09-05-2013 01:49 PM
بقلم : فيصل البقور
انا حر ، لكل منا حريته التي لا يشاركه بها احد ، فلو افترضنا ان لكل شخص دائرة من الحرية يعيش في داخلها ، فأكيد سيكون بجانب دائرته ، دوائر حرية اخرى لأشخاص قد يعرف بعضهم او لا ، لذا فمن يستطيع ان يحدد دائرته جيدا ويضع لها علامات تنتهي عندها افعاله ، سيكون بمعزل عن اي تهديد او تداخل مع غيره .
لذا فكلما كثرت دوائر الحرية تلك كلما عاش الجميع بطريقة سوية دون مشاكل تذكر ، اما اذا تداخلت اكثر من دائرة فقطعا سيؤدي ذلك الى الاختلاف ، فالأصل ان احرس دائرتي من كل ما من شأنه كسرها او التطاول عليها وبالتالي التطاول على صاحب الدائرة والعبث بحريته ، فلو التزم كلٌ بدائرته وجعل بينها وبين غيرها مساحة ولو بسيطة ( كتهوية ) او حرم حرية لرضي الجميع بكل ما لديهم ، لكن مشكلتنا اننا نؤمن بحريتنا اما غيرنا فلا يملك حرية ، لذا فشكل حريتنا بعد ذلك اصبح مشوهاً واحياناَ معوّقاَ ، فالصغير والكبير لو كان الامر بيده لقطع عن غيره الهواء ظنا منه انه يمتلكه .
الى ماذا نسعى وماذا نريد ؟، بعدما شوهنا وجه ديمقراطيتنا ، وفتحنا ابواب حريتنا على الغارب ، فلم يعد هنالك من نخجل منه ، وافقدنا الاحترام لمعظم شخصيات البلد ، ولم نزل نتكلم عن الحرية ، اعتقد ان ما نعيشه ابعد ما يكون عن الحرية واطلق عليها ما شئت الا ان تكون حرية ، فكلنا نشهر السيوف والسنتنا تتطاول بحق او بغير حق ، فقط ما نريده هو الكلام اما الافعال ، فيبدو اننا اجَلنا القيام بها الى ما بعد الموت ، ولنتذكر انه خلال العامين الماضين كم اسقطنا من رموز وهامات عالية دون وجه حق ؟؟؟! مع التأكيد ان الكثيرين قد عاثوا فسادا بنا وبقوت اولادنا ، لكن يبقى الاتهام قاصراً دون دليل .
وقديما قالوا تنتهي حريتك عندما تبدأ حرية الاخرين ، وما نلمسه الان اننا الغينا الاخرين واوهمنا انفسنا اننا نحن الاخرين ، فأصبح الكلام كثير وازلنا سقوف كثيرة كانت تغطينا ، وكسرنا كثيرا من الحواجز التي كانت تحمينا ، واصبحنا بحمد الله غربان ننعق بالخراب ، فالطالب يتعدى على معلمه ، والمريض على من يعالجه ، والناخب على نائبه ، والابن على ابيه والبنت على امها ، والموظف على مديره والوزير على رئيسه ، بمعنى اننا نمارس الحرية بالمقلوب ، ومثل هكذا ذهنية اصبحت حالة عامة بالبلد ، وصارت افواهنا ناقلة للذم واوقفنا حاسة الشم ، واستعضنا عنها فقط بالسمع ، فأما ان تكون صانع لأشاعه او ناقل لها .
ولو اعدنا الحديث قليلا الى الوراء ، والسؤال هو لماذا نضع حول البيت جدار يحيط به ( حوش ) ، اعتقد ان الجواب هو حتى اتحرك حول بيتي ( بحريتي ) فلما لا يكون سور بيتنا عالٍ ونتحرك ضمن حريتنا الممنوحة لنا بنضج دون اسفاف ، فلم يعد هنالك شخص الا وتم رميه باتهامات لها ما لها وعليها ما عليها ، ولم يعد هنالك ايضا منشأة عامة الا وتم العبث بها ، فسوء استخدامنا للحرية تلك جعلنا نهدم كل اهراماتنا وحرقنا كل الحقول وهي خضراء .
حقيقة اننا بحاجة الى الصحو وترك اليقظة ولو قليلا مع اعادة النظر بأولوياتنا بالحياة ، فقبل ان نستعيد ما سرق من الوطن يجب اولا استعادة انفسنا ، وان لا نزاود على الرحيل لمجرد تغيير العتبة ، ( اللي ما له كبير يشتري له كبير ) فلقد حان وقت العمل الناضج ،قبل ان يفقد الكبار الصبر ونرجع بعدها الى جلد الذات حينها لا ينفع الجلد ولا الكي كأخر علاج .
ان قضية عدم الرضا التي نعيشها كل لحظة ، والقاء اللوم على الاخرين واستعمالنا لكلمة ( لو ) كثيرا ، سوف يقودنا الى دهاليز وانفاق نسير بها محاولين الخروج دون دليل ، الامر الذي سيؤدي بنا الى التدافع على بوابات الدهاليز للخروج الى الحياة ، واذا ما خرجنا بسلام ( وانا اشك ) فأننا بعد خروجنا سنكون في العراء وتحت وطأة الشمس الحارقة ، مما سيؤثر على قدرتنا على الرؤية الواضحة ، مما قد يؤدي بنا الى الهاوية .
فلنترفق بحالنا قليلا ونمسك بقوة على ترابنا وقطرات الندى الوطني قبل ان نفقد القدرة على الثبات.