13-04-2013 11:52 AM
بقلم : رائد سليمان الخشمان
الأزمات التي يمرّ بها مجتمعنا الآن في معظم مجالات الحياة سببها، أو لنقل سبب عدم القدرة على مواجهتها بالحلول المناسبة، هو ضعف النظام التربوي والتعليمي، وإفرازاته العقيمة على مدار أكثر من عقدين من الزمان. فقد صاحب عملية تطوير المناهج التي بدأت منذ منتصف الثمانينات، تغييرات في أسس النظام التعليمي بشكل عام، ومن ذلك إلغاء الرسوب في المرحلة الأساسية، وعدم تحفيز الطالب إيجابياً للتحصيل العلمي، وبدلاً من وضع برنامج استدراكي مكثّف خلال إجازة الصيف لمن يخفق، إختارت الوزارة أسهل الحلول وهو: الكل ناجح. من هنا بدأت هيبة التعليم بالإنحدار وفقد المعلم جزءاَ كبيراً من أهميته وبريقه، فأصبحت مدارسنا تخرّج أجيالاً شبه أميّة، لا تتمتع بروح المسؤولية والاحترام، ولا لإي شيء في المجتمع. فبدأنا نسمع عن تكرار الاعتداءات على المعلمين من قبل أولياء أمور، وأحياناً للأسف من قبل الطلاب، ومن ثم إنسحب ذلك على الأطباء والاستاذة الجامعيين ورجال الشرطة وحتى كبار المسؤولين، حتى أننا نكاد نقول بأنه لا يوجد إحترام لأي موقع عمل، ولا لأي مهنة مهما كانت، في ظل تغيّيب كامل للقيم الراقية وللقوانين الرادعة، وهذا للأسف منتهى الإنحطاط الاجتماعي. فكانت سلبية النظام التعليمي، وسطحية المناهج وإلغاء الرسوب هي المداخل التي فتحت الأبواب لكل تلك المساوئ والسلبيات.
إن الإصلاح يبدأ من بوابة التعليم، فإصلاح النظام التعليمي يتطلب عملاً جادّاً من الحكومة والنواب إبتداءً. وحين تتوفّر الإرادة السياسية للتغيير، يأتي دور التربوييّن والمتخصصين في علم النفس والأجتماع لوضع مناهج حضارية، تنقل المجتمع الى مراحل الرقيّ والاعتزاز بالثقافة والقيم الراقية التي تزخر بها حضارتنا، وتساعد على تحسين مخرجات العملية التعليمية عن طريق تخريج أجيال تتمتع بالمهارات المطلوبة وبالصفات الحميدة. إنني وبعد خبرة 22 عاماً كمدرّس ومشرف وإداري في الأردن والسعودية والمدارس العالمية، وبعد أن حظيت بفرصة المشاركة في العديد من المؤتمرات والدورات المتخصصة مع بعض النخب من قيادات التعليم الدولي، أقترح وبتواضع على الدولة وقادة النظام التعليمي في بلدي، إن هم أرادوا أن يتقدّم المجتمع، أن يتم الأهتمام بالمحاور التالية كبداية:
أولاً: تفعيل منهاج التربية الوطنية (التي هي جزء من المواد الأجتماعية) والأنتقال بها من الموضوعات السطحية إلى موضوعات تهتم وتنمّي الصفات الشخصية التي يجب أن يتمتع بها طالب المدرسة: كالأمانة، وإحترام الآخرين، ومساعدة المحتاجين، والصدق، والإنتماء للوطن، وعدم التعصّب للقبيلة أو المدينة، ونبذ العنف والتطرّف، وإحترام الرأي الآخر، وفن الحوار، والتواضع، واكتساب مهارات التنظيم الشخصية، والتحلي بروح المسؤولية نحو العائلة والمجتمع والوطن، وما الى ذلك مما يتفق عليه التربويّون وعلماء النفس والأجتماع. ولغرس هذه الصفات يجب جعلها المحور الأساسي في محتوى المناهج الأخرى أيضاً، بمعنى أن تدعم نصوص مادة اللغة العربية هذه القيم وتساعد في تعزيزها، وينسحب ذلك على محتويات المواد الأخرى جميعاً. وكمتطّلب عملي لمادة التربية الوطنية، أقترح تطبيق نظام ساعات محددة لكل صف تسمى (ساعات خدمة المجتمع المحلي)، يتم من خلالها قيام الطلاب بحملات تطوعية تهدف الى خدمة مجتمعهم: كخدمة المسنين، المساعدة في قطف ثمار الزيتون، تنظيف الساحات والحدائق العامة المحيطة بالمدارس، تنظيف الشوارع من الأشواك، زراعة الأشجار، تنظيم حملات تبرعات منظّمة للفقراء والأيتام، وغيرها العشرات من النشاطات التي يمكن أن تزرع القيم النبيلة في نفوس الطلاب وتعزّز انتمائهم وتقديرهم للممتلكات العامة وللمجتمع.
ثانياً: إعادة النظر في أسس النجاح والرسوب، بحيث يتم إخضاع الطلاب الذي يخفقون في إجتياز الاختبارات المدرسية لحضور دورات صيفية مدفوعة الأجر من قبل أولياء امورهم لمدة 40 يوماً مثلاً، لكي يعوضوا إخفاقهم خلال العام، وبالتالي تكسب ثلاث جهات: (الطالب أولاً)، والذي سيتقن المهارات المطلوبة للصف الأعلى. (المعلم المكلّف ثانياً)، وهو من سيقوم بجهد إضافي مقابل دخل إضافي. (والمجتمع ثالثاً)، وهو الذي سيحافظ على جودة مخرجات العملية التعليمية. وبالانتقال الى موضوع التوجيهي، فقد تعالت الأصوات في السنوات الأخيرة بخصوصه، وهو العلامة المضيئة الأخيرة في النظام التعليمي الحالي والتي تحقق العدالة بين الطلاب وتمنع المحسوبية في القبولات الجامعية نسبياً، والهدف من وراء هذه الأصوات النشاز هو دقّ المسمار الأخير في نعش النظام التعليمي واشاعة شريعة الغاب. وما أتمناه هو أن يستمر هذا الأختبار، مع العمل على تطويره وتعزيز الثقة بنتائجه، وذلك ابتداءً بوضع الأسئلة المناسبة، ومروراً بإدارة الأختبار بحرفية عالية، وانتهاءً بفرز النتائج وأحقيّة أولياء الأمور بمراجعة أوراق أبناءهم مقابل رسوم مادية معينة.
ثالثاً: تطوير التعليم الجامعي ليتماشى مع هذه التغييرات وخصوصاً في كليات التربية، بحيث تتماشى المساقات الجامعية مع المناهج التعليمية، ليتم تخريج معلمين قادرين على تطبيق المتطلبات الأكاديمية، وتخريج طلاب منتمين لبلدهم يتمتعون بالصفات الحميدة والقيم الأخلاقية النبيلة، وبالأحترام لكل ما يحيط بهم، وينبذون العنف والتطرف والتعصب. كذلك تطوير تعليمات الأنضباط الجامعية التي تمنع العنف، وتعزيز أعداد وكفاءة موظفي الأمن في الجامعات، وكاميرات المراقبة في الساحات والأبنية الرئيسية لضبط المخالفين، وإنزال أشد العقوبات بحقهم.
إن الحديث في تطوير النظام التعليمي متشعّب وطويل، ولكني للإختصار سأكتفي بماذا ذكرت، مع حرصي على التأكيد بأن معظم ما نعاني منه من مشكلات إجتماعية وفساد تعود جذوره الى الخلل المخيف في النظام التعليمي الوطني. والذي أدعو في نهاية مقالتي هذه أن يتم مراجعته بعناية من قبل الحكومة والنواب والمتخصّصين في مؤتمر وطني ينقذ مسيرتنا من العبث الذي نشهده صباح مساء.