04-06-2013 11:47 AM
بقلم : أحمد محمود سعيد
حروب الرّدّة (632م. – 634م.) هي الحروب التي حدثت بعد وفاة الرسول محمد عليه افضل الصلاة والسلام بسبب ارتداد بعض العرب عن الإسلام،وقد قرّر الخليفة أبو بكر الصّديق رضي الله عنه مقاتلة جميع المرتدّين ولم يترك أحدًا منهم. فأرسل الجيوش الإسلاميّة بقيادة عكرمة بن أبي جهل لمحاربة لقيط بن مالك في دبا فحاربه حتى قتل في المعركة. ومن ثم خالد بن الوليد لمحاربة مسيلمة الكذاب. وإنتصر خالد على مسيلمة في معركة اليمامة التي كانت من أقسى المعارك التي خاضها المسلمون وكانت مظاهر الردّة تتمثّلُ في :-
1. رفض قسم من القبائل دفع الزكاة حيث اعتبرتها ضريبة واعتبرت دفعها خضوعًا مهينًا لها.
2. اعتقاد قسم من القبائل أنّ ولائهم السّياسي للرسول محمد عليه الصلاة والسلام كان ولاءا شخصيًّا ينتهي بوفاته.
3. عدم تعوّد قسم من القبائل الخضوع للنظام الذي اقرّه الإسلام من تحريمات مثل: تحريم الخمر، والميسر والزنا والربا وغيرها.
4. رفض القبائل الخضوع لحكم أبي بكر الصديق بسبب العصبيّة القبليّة
وما اشبه الامس باليوم اذ ان العرب وخاصّة بعض قادتهم يرتدّون عن عروبتهم بعد ان ارتدّ الكثير منهم عن دينهم مضمونا وواقعا منذ زمن بعيد وإن حافظوا على ديانتهم في وثائق التعريف التي لم تكن موجودة كما هي الحال عليه الان في بواكير الدولة الاسلاميّة .
ومظاهر الردّة الوطنيّة الدينيّة الحاليّة تتمثّل في انتشار الكذب والفساد والتهرّب الضريبي والخيانة العظمى والاتفاق مع العدو وانتشار الفسوق وكبت الحرِّيات وتكميم الافواه وانتشار الظلم ونهب المال العام والجنوح نحو الجرائم الكبرى ومنها الزنا والقتل واكل حقوق الناس والربا وغسل الاموال واعمار كازينوهات القمار وبرامج الفسق في التلفزيونات ووسائل الإعلام الحكوميّة والخاصّة وغيرها كل تلك هي مظاهر لِرِدّة دينيّة وطنيّة عروبيّة فعليّة غير مُعلنة .
لا شكّ اننا نمرُّ كعرب بنزعات قبليّة جاهليّة تتمثّل بالنزعات نحو ازمان غابرة كان فيها الفراعنة والكنعانيّون والفنيقيّون والآراميّون وغيرهم من شعوب ما قبل الجاهليّة وبينما الغرب يتّجهون نحو الفضاء فنحن نتّجه نحو المجهول في القاع .
نحن امّة تعيش في ضياع بحيث ان الولد والمال هما اغلى ما نملك الم يقل سبحانه في سورة الكهف: الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً {صدق الله العظيم} اي انهما زينة فقط والزينة عادة لا تدوم طويلا وهنا يقع الدور الاكبر على العلماء ولذلك في الحديث الشريف قول رسول البشريّة اعظم الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر وما اكثر السلاطين الجورة على شعوبهم ودينهم وما اقلّ العلماء الصادقين المخلصين لدينهم ومواطنيهم .
وهذه الردّة المعاصرة لا ينفرد فيها مجتمع عربي واحد وإنّما هي عامّة في كل المجتمعات العربيّة وبنسب مختلفة بين مواطنيها ومسؤوليها ولكن لا يمكن تكفير هؤلاء او إقامة الحدود عليهم لانهم مُرتدّون بتصرفاتهم وسلوكيّاتهم وافكارهم ومشاعرهم واهوائهم وليس جهارة اقوالهم ولأن القوانين الوضعية المدنيّة لا تأخذ بكل تلك القرائن كدلائل على الإرتداد حتّى ان من مارسو معتقدات غريبة كتلك التي يُعتقد ان من يقال لهم عبدة الشيطان بُرئوا من التهم التي حوكموا من اجلها لعدم كفاية الادلّة كما يحصل في غالب قضايا الفساد لذلك لا يُمكن إصلاح المجتمعات دون تطبيق العقوبات الرادعة حسب الادلّة التي على الارض وليس بمعاملتها كمعاملة من يسرق دينارا او تلفزيونا من بيت ما فالفاسد وخائن الوطن لا يُعامل هكذا ......
وهكذا اختلف الزمان واختلفت الظروف واختلفت إهتمامات الناس ورغباتهم واختلفت مشاعرهم وضاقت دائرة المحبّة واتسعت دوائر الحقد والحسد والكراهية وكل تلك التغيرات ما كانت لتكون بهذه الحدّة لو لم يسُد الكذب وتستشري الانانيّة بين الناس ولم نعد ندري المُرتد من المُحتد والهادئ من الخانع والضعيف من الجبان والخائف من الحيران والتائب من الندمان والشجاع من الورطان والناجي من الغرقان .
وهكذا اختلطت الاوراق والافكار واصبحنا بلا شراب سُكارى وحياتنا تدور بسرعة فالوجبات سريعة والوضوء اصبح له مغاسل اوتوماتيكيّة واخذ العملة وايداعها يتم عبر ماكينات على الشارع والصلاة في الجامع اصبجت خطفا بل ونلوم الخطيب ان اطال والمعايدات ووصل الرحم بات كالبرق خطفا وبتنا لا نعيش عصر السرعة بل السرعة اصبحت عضوا فينا وهذا ما كنّا نسمعه ونردّده ان الوقت من ذهب بعد ان كان كالسيف ان لم تقطعه قطعك هي حكم واقوال نردّدها في سنين خلت وما نلبث ان نحياها واقعا بعد حين وهاهي ردّة الحكومة عن حرّية الرأي والتعبير على صفحات المواقع الالكترونية تشهد تراجعا حيث اغلقت الحكومة بعض المواقع التي يتنفّس فيها الكثير من ابناء الشعب .
انها ردة العصر الحديث وردّة الشعوب المغلوب على امرها وردّة الناس اللذين تمّ تغييرهم بالريموت الغربي وايادي وابواق عربيّة ردّة غير معلنة سيحاسب عليها التاريخ واجيال قادمة وستكون في موازين مرتكبيها لدى الرحمن الرحيم رب العرش العظيم .
حمى الله الاردن ارضا وشعبا وقيادة ووقاهم من كل ردّة لعينة .