15-05-2013 02:30 PM
سرايا - سرايا - توقع الزعيم الشيعى الكويتى «المبعد» الدكتور ياسر الحبيب، أن يصبح الشيعة فى مصر أكثرية قريباً، وقال فى حوار شامل وصادم مع «الوطن»، إن الحسينيات الشيعية سوف تنتشر فى أنحاء مصر ولو بالقوة.
ودافع «الحبيب» عن عقيدة الشيعة بالأحاديث النبوية، واعتبرها «أصل الإسلام»، زاعماً أن الرسول محمداً صلى الله عليه وسلم هو مؤسس التشيع الأول، وجدد تمسكه بانتقاد بعض الصحابة وزوجات النبى، وعلى رأسهم أبوبكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان، رضى الله عنهم، والسيدة عائشة والسيدة حفصة، وهما ابنتا «أبوبكر» و«عمر». كما شن المرجع الشيعى هجوماً على النظام الحاكم فى إيران، وقال إنه يجند عدداً من مشايخ الأزهر والصوفية والإعلاميين، مشيراً إلى أن الشيخ يوسف القرضاوى كان أحدهم، لكنه انقلب على النظام الإيرانى. ووصف ياسر الحبيب نظامَ الرئيس محمد مرسى بأنه «أكثر فشلاً وسوءاً من نظام مبارك»، وقال إن الإخوان جماعة ثعلبية، ليس لها دين، كما قال أمير الشعراء أحمد شوقى. و«الوطن» إذ تنشر نص الحوار مع الزعيم الشيعى، تؤكد احترامها لكل المذاهب الإسلامية والأديان السماوية، وترفض أية إساءات أو انتقاص من قدر أى من صحابة الرسول الكريم وزوجاته الكرام.. إلى النص:
■ ما التشيع؟ وهل هو مذهب متفرع عن الإسلام أم هو الإسلام نفسه؟
- التشيع هو الإسلام الأصيل، الذى أرسى أصوله ودعائمه رسول الله صلى الله عليه وآله حين حدّد المرجعية من بعده بالكتاب والعترة وجعلهما خليفتيْن من بعده، كما ورد متواتراً فى الأحاديث، ومنها ما رواه أحمد بن حنبل وأقرّ الألبانى بصحته عن زيد بن ثابت قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إنى تارك فيكم خليفتين: كتاب الله حبل ممدود ما بين السماء والأرض؛ وعترتى أهل بيتى، وإنهما لن يتفرّقا حتى يردا علىَّ الحوض».
وليس الشيعة سوى أولئك الذين التزموا بما أمر به رسول الله صلى الله عليه وآله من الانقياد للكتاب والعترة، ورفضوا ما سواهما، سواءً كان الإسرائيليات التى زاحمت الكتاب، أو الحكام والسلاطين الذين زاحموا العترة وأعلنوا أنفسهم خلفاء باطلاً.
فكل ما عدا هذين مرفوض عند الشيعة لأن النبى صلى الله عليه وآله لم يستخلف غيرهما، وهذا ما يميّز الشيعة عن الطوائف الأخرى المنتسبة إلى الإسلام، التى قبلت تلك الإسرائيليات وقبلت أولئك الحكام فضاع دينها وتلوّث وابتعد عن الأصالة النبوية والشرعية الإسلامية.
وقد دفع الشيعة -وما زالوا- الثمن باهظاً من أرواحهم ودمائهم وحرياتهم بسبب التزامهم المبدئى هذا، وهم مستعدون لدفع المزيد.
والتشيع نشأ فى حياة رسول الله صلى الله عليه وآله بأمر وتوجيه منه، فإنه حرصاً منه على أن لا يضل المسلمون؛ أمرهم بمشايعة -أى اتباع- ولى عهده ووصيه الشرعى الإمام أمير المؤمنين على بن أبى طالب عليهما الصلاة والسلام، وضمن الجنة لمن يلتزم بذلك. وتشهد بهذه الحقيقة الأحاديث والآثار التى رويناها ورواها مخالفونا على السواء، الناطقة باسم التشيع والشيعة فى صدر الإسلام، فمن تلك التى من طرفنا ما أرويه بسندى المعتبر عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: «الجنة محرمة على الأنبياء حتى أدخلها، ومحرمة على الأمم كلها حتى تدخلها شيعتنا أهل البيت».
ومن المخالفين روى «الطبرانى» فى «المعجم الأوسط» عن أبى هريرة حديثاً عن النبى صلى الله عليه وآله قال فيه مخاطباً لـ«على» عليه السلام: «إنى وأنت والحسن والحسين وفاطمة وعقيل وجعفر فى الجنة، إخواناً على سرر متقابلين، وأنت معى وشيعتك فى الجنة». إلى غيرها من الأحاديث المستفيضة التى تذكر لفظة «الشيعة» فى شتى المصادر لدى مختلف الفرق، وتدل هذه الأحاديث دلالة واضحة على أن المؤسس الأول الحقيقى للتشيع هو خاتم المرسلين صلى الله عليه وآله.
■ بعض المخالفين للشيعة يقولون إن مؤسس التشيع شخص يهودى متآمر على الإسلام يُدعى عبدالله بن سبأ؟
- دعوى أن التشيع صنيعة رجل يهودى يُدعى عبدالله بن سبأ أو ابن السوداء، ما هى إلا أضحوكة على طريقة «رمتنى بدائها وانسلّت» روّجها خصوم التشيع لخداع السذج وصرفهم عن الالتفات إلى حقيقة أن غير الشيعة هم الذين أخذوا من اليهود كثيراً من عقائدهم وأحكامهم. ففى الوقت الذى يعترف به مخالفونا بالوجود الحقيقى لشخصية كعب الأحبار اليهودى أستاذ عبدالله بن عباس وعبدالله بن عمرو بن العاص وأبى هريرة وغيرهم ممن تعتبرهم الطائفة المخالفة سلفاً صالحاً لها؛ ليس لمن سُمى بعبد الله بن سبأ أو ابن السوداء وجود حقيقى بتلك الصورة الأسطورية، فروايات هذا الموضوع منقولة عن الكذابين المشهورين بمعاداة التشيع، وليس فيها ما يرقى إلى الصحيح أو المعتبَر، بل هى شخصية اختلقها الحاقدون على التشيّع محاولة منهم لإحلال شخصية يهودية أسطورية محل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فى تكوين التشيع وبذر بذرته، وقد اعترف بذلك المنصفون كالأستاذ طه حسين فى كتابه «الفتنة الكبرى» فقال ما نصه: «وأقل ما يدل عليه إعراض المؤرخين عن السبئية وعن ابن السوداء فى حرب صفين أن أمر السبئية وابن السوداء كان أمراً متكلفاً منحولاً قد اخترع حين كان الجدال بين الشيعة وغيرهم من الفرق الإسلامية على أشده وأراد خصوم الشيعة أن يدخلوا فى أصول هذا المذهب عنصراً يهودياً إمعاناً فى الكيد لهم والنيل منهم، ولو كان أمر ابن السوداء مستنداً إلى أساس من الحق والتاريخ الصحيح لكان من الطبيعى أن يظهر أثره وكيده فى هذه الحرب المعقدة المعضلة التى كانت بصفين، ولا كان له أثر فى أمر الخوارج».
■ وما مدى صحة ادعاء البعض بأن التشيع صناعة قومية فارسية؟
- هذه أيضاً أكثر سخرية من الأولى، فالفرس كانوا إلى أكثر من ألف سنة من تاريخ الإسلام من أتباع أبى بكر وعمر، ولم تكد تجد فيهم من أتباع أهل البيت عليهم السلام إلا القليل، ذلك لأن الحواضر الشيعية كانت أساساً فى البلاد العربية، كالحجاز، والبحرين، والكوفة، واليمن، وجبل عامل، ثم بعد ذلك دخل هؤلاء الشيعة العرب بلاد العجم بهدف نشر التشيع هناك، فتشيّعت إحدى الأسر الشافعية وهى أسرة صفى الدين الأردبيلى الشافعى، التى ينحدر منها أول حاكم شيعى لإيران وهو الشاه إسماعيل الصفوى، فكيف صار التشيع صناعة قومية فارسية؟
إن تشيع الفرس حديث قياساً بتشيع العرب، فالعرب سبقوهم بالتشيع نحواً من ألف عام، وإنك لو نظرت إلى أسماء علماء المذاهب، لوجدت أن مخالفى الشيعة فيهم من العلماء العجم ما هو أضعاف ما فى الشيعة، فبعد هذا يُقال إن التشيع صناعة قومية فارسية؟! إن «البخارى» مثلاً عجمى ذو أصل مجوسى، فلماذا لا يُقال إن ما يسمى «التسنن» صناعة قومية فارسية خلال ألف عام؟! لم يمضِ على التشيع فى بلاد العجم سوى أقل من خمسمائة عام.
