27-04-2013 10:30 AM
بقلم : المحامي مزهر القرعان
لم يعد خافيا على احد من المواطنين سواء كان ذكرا أم أنثى مثقفا أم غير مثقف ،عالما أم جاهلا، عاملاً أو عاطلا،ً عاقلا أم مجنونا، بأن أسلوب تشكيل الحكومات في الأردن قد استنزف موارد الدولة بشكل كبير، خاصة وان عمر هذه الحكومات لم يكن طويلا؛ فقد كان يأتي رئيس وزراء ويذهب آخر دون أن يكون هناك عمل محدد لمصلحة المواطن تقوم به حكومته، اللهم إلا عملاً يثقل كاهله ، ويأتي وزير ويذهب آخر وكلُ منهم يسلم الراية بعد أن يكون قد أنجز المهمة الموكولة إلية بأمانة وإخلاص !! وكأنهم يذهبون في رحلة صيد قصيرة تتطلب أن يكون الصياد فيها ماهرا في الصيد وقناصا. فالرحلة لم تكن يوما رحلة ككل الرحلات ولا الصيد فيها كغيره من الصيد،مسكين هو المواطن الأردني، وعالٍ جدا حسه بوطنيته وأردنيته ،وكبيرةُ جدا تضحياته، كثيرة هي حكوماتنا وكثيرة مصاريفها ،وكثيرة هي همومنا، كلما جاءت حكومة لعنت أختها التي سبقتها وكل حكومة تأتي بهمٍ جديد يُلقى على ظهر المواطن المسكين حتى أصبح الهم والغم ملمحا واضحا في وجه المواطن الأردني، كانت الحكومات أول ما تعلن في بياناتها الوزارية بأنها ستشن حربا بلا هوادة وعلى أكثر من صعيد، فخاضت حكوماتنا حروبا عديدة ضد البطالة ولكنّا كنا نرى بان البطالة بازدياد، قالوا لنا بان هناك أسلحة أخرى سوف تُستخدم في هذه الحرب، إلا أننا وجدنا أن البطالة قد زادت مناعتها ولم تعد تخيفها الحكومات مهما كانت أسلحتها وزادت الواسطة والمحسوبية في التوظيف . وعلى جبهة أخرى كنا نتابع حربا ضروسا ضد غلاء الأسعار، إلا أن الأسعار كانت تزداد وبشكل لا مثيل له في التاريخ وبرعاية وحماية الحكومات لدرجة أن المواطن ما اشترى سلعة وعاد ليشتريها مرة أخرى إلا وقال له التاجر (وين علمك والله السعر ارتفع) فلم ينفع سلاح الحكومات لمحاربة الغلاء فرفعت الراية البيضاء واستسلمت وسلمت رقابنا لأجشع التجار من الداخل والخارج حتى مصوا دماءنا تحت شعار الخصخصة والاستثمار. وفي جبهة أخرى كنا نرى حربا تدور رحاها ضد التسول (العدو الأول للحكومات)، حيث نقلت هذه المعركة من الشوارع إلى مقٍر رسمي حاصرت فيه التسول واستحدثت له وزارة خاصة و جعلت التسول من خلالها، ولكنا وجدنا على أبوابها متسولين أكثر بكثير من أولئك الذين كانوا يجوبون الشوارع، متسولون من نوع جديد؛ فالتسول هو الآخر قاوم كل أسلحة الحكومة وزادت مناعته وتضاعف أضعافا كثيرة، وتنوع فأصبح تسولا عشوائيا وتسولا منظما.
والطامة الكبرى أن كل هؤلاء الأعداء على الجبهات التي تحاربها الحكومة قد اتفقوا فيما بينهم وشكلوا حلفا قويا لمواجهة الحرب المستمرة التي تشنها الحكومات ضدها، فشكلت قوة ضاربة وظهرت كمارد جبار، فلم تأتي حكومة إلا ونادت بإعلان النفير العام لمحاربة العدو الأقوى الذي يهدد البلد وينخر فيها ألا وهو الفساد، وقد استخدمت معه كافة الأسلحة، إلا أننا رأينا ولا زلنا أن الفساد قد اكتسب مناعة كبيرة ضد كل أنواع الأسلحة المستخدمة للقضاء عليه، حتى أصبح الفساد حكومة اقوى من كل الحكومات. وتمدد وتجذر وضربت جذوره كل مناحي الحياة. بيوت تشكو من فاسدٍ فيها،وعشائر تشكو فساد شيوخها ، مدارس، مؤسسات ، وشركات عامة وخاصة تشكو فساد مدرائها وموظفيها، فساد يرتدي أثوابا بألوان متعددة يذوب في الماء، ويسري مع الكهرباء، ويعجن مع الخبز، ويطير مع الهواء، فساد مرئي وفساد غير مرئي، فساد بلباس رسمي وفساد شعبي، فساد بحري وفساد جوي، وفساد بري، مسكينة هي الحكومات في هذا البلد الصابر أهله أمضت عمرها من حرب إلى حرب، ومسكين هو المواطن الذي كان وقودا لهذه الحروب وممولا رئيسيا لأسلحتها ومقاتليها، ليكتشف أخيرا بان الحكومات كانت تقاتل بسيف مثلوم وأسلحة صدئة وليكتشف بان حربها كانت ضد أعداءٍ ولدوا من رحمها وتكاثروا وتكالبوا وانسجموا وذابوا فيها بحيث لا تستطيع الحكومة أن تقضي عليه قبل أن تقضي على نفسها.
في أول حرب وقعت قالوا لاباءنا في أواخر الثمانينات اربطوا الأحزمة، فاستغربنا!!! فالأحزمة كانت دائما مربوطة لشد البنطال، وكانت الأحزمة من المطاط أو من القماش(الدكة) لتواكب حالة الجوع والشبع عند المواطن وكانت تشد على الخصر لئلا ينزل السروال، فقالوا(لا تفهمونا غلط) اربطوا الأحزمة بعد أن ترفعوها على بطونكم وزيدوا فيها ثقوبا أخرى ، فأمامكم سنوات عجاف، افعلوا ذلك وضحوا من اجل الوطن وأبناءكم والأجيال القادمة. فربطوا وربطنا وشدوا وشددنا الأحزمة ليعيش أبناؤنا، وكنا نساعد بعضنا بعضا في شد الأحزمة ولم نكن نعلم بأنهم كانوا يأكلون ما وفرنا أو بالأحرى ما كنا نعتقد بأننا وفرناه لأبنائنا،واكتشفنا بان عضو الحكومة لم يكن يلبس الحزام أصلا وكان يستبدله بحمالة توضع على الكتف وتربط بالبنطلون. وبأننا نحن من سيدفع فواتير حروبهم الزائفة وأسلحتهم المثلومة وكنا من السذاجة بمكان أننا لم نكن نعلم أو كنا نعلم ونتغافل عن حقيقة كبرى. بأنه لا يمكن لفاسد أن يقاتل ضد الفساد لأنه لا يوجد على هذه الأرض من يقاتل نفسه.