20-04-2013 10:04 AM
بقلم : عبدالكريــم فضلو عقاب العــزام
أخي القارئ : أستميحُك عُذراَ بِمُقدِّمة قصيرة لمن لا يعرف سُــوق عكاظ لأقول:
إنّ سـوق عكاظ هو سوقٌ كانت تلتقي به العرب في الجاهلية يشتمل على التّجارة وتبادل السِّلع فكان فيه من البضائع المادية؛ التَّمر و السمن و العسل والخـمر والملابس والإبل وكان سُوقاَ للبضائع الأدبية فكان يَعرض فيه الشّعراء الفحول شعرهم والخطباء خطبهم على المحكِّمين.
ومن هذا السوق برز واشتهر شعراء المعلقات وغيرهم من الشعراء كالخنساء كما برز واشتهر من الخطباء المُصقَعين الكثير أبرزهم قس بن ساعدة الإيادي .
وكان للسوق مرجعية في الإدارة والتحكيم تبوّأها في حقبة منه "النابغة الذبياني" الذي كانت تُضرب له قُبّـة حمـراء من أدَم السُّـوق فكان يَزِن الأشعار بميزان نَـقـدِه فَـيُـقَـدِّم شاعراً ويُؤخٍّـرُ آخر.
ويَقبَل النَّاس حُكْمَه ويَنفضُّ السوق وقد وجَـد العرب المُجتمعون ضالّتهم في شِراء ما يحتاجون ونيل ما يَبْغُـون إلى جانب سَماع عُيـون الشّعر والخُطَب .
بعد هذه المقدمة الموجزة أترك للقارئ أن يُـقارن بين ما كان يَجري في سُـوق عكاظ وما يجري الآن في مجلس النُّـواب الأردني غير ما سأذكر لاحقا من مختصرات فالمشتريات الماديّة التي كانت تُعرَض في سُـوق عُـكاظ قد يقابلها الآن عروض ووعود متنوعة مقابل الثِّـقة.
أمّا شُعراء المعلّقات وخُطباء عُـكاظ فيقابِلهم نوَّابنا الذين أعَـدُّوا خُطَبهم بعناية لِيُثْـبِتُـوا للنَّابغة أنَّهم يَستحقُّـون أن تُعَـلَّق خُطَبُهم على جُدران المَجلس وأن يُعطَوا حَقيبة الوَزارة أمّا النابغة الذبياني الذي كان يرأس سُوق عُكاظ وتُعرض عليه الأشعار والخُطب فأعتقد أنّ القارئ يستطيع أن يضع يَده على صورة النّابغه واسمه في مجلسينا الموقَّرين؛ الوزراء والنُّواب إن لم يكن في المجلسين أكثر من نابغة.
أخي القارئ:
إنّ ما سمعناه في مجلس نُوّابنا المُوقّـر على مدى ثلاثة أيام في مراثون طلب الثقه كان شيئاَ عجباَ كانت أفكار النواب متنوعة كبضاعة سوق عكاظ وكانت مطالبهم كذلك؛ ألقوا خُطَبَهم وأشعارَهم في المجلس ولا يدرون ماذا سيكون الرد، تنقَّلـوا وعرضوا المطالب المختلفة ولم يفتّـشوا جُيوبَهم وجيوبَ الحكومة إن كان بها ما يشترون به ليعودوا بالمشتريات المطلوبة لمَناطِقِـهم كما لم يعرفُـوا أنَّـهم ربّما يعودون بِخُفَّـي حُنَيْـن لأنَّ بضاعة السُّوق قد لا تُباع أحياناَ كما حصل مع بائع الخُمُـر السُّـود العِـراقي الذي كَسـدت بِضاعته في الشَّام لولا أن استعان بالشَّاعرالذي قال:
قل للمليحة في الخمــارِ الأســــودِ ....................... ماذا فعلت بناسِــكٍ مُتَــعـبِّـد
......إلى آخر الأبيـات......
فبيعت بضاعَتُه لكن بِضاعتهم وما يطلُبون، طلبوها على مدى سنوات ومجالس مختلفة، ولم ينالوا منها سِوى القليل ولا ينفَـع معها تسويق شاعر ولا خطبة خطيب.
