01-06-2008 04:00 PM
لماذا لم يشكل البرلمان قاعدة معيارية للتشكيل السياسي والقيادي والاجتماعي في الأردن كما يحدث في معظم الدول المتقدمة والنامية أيضا؟ فهناك نحو 250 شخصية على الأقل شاركت في مجلس النواب منذ عام 1989، ولكن الأمثلة على صعودهم في الحياة السياسية والتأثير وتشكيل وقيادة وتسيير الأحزاب السياسية يبدو قليلا، وما يمكن الرد به على هذه المقولة من الشخصيات السياسية التي ظهرت وتقدمت من خلال البرلمان تدل على صحة المقولة وليس خطأها، لأن القلة أو الندرة تدل على صحة المقولة وليس نفيها. فإذا كانت نسبة الفشل بعامة في جميع المجالات تدور حول 25% فيجب أن يكون في الأردن اليوم مئات الشخصيات، سياسية وعامة مؤهلة وقادرة على تشكيل الحكومات والأحزاب السياسية والبرامج السياسية والاقتصادية، وتشكل نواة لحياة سياسية ذات حراك نشط في الانتخابات وتشكيل الحكومات والتنافس بين البرامج والكتل والبرامج. ولكن المتابع للشأن السياسي اليوم لا يستطيع أن يعرض سوى عدد محدود من الشخصيات السياسية التي صعدت إلى واجهة التأثير بواسطة الانتخابات النيابية، أو يمكنها أن تقود عملية سياسية تدافع بها عن السياسات والمواقف الحكومية أو المعارضة لها، وتتقدم بها إلى المواطنين. والحكومات والأحزاب والبرامج ما زالت غير واضحة التركيب والهوية والاتجاه، ويكاد المواطنون -حتى المتابعين والنشطين في السياسة والإعلام- لا يعرفون ولا يتذكرون أسماء الوزراء ورؤساء الأحزاب وقادتها وأمناء ومدراء المؤسسات والوزارات، فكيف عجزت تجربة سياسية وديمقراطية طويلة عن تقديم الشخصيات والقيادات والبرامج؟ ولماذا لا يزال كثير من الوزراء والنواب والقادة السياسيين وكبار الموظفين أقرب لأن يكونوا مجهولين وغير مقنعين وربما فاشلين؟ وفي مرحلة الخصخصة الشاملة التي دخل البلد فيها منذ أكثر من عقد من الزمان -وكان يسبقها ابتداء تجربة طويلة وراسخة في مشاركة القطاع الخاص إذ لم يكن الأردن قبل التسعينيات بلدا اشتراكيا أو تأميميا- يفترض أن يتحول القطاع الخاص إلى شريك في الحكم والمسؤولية الاجتماعية. وهذا ليس بدعا من الأفكار والدعوات، ولكنه مطبق في مراكز التجربة والرؤية القائمة على اقتصاد السوق، وقد بدأ يسند بالفعل -كما هو في الحكومة الحالية والحكومات السابقة- عدد كبير من المقاعد الوزارية والوظائف العليا إلى قادمين من القطاع الخاص. ولكن تجربة الخصخصة لم تنشئ دورا اجتماعيا للقطاع الخاص، ولم تقدم الشركات والأعمال والاستثمارات القائمة في البلد إلى الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية رصيدا جديدا ودماء جديدة من النواب وقادة الأحزاب ومصادر إضافية لتمويل العمل السياسي والحزبي والاجتماعي والعمل التنموي. والأمثلة على الدور الاجتماعي للقطاع الخاص والصعود السياسي والنجاح الانتخابي لرجال أعمال تعد على أصابع اليد. وعلى عكس تجربة معظم بلدان العالم فإن التجربة الوزارية والسياسية للشخصيات السياسية لا تشكل -إلا في حالات قليلة- مدخلا للانتخابات النيابية. فأغلب الوزراء والمسؤولين لا يتقدمون للانتخابات، وأغلب الذين يتقدمون لا ينجحون، وفي الوقت نفسه فإن هذا الجهاز الضخم من الوزراء والنواب والأعيان وكبار الموظفين والمستشارين وقادة الجامعات وأساتذتها من العاملين في القطاع الحكومي أو المؤيدين للحكومة لا تجمعهم مؤسسة سياسية أو حزبية. وتتشكل الأحزاب السياسية الوسطية المؤيدة للحكومة من مجموعة قليلة من هذه الفئة، وتكاد تكون عاجزة عن خوض الحياة السياسية واكتساب ثقة الناخبين وتقديم رؤية سياسية لبرامج الحكومة ومواقفها. وكما أن التقدم السياسي والاقتصادي لا يغني العمل النيابي فإن العكس لا يحدث أيضا، فلا يؤدي النجاح الانتخابي إلى تقدم سياسي، ولا يستقطب جهاز الدولة والمجتمع إلى قيادته إلا عددا قليلا من النواب السابقين والحاليين أو قادة النقابات والبلديات. لقد أوصل مجلس النواب الحالي إلى واجهة العمل السياسي والتشريعي نحو سبعين شخصا على الأقل من الشباب العصاميين الذين لم يعتمدوا في نجاحهم على دعم سياسي ومالي، ولكنهم استطاعوا بناء قواعد من الناخبين قائمة على تجربتهم المهنية، وأقنعوا الناخبين بمؤهلاتهم الذاتية والعلمية. وهذا إنجاز كبير يحسب للبرلمان والانتخابات النيابية، ولكنه إنجاز لم تستثمره الدولة والأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص في تشكيل حراك سياسي واجتماعي وثقافي وتنموي. الحياة السياسية الأردنية تواجه سؤالا قد يبدو مستغربا أو غير مفهوم لغير الأردنيين: لماذا لا تشكل "السلطة التنفيذية" حزبا سياسيا من مؤيديها وأنصارها أو من يمكن استقطابهم من المعارضة السياسية قائما على الوزراء والأعيان والنواب والنقباء المهنيين والعماليين ورؤساء البلديات والمهنيين وأساتذة الجامعات والمثقفين وكبار الموظفين؟ وما الذي يضطرها (السلطة التنفيذية) للاعتماد على مجموعة محدودة من الأشخاص يعاني عدد كبير منهم من العزلة والضحالة وعدم قدرتهم على تسويق أنفسهم في المجتمع والرأي العام، وهي قادرة على حشد الآلاف من أصحاب الكفاءات العالية والمتقدمة ومن المقنعين للناخب والمواطن، والقادرين على تشكيل حركة سياسية قادرة على التأثير في البرلمان والنقابات، وقادرة أيضا على ترسيخ وتسويق السياسات والمواقف الحكومية؟ ويعمل في الظل اليوم بعيدا عن السياسة والمشورة والتنظير والتخطيط في العمل الحكومي عدد كبير من المفكرين والأكاديميين والمسؤولين السابقين والنواب والشخصيات العامة والمهنية، وهم ليسوا من المعارضة، ومستعدون للمشاركة بكل ما يمكنهم لإنجاح السياسات والبرامج التي تتبناها الحكومات وتطويرها وإصلاحها على النحو الذي يتمناه المسؤولون في الحكومة والدولة. ثمة شعور سائد ومهيمن بأن كعكة السلطة لا تكفي، ولكن الحقيقة أنها أكبر بكثير من المشاركين فيها، وأنهم قد يغصون بها، وقد يعجزون عن حملها ويضطرون لتركها دون قدرة على هضمها أو حملها أو احتكارها. وأما الحقيقة الأكثر أهمية فهي أن موارد السلطة والمجتمع يمكن أن تتسع وتتضاعف بهذه المشاركة وأن احتكارها سيجعلها تتضاءل حتى تعجز عن تقديم الحد الأدنى. وصفي فوزي حتاملة متخصص في العلاقات الدولية
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
01-06-2008 04:00 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |