01-06-2013 09:32 AM
بقلم : جرير خلف
استطاعت الثورة السورية كشف عورات كثيرة في المجموع العام من الدول وفرض معطيات جديدة على على العالم، حيث جاءت هذه الثورة بانجازات كييرة ربما لم تظهر بالشكل الواضح أو النهائي هذه الأيام انتظارا للسقوط الحتمي الكامل للنظام الذي سيفرض واقعا جديدا لم نتوقعه يوما ما من حيث النتائج الإيجابية المفترضة للوطن العربي بمجموعه العام حيث ستزول حالتا الإستقواء والإستغباء التي كانتا مفروضتين بحكم الخوف الدائم من الفزاعة الإيرانية وصبياتها في المنطقة .. فالجميع الآن ينتظر سقوط الاسد لإسقاط العلاقات والسياسات المشوهة وكذلك لإسقاط وسحب (السيفون) على القوى الشيطانية المحسوبة على النظامين الإيراني والسوري في المنطقة ولإعادة تقييم الأصدقاء والأعداء والتفرغ لقراءة المصالح والمطالب الشعبية والوطنية ..
لا نستطيع ان ننظر الى أثر النظام السوري على الوطن العربي بمعزل عن وزن التغلغل والتغول الإيراني على المنطقة حيث بات الجميع مقتنعا بأن المعركة القائمة الآن هي معركة النقاهة والشفاء العربي مع (كب البلاء) الإيراني والكتل الطائفية والأثنية الجائلة في مناطقنا.. فالوقائع على الأرض اثبتت انه لولا الثورة السورية التي فضحت كل شيء لتراوح مستقبلنا بين الشهداء وبين الصبيان التي تحمل المناشف انتظارا للمهدي الخارج من السرداب الفارسي.
ولكن النجاحات التي استطاع ثوار سوريا صنعها استطاعت ان تزيل الغشاوة التي كانت على أعين البسطاء منا، فالكل اصبح يدرك الآن ان النظام السوري الحالي ما هو إلا رجل طاولة تقبع عليها البسطة الإيرانية وسقوطه القادم سيعني بالضرورة سقوط المشروع الفارسي تباعا بعد سقوط الأرجل العراقية واللبنانية التي لن تتحمل وحدها دون نظام بشار الاسد تحت ثقل البرتوكلات الإيرانية التي وضعت عليها.
معظنا أدرك ان ورقة التوت (المقاومة والممانعة) ساقطة اساسا عن كلا من المشروع الفارسي بصبيانه والنظام السوري بعد تراكم الأثباتات التي فضحت عدم إكتراث المعسكر الايراني والسوري بصنع حالة عداء مع الكيان الصهيوني.. بل يجزم الجميع بأن هناك مصالح مشتركة ودائمة الصيانة بينهما، مما جعل الجميع يظن ان سبب هذا الأرتباط القوي بين النظام السوري وبين المشروع الإيراني هو الأرتباط العقائدي حيث اوجد هذا الأرتباط دعما خرافيا لنظام الاسد .. ولكن هنا العقدة.. فالنظام السوري (كافر ومرتد بنصيريته) حسب العقيدة الأثنى عشرية القائم عليها النظام الإيراني وحلفائه في العراق ولبنان وصعدة في اليمن.. وهذا ما كان مثبت في فتاوي الشيعة بأجماع علمائهم حتى العام 1974 .. ليتغير هذا التكفير بموقف علمائي سياسي بعد اجتماع الشيرازي وموسى الصدر بمشايخ العلويين في سوريا حيث تم اعطاء صك البراءة (المؤقت) واعتماد النصيرية امتدادا للجعفرية.
هذا الصك الذي كان بعد الاجتماع الذي تم في عام 1974 لم يضف او يختصر شيئا أو يعدل من اركان الديانة النصيرية وكذلك من الأثني عشرية، حيث قامت النصيرية قديما ارتدادا عن الأُثني عشرية واختلفت معها في كل شيء وحتى طبيعة سيدنا علي (كرم الله وجهه) حيث اعتبرته النصيرية هو تجسيد لله ضمن ثالوث يسمى (ع. م.س) وهو (علي :معنى الله ،وسيدنا محمد: هو اسم الله وسلمان الفارسي: هو بوابته) في حين يعتبر الشيعة سيدنا علي (كرم الله وجهه) أماما معصوما له قدسية مطلقة ويملك خصائص لا يملكها سيدنا محمد (عليه الصلاة والسلام) احيانا حسب ادبيات الأثني عشرية .. كل ذلك التناقض والتناحر والاختلاف الدائم بين الديانة النصيرية والديانة الأثني عشرية لم تمنع من التنسيق السياسي والعملياتي بين الطرفين استهدافا لمن سيقف في وجه مشاريعهم المشبوهه..
ورجوعا للسبب الفعلي لهذا الاتفاق نجد ان الشيعة وبواسطة موسى الصدر والشيرازي وجدوا الفرصة المناسبة لتقوية الهيكل الرئيسي لمشروعهم الطائفي بسبب صعود نجم حافظ الاسد بعد استلامه الحكم وتجذير حكمه بأبناء طائفته وحاجته لمجموع الأقليات الأخرى في سوريا ولبنان للحفاظ على عرشه بين أغلبية مسلمة لا ينتمي فعليا لها، مما دفع مشايخ الشيعة في المنطقة ألى استعمال حصان طروادة (نظام الأسد بشقيه ألأب والأبن) واحتواءهم مع المقدرات التي تحت سلطتهم، وساعد في ذلك قدرة أئمة شيعة هذا الزمان على إباحة المحرم وتحريم المحلل من خلال التقية التي وجدوها ركنا هاما في عقيدتهم ولخدمة مشروعهم.. في حين ان شيوخ الديانة النصيرية وقادتها بمن فيهم حافظ الاسد ولاحقا بشار لم يملكوا في حينها أية مقومات او مقاومات لتجعلهم يصمدوا أمام المغريات المقدمة واكتفوا بممارسة صراع البقاء في السلطة لا اكثر وباستخدام أي شيء وحتى الشياطين لو لزم الأمر.
فكلا النظامين رأى في شقه الآخر وسيلة أو شريك متعة لا اكثر، ففي حين قام النظام السوري بالتمتع بالدعم المالي والعسكري من قبل إيران للمحافظة على عرشة كانت ايران تعمل على توريطه وابتزازه الدائم للبقاء ضمن الحلقة الخادمة للمشروع حيث استمروا في استغلال جميع المقدرات الجغرافية واللوجستيه لسوريا مما ادى بالنظام السوري للعمل على غسيل مستمر للعمليات والمخرجات القذرة للمشروع الإيراني.. وفرغ بالتالي من أية مبادئ او مشاريع وطنية مستقلة أو قومية بالرغم من المتاجرة الدائمة بالعروبة والمقاومة ..
لقد كان نظام الاسد اقرب للعشوائية المرحلية من العقائدية مما جعله يرقص على جميع الألحان المتوفرة له مستخدما طائفته للمنفعة المتبادلة وللحماية الشخصية .. تاركا للمشروع الإيراني حرية العبث في سوريا وشعبها.. ففي عهد الاسد الابن تم دعم (علماء) الشيعة القادمين من إيران والعراق ولبنان لتشييع قرى بأكمله في الشرق السوري والجنوب باستخدام النظام السوري لاسلوب الإفقار والتجويع ليقابله المعممين بالدعم المالي لهؤلاء البسطاء لاحقا.. حيث استطاعوا في البداية تشييع اكثر من مائة وخمسين الفا من مواطني سوريا الفقراء مع ضمان عدم اقتراب هؤلاء المعممين من طائفة رأٍس النظام.
أن البرغماتية المحضة لوحدها من جمع الفريقين، ففي حين كان شبق إيران بإنشاء الأمبرطورية الفارسية هو المحرك للنظام الإيراني لاستغلال سوريا وأبناء الطائفة الشيعية في الوطن العربي مستخدمة العقيدة الإثني عشرية وقودا وغولا عليهم.. وكان وهم العرش الدائم لعائلة (الأسد) باستخدام الطائفة كضامن وحارس له هو المحرك له باتجاه إيران.. وهذه البرغماتية السوداء سمحت لهم حتما بالتعاطي مع (إسرائيل) والغرب بمسرحية شاركهم بها دهاة الكيان الصهيوني حيث اتفق الطرفان على الصراخ المتبادل بينهم ليس اكثر .
جرير خلف