لكن المُلفت للنَّـظر والذي يستحِق التأمُّـل والتَّفكيـر العَميـق هو إجماع أغلبهم على طَلب التَّوزير للنُّواب تحت عُنوان وهدف يَرجُـونه ويَرغبـون فيه "تشكيـل حُكومة برلمانية "، إنَّه هدف طَرحَـه جلالــة الملـك ولَعـلَّ قَصده من ذلك كان الدَّفع باتّجاه إيجاد أجواءٍ سياسِيةٍ مناسبةٍ تَتَـشكَّـل فيها أحزابٌ ذاتُ برامجٍ واستراتيجياتٍ هَـدفها خِدمةُ الوطنِ والمواطِـن لا أحزاباً وقوائم تتشَكَّـل قبل الانتخابات، وبعد أن ينفضَّ العُـرس يعودُ كُـل واحد إلى بيته ليتمترس وراءَ رأيه وفِكرِه.
عِندما تَـتشكَّـل مِثل هذه الأحزاب التي تَصهر الأفراد وجميعَ مُنتَسِبيـها في بَوتَقَـةٍ واحدةٍ ويُصبِحوا يُـؤمنون بِفِكْـرٍ واحدٍ وهدفٍ واحدٍ يَستَـقطِـبُ النَّاسَ جميعَهم لِخدمةِ الوطن.
لكن ما حصل هو عَكـس ما أراده جلالة الملك من تشكيلٍ للأحزابِ وتجذُّرها ولولا وجود جماعة الأخوان المسلمين التي استفادت من عامل الزَّمن وارتباطاتها بفروعٍ حزبيةٍ خارجيةٍ وما شاكَلَها من أحزابٍ ذات الارتباطات الخارجية، إنَّ الوطن ما زال يخلـو من الأحزاب المتجذرة أحزاب الاستراتيجيات والبرامج التي تستطيع أن تقود البلـد وأن تُفرز حكومات تمثِّل تطلُّعات المجتمع.
إنَّ المُواطن يُـريد أن يَرى أحزاباً مَرَّ عليها سنوات حتى تُصبح مقنعة لِمُنتَسبيها ومن ثم للمواطنين وأهدافهم.
ما دام مجلس الأمة قد تَشكَّـل على أساس فردي أو من قوائم تشكَّلت على الهواتف قبل الانتخابات لا يعرف أعضاؤها بعضَهم بعضاً إلا بعد تشكيل القوائم؛ قوائم مُتحرِّكة كَرِمال الصَّحـراء، فكيف يَطلُبُـون أن تكون الحكومة برلمانية مِنهم.
هل هم يَتَجاهَلُـون ما معنى الحكومة البرلمانية المُمَثلة للشَّعب أم استغلوا اسم برلمان لهدفِهِـم واعتبَـروا أنْفُسَـهُم يُمَثِّـلون جماعاتٍ منظمة.
أرجوا أن يَعُـودوا إلى الواقع لِيَعْـرِفُـوا أنَّـهم لم يأتُـوا مِـن رَحِـم الشَّـعب كما قال بَعضُهم، بل أنَّ بَعضـهم جَاء من بُطون الشَّـعب ومِن جُيوبِهم وبَعضهم جَاء عن طريق الفَزعةِ والنَّخوةِ التَّي تَـبرُد بِسُـرعة كما سَخنـت بِسُـرعة وبعضهم وبعضهم ......
ولكن لا بُـدّ في هذا المقـام أن نُنصِفَهم ونَـقـول يجب أن لا نُلبسهم ثوباً غَيْـرَ ثوبِ أغلب من وصلوا إلى الصَّف الأول من شعبِنا فأغلب من وصلوا كان شِعارهم "كـوِّش قد ما تقـدر" "هاي جمعـة مشمشيَّـة".
ونُوابنا اليوم ليسُـوا أقَـل حظاً مِمَّـن سَبَقـوهم في جَمع "تكويش" الغنائم، فكلمة سعادة لا تكفي، لا بُـدَّ أن يكون معها معالي لأنها الكلمة التي ترافق صاحبها مدى الحياة .