حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الأحد ,24 نوفمبر, 2024 م
طباعة
  • المشاهدات: 30302

فمنهم من قضى نحبه .. ومنهم من ينتظر

فمنهم من قضى نحبه .. ومنهم من ينتظر

فمنهم من قضى نحبه  .. ومنهم من ينتظر

13-04-2013 11:55 AM

تعديل حجم الخط:

بقلم : طارق البرغوثي
كان ريعان الصبا غضرا ومهوى قلوب المجاهدين فهو بهيّ الطلعة مشرق القسمات, يشرق فاه عن ابتسامه عذبه تشق الظلام بنورها الوضّاء, ومن ثم فقد حباه الله عقلا راجحا يحتكم اليه في الملمات ,وقلبا يفيض حبا لكل من حوله, ابو كفاح , او كما ينعته اهل قريته , شاب احتفل مع رفاقه بخريفه الثلاثين في الثكنه العسكرية حيث يربض مرابطا على التغور, فقد كان ابوه رحمه الله مجاهدا قضى نحبه في عملية الرصاص المصبوب , وقف ذلك اليوم –امام رفاقه وقال لهم بصوت متهدج لم يعهده رفاقه من قبل, فقد عهدوه مزمجرا كالاسد في ساحات الوغى : لقد كان اخر كلام ابي وهو يلفظ عطر انفاسه :ولدي ايّاك ان تموت كما تموت الهوام فاختر لنفسك ميته تليق بك , لقد جثم العدو على انفاسنا فطعم الموت في امر حقير كطعم الموت في امر عظيم , لا انسى تلك الكلمات ما حييت , فقد كانت شفتاه كانهما لؤلؤا يفيضان الجمان , وعندما فاضت روحه بكيت حتى كدت اصاب بالجنون فلقد كان ابي احب الناس اليّ فقد كان امّا وابا وصديقا, علّمني انّ لكل منا في الحياة رسالة, وايّ رساله اشرف من استرداد حق مغتصب , ربت ابو الهيجاء على كتفه قائلا: ابا كفاح هوّن عليك , رحم الله ابيك, لا تنس انه الآن مع الحور العين , وعلت الضحكات وابتسم صاحبنا مداريا ما في القلب من غصة.

كان الصباح يشق عتمة الليل, خرج ابو الهيجاء يريد صلاة الفجر وبعد ان اسبغ الوضوء , هم ّيبحث عن ابو كفاح ليجده منطرحا بين يدي الله , غارقا في الصلاه , انتظره حتى فرغ من نافلته , اقيمت الصلاة جامعه , وكأنّ الملائكة باسطة اجنحتها تظلل ذلك المكان بالسكينة والرحمة, كان الدعاء يملا رحاب المعسكر بالبركة .

وبعد ان فرغ الجند من الصلاة , همس ابو الهيجاء : ابو كفاح , اريدك لحظة!

ابو كفاح بحزم : حاضر

ابو الهيجاء:الم تشتق لزوجتك وطفللك الصغير ؟!

ابو كفاح مبتهجا : بلى , هل يمكنني رؤيتهم فقد مضى ثلاثه اشهر لم ارى وجه زوجتي وطفلي الحبيب

لك ذلك ولكن لا تتاخر فكل ما لديك هو ست ساعات, ست ساعات فقط!

غادر المعسكر تاركا صحبه وقد منحه القائد ستة ساعات لا اكثر ليملا عينيه برؤية عائلته ليعاود بهمة ونشاط عمله الذي نذر نفسه له , وعند منتصف الليل قرع باب بيته , فاشرقت الارض بنور طفله وزوجته وضمهما خلسة الى قلبه, كان اللقاء مضمخا بالاشواق والحميمية , انتهت الساعات السته وكانهما حلم جميل , ودّع زوجته وطبع قبله على جبين طفله الغض وقال لزوجته : ادعو الله ان يحفظكم فالى لقاء فالواجب يطلبني , ودعته زوجته ودارت دموعها ودعت له بالشهاده بلسانها وقلبها يلعق الالم .

استقبله صحبه وكأنه غادرهم عاما كاملا , فلقد غدا المجلس بدونه لا يطاق فهو نديمهم وملهمهم اذا ادلهمت الخطوب واشتدت المحن , انقضى اللليل ثقيلا على صاحبنا فكأنّ شيئا مطبقا على قلبه , فصورة زوجته وابنه لا تكادان تفارقانه , وتذكر والده , كيف كان يبيت الايام الطوال بعيدا عن البيت في ثكنات الجهاد وكانت العبرات تقفز من وجهه رغما عنه , قام للصلاه وتضرع الى الله وابتهل اليه واغلق العيون على القذى واسلم روحه للنوم .

قام فزعا على صوت قائد المعسكر ابو الهيجاء

قم يا ابا كفاح , لدي اخبار اريد ان تستقبلها بحال المؤمن الصابر .

ابو كفاح وقد اعتراه هم ثقيل , فقد احس بان قدماه لا اقويان على حمله : خيرا ان شاء الله

الجبناء قصفوا بيتك وفي جوفه عائلتك , احتسبهما عند الله !, وقوات العدو تحاصر المدينة وتوغل في القتل .

الله حسبي ومعيني , بتلك الكلمات ومزيج من الدموع والاسى استقبل الفاجعة , ربت القائد على كتفه قائلا : تجمّل بالصبر واستعن بالله على مصابك!

خرجت جموع المقاتلين باسلحتهم وكأنهم قد خلقوا لهذا اليوم , وبعد يوم دامٍ قتلوا من العدو عشرة واصابوا منهم الكثير , تفقد ابو الهيجاء مجموعته التي تربو على الثمانين , ليعلم انّ عشرين منهم لقوا مصرعهم , أُسدل الليل ليطوى صفحة معركة دامية , معركة الحق والباطل , كان ابو كفاح قد اصيب برصاصه في رجله , اخذ ابو الهيجاء يضمدها بنفسه وهو يبتسم ويقول له : لقد فرّ الموت منك وكانك شبح , لقد رايتك كيف تقاتل , قتال الذي لا يخش الموت, قال ابو كفاح : والله انها احلى لحظات حياتي , هذه اللحظات التي يحرمها كثير ممن يعشقونها .

لم يكد ينلج الفجر عن سنا ضوئه حتى خرج ابو كفاح من معسكره , حاملا سلاحه شاقّاً صفوف قوات العدو مهاجما لجيش كامل بعدته وعتاده ليسقط العشرات منهم بين قتيل وجريح , مفرقا جموعهم وكاسرا شوكتهم وكأنه جيش لجب, وبعد معركة دامت اكثر من ساعتين استطاعت رصاصة ان تخترق قلبه الكبير فسقط ساجدا مبتهجا بما منّ الله عليه بالشهاده .

عم المعسكر الاسى وخيم على افراده صمت القبور على فقدانهم ابو كفاح , وبينما رفاقه يرتبون حاجياته اذا بهم يجدوا وصية قد كتبها بمداد قلبه يقول فيها : اليوم سازور أبي وسالتقي زوجتي وابني بعد ان اكون قد اديت واجبي تجاه الله باغلى ما املك , روحي التي تتوق الى الجنة .

tariqmm73@hotmail.co.uk








طباعة
  • المشاهدات: 30302
برأيك.. ما خيارات ترامب للتعامل مع إيران بعد فوزه بانتخابات الرئاسة الأمريكية؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم