندهم – من أن تكون منضبطةً بأصول منهجية ثابتة مُستقاة من الكتاب والسنة كإخلاص النيّة لله وتقديم الأهم ، والحكمة والعلم ، والصبر والرفق والحِلم ، ومراعاة القواعد الفقهيّة الكليّة التي تساعد على إدراك مقاصد الشريعة كالموازنة بين المصالح والمفاسد وغيرها ؛ فكانوا وسطاً في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر : لا هم ينكرون المنكر بالأساليب التي فيها نوعٌ من الإفراط والتعدي أو التخبّط - كالوعيدية من الخوارج – فيحصل من المفاسد ما هو أعظم من المصالح المترتبة على الإنكار ، ولا هم يُسقطونه أو يفرّطون به أو يتهاونون – كالمُرْجئة – فيَميع الدينُ وتتهدم صروحُه ؛ بل عندهم هذه الوسيلة من وسائل الإصلاح إنما تكون على ما تقرر من الأصول الفقهيّة والقواعد الشرعيّة التي يعلو بها الإسلام وتتألق روحُه .
ولذا تجد دعوتهم الإصلاحيّة – على الدوام – مستقرّة متّزنة لا متأرجحة ولا متلوّنة ؛ يجرون فيها على صحيح المنقول والنصوص ، ولا يُجارون بها الأطماعَ وهوى النفوس ! .

أكثر الشرور والفتن التي ظهرت في التاريخ الإسلامي كان سببُها غضّ النظر عن تلكم الأصول والقواعد التي بناها وبيّنها الأئمة الأعلام ؛إذ كان هناك من احتج بالإصلاح والتغيير لإنفاذ مذهبه الطائفي والحزبيّ بين أهل الإسلام ، ومَن غلبت عليهم الشبهات وغابت عنهم هداية العلم فتوغلوا في الشدّة عند مواطن اللين أو العكس بالكمال والتمام ، وآخرون أتوا الإصلاح بأساليب لا تُراعي الموازنة بين المصالح والمفاسد وأولويات الدعوة إلى الله جلّ ثناؤه ، إلى غير هذا من تجاوز صحيح الأحكام ؛ فكان أنْ انتقض كثير من عُرى الدين ،وظهرت بين أهله المحن العِظام .

اليوم – ومع حلول الربيع العربي! – وجدت الجماعات والأحزابُ الإسلاميّة نفسها أمام ( ضغطٍ شعبيّ هائل! ) دفعها بقوة نحو ضرورة اتخاذ ( المواقف الرسميّة ! ) حول حِمى – أو قل : حُمّى – الربيع المزعوم .

لم يكن الأمرُ من السهولة بمكان لاعتبارات عدّة أهمّها تعلُّقُ أكثرِ الحوادث بالإنكار على حكّام المسلمين وحكوماتهم ، ومطالبات التغيير واستعادة ( سلطة الشعب! ) ؛ ما جعل المواقف تتغاير – شكلاً وسلوكاً – إلى حدّ بعيد ؛ بل ترى بعض الجماعات - من جهة مواقفها - في حالة تغيير مستمر وتجديد ! ؛ دون التفات للأصول الفقهية الثابتة لا سيّما تلك التي يرتكز عليها منهجُ الموازنة بين المصالح والمفاسد بالتحديد ؛مع الانفعال الحماسي لمُجريات الأحداث السياسية ، وتقديم المنفعة الحزبيّة على المصالح الشرعيّة ؛ وتباعاً : حصول الخلْط بين المسائل والغَلَط في الوسائل .

منهج جماعة الإخوان – لا شكّ – نموذجٌ على هذا المسلك الخطير في معالجة قضايا الدين ، والأحداث العصرية الجارية ؛ وإلا فما معنى قيام اثنين من أبرز منظّريهم – أحدهما في الأردن – للدفاع عن النظام الحاكم في سوريا مع انطلاق شرارة العنف والاحتجاج هناك ، والتحذير من مؤامرات خارجية تستهدف رأس النظام الدّاعم – كما يصفون! – لرموز المقاومة ( حزب الله وحماس ) ، واحتضانهم و ورعايتهم والتواصل معهم ! - هذا في الوقت الذي كانوا فيه يسارعون بتأييد حقّ الشعوب العربية في ( الانتفاض على الأنظمة ) واسترداد السلطة ! – فلمّا تغيرت الأمور ، ورأوا تعاطف الجماهير العربية مع السوريين المحتجين صاروا يتحدّثون عن طائفية النظام وعقيدته المُعادية لأهل السّنة ؛ فهل خَفِيت عليهم عقيدة النظام عندما كانوا يدافعون عنه ؟ أم أنها لا تضره ما دام داعماً للمقاومة ؟! .

ولمّا قامت المعارضة في مصر وتحرّكت ضد حكم الرئيس مرسي ؛ نهض المنظّرون في ( جماعة الإخوان ) يذبّون عنه وينافحون ؛ تارة يُظهرون حقّ ولي الأمر بالسمع والطاعة ، وتارة أخرى يتحدثون عن الفتنة المفاسد والمصالح ؛ فالقرضاوي – مثلاً – لم يتأخر في الحديث عن الفتنة التي تجلبها المظاهرات والاعتصامات إلى البلاد ، وما تسببه من الفرقة والتناحر بين الأخوة ؛ فيقول : " وإن كانت هناك ملاحظات على الإعلان الدستوري فإنها لا تقارن بالفتنة التي هي أشد من القتل، والفرقة التي سماها الله – تعالى – كفراً "، وقال عن ولي الأمر : " والأحاديث الواردة في الإثم العظيم لمخالفة أمره والاستهانة به أكثر من أن تُحصى " ! ، وعن الوحدة بين أبناء الشعب الواحد قال : " نحن نحتاج أن نتدارك ما فات وأن نُحيي ما مات فلماذا التشاحن والتباغض بين أهل مصر بسبب السياسة ؟! .

أين هو هذا المنهج عندهم في باقي الدول العربيّة و الإسلاميّة ؛ والذي يحفظ البلاد والعباد ؟!

الغريب أن هذا المنهج هو نفسه الذي جرى عليه من حرّم – ولا زال يحرّم – المظاهرات والإضرابات لما قد تؤدي إليه من الفتن والدّمار ، و ذات المسلك الذي بسببه رُمي أصحابُه - من قِبَل الإخوان أنفسهم - بتهم التخاذل والنكوص عن محاربة الفساد؛وأمّا تلك الأحاديث التي أشار إليها القرضاوي في حثه على طاعة ولي الأمر وعدم الاستهانة به فهي بعينها التي اتهموا من استدل بها بالعمالة للسلاطين والحكام ، وانعدام الفهم للواقع! .

وهذا يجعلنا مطمئنين للقول : إنّ هذه الجماعة تحركها الانفعالات الناجمة عن التعرض الدائم لضغط السياسة العصريّة وأحداثها المتقلبة ؛ وهو ما سيجعلها – كنتيجة حتميّة – مخلّطة بين المسائل الشرعيّة ، ومغالِطة في الوسائل الإصلاحيّة إلى حدّ بعيد .

للحديث بقيّة - إن شاء الله تعالى - .








طباعة
  • المشاهدات: 20549
لا يمكنك التصويت او مشاهدة النتائج

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم