07-05-2013 10:32 AM
بقلم : تمارا الدراوشه
إتصلت صديقه لي من عمان تسألني عما يجري في معان – المدينة والبادية- وقالت : لقد اختلط علينا الأمر من كثرة ما نسمع ونقرأ عبر وسائل الإعلام سواء المسموعة أو المرئية أو المقروءة , وبحكم علاقتنا الممتدة امتداد الطريق الصحراوي الذي يربط عمان بالعقبة أرادت مني الحقيقة وكأني مراسل من قلب الحدث .
صمت قليلا ثم قلت لها سأكتب لكي ولكل الأردنيين حكاية الجنوب وتحديدا جنوب الجنوب لأنه من حق الجميع أن يعلم الحقيقة بعيدا عن وسائل الإعلام , وبعيدا عن أقلام المنظرين الذين لم يعرفوا الجنوب ولا حقيقة الجنوب إلا مع اندلاع أحداث العنف الأخيرة في جامعة الحسين بن طلال .
سأكتب وأوجز قدر ما استطيع لأن ألكتابه عن قصص الجنوب وإهمال المسؤولين لها وتهميشهم لأهلها تحتاج إلى مجلدات لا يتسع المكان أو الزمان لكتابتها ألآن .
لذلك سأكتب وعلى شكل إضاءات بعيدا عن ما كتب حول موضوع أحداث جامعة الحسين والخلافات العشائرية وما تلاها من أحداث أو ما سيتلوها لاحقا إن لم يتم تحريك الساكن أو تسكين المتحرك .
سأبدأ بقصة التعليم في الجنوب وأخص البادية الجنوبية لأن التعليم بها له حكاية بدأت ولم تنتهي , فلا زال التعليم لدينا يعمل بنظام الصفوف المجمعة (كل صفين في غرفه واحدة) في بعض المدارس ولا زال لدينا عجز في تأمين المدرسين المؤهلين ولا ضير في ذلك فبيئة البادية تعد بيئة طاردة , فنجد أن معلم أو معلمة التربية الإسلامية أو الفن يدرس اللغة الانجليزية والرياضيات , وأكثر من ذلك فإن من يتابع يجد أن هناك مدارس أو أشباه مدارس يصل فيها الطالب إلى الصف السابع أو الثامن وهو لا يجيد القراءة أو ألكتابه , وهذا ليس لأنه فاشل بل لأنه حرم من فرصة توفر مدرس وبيئة مدرسيه حقيقية , وهذا أدى لوصول طالب همه أن يصل إلى المرحلة الثانوية فقط حتى يستطيع أن يلتحق بالقوات المسلحة ومعظمهم لا تتم الموافقة عليه لان وزنه اقل من المطلوب .
إضافة إلى ذلك فالتعليم لدينا بحاجة إلى إعادة تقييم لأنه يطلب فيه أن يتم تطبيق مناهج وتعليمات وزارة التربية على مدارس المناطق النائية كما هي مطبقة في المدارس الأمريكية أو العالمية أو الإسلامية في عمان , دون حتى أن يتم تأمين أبسط الظروف الملائمة سواء للمعلم أو للطالب أو البيئة المدرسية , واجزم هنا انه لا يمكن أن يناقش في هذا الموضوع أي وزير تربيه سابق أو حالي أو لاحق لأني متيقنة بان هناك قرى ومدارس لم يزرها وزير تربيه على الإطلاق .
وعندما يصل الطالب بشق الأنفس إلى الثانوية ألعامه ويحصل على معدل(70)مثلا وقد يكون هو الوحيد الذي نجح في مدرسته , نجد المنظرين يطالبون بالعدل عند دخول الجامعات – أي عدل هذا – هل يقاس هذا الطالب الذي حصل على هذا المعدل في ظل ظروف البؤس والحرمان والفقر بالطالب الذي حصل على معدل أعلى في المدارس الأمريكية أو العالمية أو غيرها في عما ن أو المحافظات الأخرى , إذا كنا نريد العدل يجب أن نضع جميع الطلاب في نفس المستوى حتى نستطيع أن نقف على حقيقة تحصيلهم العلمي بالتساوي .
وأود أن اذكر قصة على سبيل المثال لا الحصر ,أن طالبة كانت تغيب لأنها لا تملك حذاء تذهب به إلى المدرسة ... نعم هذه هي حقيقة التعليم بل هي جزء من الحقيقة التي تطبق في باديتنا الجنوبية , أقول هذا ليعلم كل من يطالب بالعدل في دخول الجامعات أو يطالب بإلغاء مكرمات الأقل حظا أو غيرها أن يطالب بالعدل أيضا في تساوي فرص الحياة والتعليم قبل ذلك .
أما عند الحديث عن الفقر والبطالة , فليس هناك من ينكر ذلك ولكن أن تعلم عن الشيء أو تقرأ عنه يختلف تماما عن معايشته ومعاناته .
فماذا نتوقع من طلاب عاشوا في البيئة التعليمية التي ذكرت سالفا ... إنه التسرب القهري من المدارس بسبب الظروف الاجتماعية والاقتصادية , فيترك الطالب المدرسة وهو لا يحمل شهادة وعندما يريد العمل يطلب منه المنافسة ... أي أن ينافس شخص أخر يحمل شهادة , ليس لأنه أفضل أو اذكي , بل لان ظروف حياته ومعيشته تختلف , وهذا كله جعل الطموح عند هؤلاء الشباب(أقصد شباب البدو ) هو التنافس فيما بينهم على سائق أو حارس أو آذن أو عسكري في أحسن الظروف إذا تم التغاضي عن نحالة جسمه وهشاشة عظمه .
أما المصانع الموجودة في الجنوب فهي في الموقع فقط للجنوب , وإذا تجاوزنا المصانع لنصل إلى المنطقة ألاقتصاديه الخاصة فهي أيضا باتت عقبه في وجه أبناء البادية لأنهم أصلا غير مؤهلين للعمل بها .
كل ذلك وأكثر حتما قادنا إلى جيل أصبح فاقدا للثقة بنفسه وبوطنه وبمسؤولية , ونتيجة حتمية لذلك ازداد انتشار سرقه السيارات وتعاطي المخدرات ... وحدث بلا حرج .
أما الحكومات ... كل الحكومات بأطقمها المتعاقبة , فلا عتب عليها لأنهم أصلا معظمها جاءت ورحلت بطواقمها أيضا دون أن يقوم احدهم بزيارة للجنوب , حتى إذا أراد أن يذهب إلى العقبة فإنه يركب سيارة حديثه (مكيفه ) زجاجها اسود حتى لا يرى الناس أو يرى ما يكدر خاطره ... فلا عجب أن المسؤولين معظمهم لا يعرف أسماء قرانا في البادية حتى الموجودة على جانبي الطريق الصحراوي , وأجزم هنا أنهم لولا أحداث جامعة الحسين لما سمعوا بالحسينية أو المريغة أو القويرة وغيرها .
وبعد كل ذلك نجد الجميع يهاجم ويشتم العشائرية والجنوب والقرى النائية , وسمى بعضهم أهلها قطاع طرق (ألا ليت من ذكر ذلك قطع لسانه) فقبل أن يتم شتم أناس عاشوا حياة ولا زالوا يصعب على الكثير تحملها ولو لأيام , ودليل ذلك أن المسؤول ما أن يصل حتى يغادر بسرعة لأنه لم يستطيع أن يتعايش مع المكان أو الأهل , فبسرعة يشد رحاله إلى عمان حيث أتى .
حتى مستشارية العشائر والتي يجب أو تكون حاضنه وراعيه للعشائر وشيوخها ورموزها لأنهم كانوا دائما ( محضر خير ) يحلوا القضايا التي تعجز المحاكم عن حلها , هذه ألمستشارية التي قزمت القيادات الحقيقية دون أن تأتي بالبديل , فأصبح لا تأثير لها إلا على أولئك الذين أصبحوا يعتاشون من المبالغ الشهرية التي تقدمها لهم مستشارية العشائر .
هذا هو الحال في الجنوب سواء قبل أحداث جامعة الحسين أو بعدها , فماذا ينتظروا من أناس همشوا وجهلوا سواء بقصد أو عن عجز , وهم يعلموا أنهم وصلوا لمرحله حتى إذا راجعوا فيها مسؤول في عمان و عرضوا حاجتهم سرعان ما يقول عودوا وسوف نتصل بكم ... المهم عودوا من حيث أتيتم , فأصبح حال هؤلاء القوم-إلا من رحم ربي- يصعب على الكافر كما يقال وكأنهم أيتام على أبواب اللئام .
صديقتي ...هذه ومضات من قصص الجنوب الذي أعيش فيه ولا تعرفينه كغيرك من الطبقات المخملية ولكنه غيض من فيض وما خفي صدقيني كان أعظم ...؟؟