■ ما موقف المسلمين الشيعة من أصحاب النبى وزوجاته؟ هل يحترمون جميعهم أم يتبرأون من جميعهم أم يميزون بينهم؟
- الشيعة يميّزون بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وأزواجه، فيحترمون من يستحق الاحترام، ممن لم يحدث ما يخرجه عن حد الإيمان أو العدالة ويبعده عن الجنة، ويذمون من يستحق الذم ممن أحدث. هذا هو المعيار عند الشيعة، وهو معيار شرعى، أخلاقى، علمى، فليس أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله سواء، بل قد لا يصح أن نطلق وصف الصحبة على الذى أحدث أو ابتدع أو خان أو أجرم منهم، فإنما الصاحب الحقيقى لرسول الله صلى الله عليه وآله هو الذى يدخل معه الجنة.
كان «سلمان» رضوان الله تعالى عليه من أجلّ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله، وهو المشهود له بأنه من أهل البيت، والذى يجمع المسلمون جميعاً على اختلاف طوائفهم أنه من أهل الجنة، ومع ذلك؛ تجده حين جاءه الأشعث وجرير بن عبدالله -كما روى «الذهبى» فى «سير أعلام النبلاء»- وسألاه: «أنت صاحب رسول الله»؟ يجيب: «لا أدرى»! فيرتاب الرجلان، فيقول «سلمان»: «إنما صاحبه من دخل معه الجنة»، فما أروعها من كلمة قالها «سلمان»، لو أدركها المسلمون اليوم لعلموا أن الحق مع الشيعة. والذى يمكننا من التمييز بين هؤلاء هو النظر فى أعمالهم، وما نطق القرآن والحديث فيهم، فعلى سبيل المثال، القرآن الحكيم قد نطق فى سورة «التحريم» بإدانة عائشة وحفصة من فوق سبع سماوات، وذلك بإجماع المسلمين، وذلك قوله تعالى: «إِن تَتُوبَا إِلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا» والصغو من صفات الذين لا يؤمنون بالآخرة لقوله تعالى: «وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ»، ولم ينزل قرآن بعدئذ يفيد بتوبة الله تعالى على عائشة وحفصة، أو أنهما رجعتا إلى الإيمان بعد ثبوت صغو قلوبهما عنه، فلذا يستبقى الشيعة الأصل، ويعلنون البراءة من هاتين المرأتين، وإن كانتا زوجتين لسيد الخلق صلى الله عليه وآله، فإن ذلك لا يعصمهما من دخول النار، وعلى هذا المثال فَقِس.
■ ما رأيكم فى لعن وتسقيط رموز أهل السنة المختلف عليها بينهم وبين الشيعة؟ وما موقفكم من الفتوى الشهيرة لأحد رجال الشيعة المعاصرين بتحريم النيل من رموز أهل السنة مطلقاً؟
- الشخصيات المختلف عليها تاريخياً ليست أصلاً من أصول الدين ولا فروعه ولا ضرورياته، فالاجتهاد فى تقييمها وإبداء النظر فيها مفتوح، وإذا كان من حق من يعتقد بصلاحها أن يعبّر عن احترامه لها بملء فمه؛ فمن حق المسلمين الشيعة التنديد بها إذا اختلف تقييمهم لها ورأوها شخصيات قد أجرمت فى حق الإسلام أو فى حق سيد الأنام وعترته الطاهرة صلوات الله عليهم، ويبقى الفيصل هو للنقاش العلمى والجدال بالتى هى أحسن، فحكم الإسلام يتسع للجميع، ولا موجب لأن يجبر أحد أحداً على النزول على تقييمه الشخصى لتلك الشخصيات الغابرة، كما لا داعى لتكميم الأفواه ومصادرة حريات الناس فى التعبير أو تهديدهم بالقتل والسجن ونحو ذلك مما ولّى زمنه.
إن إعادة قراءة التاريخ وإعادة تقييم شخصياته أمر فيه صلاح هذه الأمة وتصحيح اعوجاجها، أما غلق هذا الباب بحجة عدم إثارة الحساسيات الطائفية فهو الذى يزيد ضراوتها ويترتّب عليه ضياع هذه الأمة أكثر مما هى ضائعة الآن، لذا فموقف المسلمين الشيعة هو الإصرار على إبقاء هذا الباب مفتوحاً على مصراعيه. أما عن الفتوى المشار إليها فنحن لا نعلم فتوى من أحد سوى من على خامنئى حاكم إيران، وفتواه لا قيمة لها فى أوساطنا.
■ ما رأيكم فى محاولات التقريب بين عقيدة المسلمين الشيعة وعقيدة المسلمين السنة، وهل هذا التقريب ضرورة لتحقيق التعايش بين الطائفتين؟
- نحن لا شك مع التقريب، وذلك يكون بمناقشة المسائل الخلافية للوصول إلى كلمة سواء، فإن لم نصِل كفانا الاتفاق على التعايش المشترك والتنمية المشتركة لمجتمعاتنا الإسلامية، وفسح هامش للاختلاف العقدى والفكرى فى ما بيننا بحيث لا يؤثر سلباً على هذا التعايش وهذه التنمية.
لكن الذى نراه الآن تحت اسم التقريب لا يمت له بصلة، فما هى سوى مؤتمرات مسرحية يجتمع فيها المجتمعون أمام الكاميرات ليجترّوا الكلام المعهود ذاته من قبيل: «ديننا واحد، إلهنا واحد، نبينا واحد، كتابنا واحد، قبلتنا واحدة.. إلخ» ثم يتعانق المجتمعون ويقبّل بعضهم بعضاً وينفضّ الجمع ويولّون الدبر دون مناقشة قضية خلافية واحدة! فلم نسمع مثلاً أن مؤتمراً تقريبياً جاء وناقش المسألة التالية: «أيهما أصح؟ نظرة الشيعة لأبى بكر وعمر وعائشة أم نظرة مخالفيهم»؟ فهذه هى المسألة الخلافية التى تحتاج إلى تقريب فى وجهات النظر المختلفة. وإن لم يجسروا على ذلك فليناقشوا مثلاً هذه المسألة: «هل يسع الإسلام من يرفض هذه الشخصيات أم لا بد من قتله وتصفية وجوده، وهل يمكن التعايش فى ما بيننا مع إعذار بعضنا بعضاً»؟! هكذا يكون التقريب الحقيقى، بأن نناقش هذه المسائل الخلافية التى تعصف بنا، لا أن نجتمع ونجامل بعضنا بعضاً ثم نعود أدراجنا بلا تحقيق أى تقدم لوقف الصدامات التى تقع فى خارج تلك القاعات، وإذا انعقد مثل هذا المؤتمر التقريبى الجدى فى القاهرة، فإننا سنكون أول الحاضرين إن شاء الله تعالى. والنظام الإيرانى يعانى من اضطرابات داخلية ومواجهات خارجية تقتضى منه أن يلعب لعبة التأثير على الرأى العام الإقليمى والعالمى لإنقاذ نفسه فى الأزمات، لذا فهو يعمد إلى دفع المبالغ الطائلة وإغداقها على مثل بعض مشايخ الأزهر ومشايخ الصوفية والمقرئين والكتاب والإعلاميين لكسب هذا التأييد باسم التقريب والوحدة، حتى إذا وقعت إيران فى حرب أو اشتد عليها الحصار والتهديد، وقفوا معها وجيّروا شعوبهم لهذا الموقف.
■ ما معنى التقية؟ وإلى ماذا يستند هذا التشريع؟ وهل ما زال لها حاجة فى عصرنا هذا؟
- التقية هى أن تتقى الضرر بإظهار ما يدفع عن نفسك القتل أو ما أشبه من أضرار اضطراراً، وذلك يكون فى الحالات الحرجة، والتقية متأصلة فى القرآن الحكيم، وذلك قوله سبحانه: «لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّـهِ فِى شَىءٍ إِلَّا أَن تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّـهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّـهِ الْمَصِيرُ» وقوله تعالى: «مَن كَفَرَ بِاللهِ مِن بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِن منْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللَّـهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ».
وليست «التقية» حكماً يختص به الشيعة كما قد يظنه الجهلة، بل هو حكم يشترك فيه معهم الآخرون، وقد مارسه علماؤهم أيضاً صراحة، فمثلاً يتحدث «الشوكانى» فى كتابه «نيل الأوطار جـ9 ص442» عن قصة قيام معاوية بن أبى سفيان باستلحاق زياد بن أبيه وتسميته بزياد بن أبى سفيان لأن أباه أبا سفيان قد زنى بأمه «سمية» فى الجاهلية فأولدها إياه، مخالفاً بذلك حكم رسول الله صلى الله عليه وآله: «الولد للفراش وللعاهر الحجر». وعليه، فإذا كانت «التقية» قد مارسها علماء المخالفين منذ ذلك التاريخ، فلماذا يشنّع بها على الشيعة وحدهم حين يضطرون إليها لحفظ أرواحهم ودمائهم وأعراضهم؟! ماذا تتوقع من الشيعى إذا سُلَّ السيف على رقبته وقيل له: «إما أن تحترم عائشة أو لنقتلنّك»؟ ألا تراه معذوراً حينئذ إذا اضطر إلى احترامها تقية وصوناً لدمه؟ على أن للتقية عند الشيعة شروطاً، منها ألا تؤدى إلى الفساد فى الدين، وألا تتسبب فى محق الحق وتقوية الباطل، وألا تؤدى إلى إزهاق دم آخر، إلى غيرها من الشروط.
■ ما زواج المتعة؟ وهل له أحكام وضوابط كالعدة مثلاً؟ ومن الذى شرعه؟ ولماذا يرفضه أهل السنة؟
- زواج المتعة هو الزواج المؤقت المحدد بأجل ينقضى بانقضائه، وقد أحلّه رسول الله صلى الله عليه وآله ومارسه «الصحابة والصحابيات» بإجماع المسلمين، وهذا ثابت فى «البخارى» و«مسلم». روى «البخارى» فى «باب ما يكره من التبتّل والخصاء» من «كتاب النكاح» وروى «مسلم» فى «باب نكاح المتعة» من «كتاب النكاح» عن عبدالله قال: «كنا نغزو مع النبى صلى الله عليه وسلم وليس معنا نساء، فقلنا: ألا نختصى؟ فنهانا عن ذلك، فرخّص لنا بعد ذلك أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل، ثم قرأ علينا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّـهُ لَكُمْ»، وهذا الحديث يثبت أن نكاح المتعة إنما هو من الطيبات، فليس هو زنا كما يقوله من لا يخافون الله تعالى. وفى «صحيح مسلم» بسنده عن جابر بن عبدالله قال: «كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق الأيام على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبى بكر، حتى نهى عنه عمر فى شأن عمرو بن حريث»، وهذا الحديث يثبت أن «الصحابة والصحابيات» كانوا يتمتعون بهذا النكاح لبضعة أيام، ويجعلون المهر زهيداً حتى إنه لم يكن يتجاوز قبضة من تمر أو دقيق، وكان إلى زمان حكومة أبى بكر بن أبى قحافة، ثم نهى عنه «عمر» فى قضية خاصة تتعلق بعمرو بن حريث، وهنا وقع الخلاف بيننا وبين مخالفينا، وليس لـ«عمر» ولا لغيره الحق فى تحريم ما أحلّه الله ورسوله صلى الله عليه وآله، فإن قيل: إن هذا الحكم قد نُسخ. قلنا: لم يثبت ذلك، فإجماع أهل البيت عليهم السلام أنه باقٍ ولم يُنسخ.
ومن أبرز من أفتوا بجواز زواج المتعة وزير الأوقاف المصرى الأسبق الشيخ أحمد حسن الباقورى أحد كبار علماء الأزهر وأستاذ أجيال من علمائه، والمرشد الأسبق لما يسمى «حركة الإخوان المسلمين»، فقد قال فى كتابه «مع القرآن» ص179 ما نصّه: «وبهذا النظر تخيّرنا القول بإباحة هذا النوع من الزواج، وارتأينا ما يراه فقهاء أهل البيت من مشروعيته مشروعية دائمة غير منسوخة؛ فإنهم فى هذا -رضى الله عنهم- كانوا من سعة الأفق وبعد النظر، بحيث لا يملك المسلم المنصف إلا أن يسلك طريقهم، ويأخذ برأيهم إيثاراً للحق، وابتغاء لصالح المسلمين».
إن هذا الزواج يحلّ مشكلة اجتماعية كبيرة، خاصة بالنسبة للأرامل والمطلقات اللاتى لا يجدن زوجاً دائماً، وقد شرع الله سبحانه هذا الزواج لأجل القضاء على الانحراف، فلا تلجأ تلك النسوة للبغاء، كما لا يلجأ الرجال للزنا.