حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الجمعة ,21 فبراير, 2025 م
طباعة
  • المشاهدات: 30361

تجربتي مع الحكومة الإلكترونية

تجربتي مع الحكومة الإلكترونية

تجربتي مع الحكومة الإلكترونية

06-06-2013 11:23 AM

تعديل حجم الخط:

بقلم : د. إبراهيم بدر شهاب الخالدي

تعني الحكومة الالكترونية فيما تعنيه استخدام الوسائل والتقنيات الالكترونية في أداء أعمالها ومتابعة نشاطاتها المختلفة بما يسهل على المواطنين إنجاز معاملاتهم بأقصى سرعة وأيسر سبيل ، ويرفع عنهم الجهد والمشقة في الاصطفاف في طوابير طويلة ولساعات عديدة للحصول على معلومة أو لإنجاز معاملة .

بيد أننا في الأردن كثيرا ما نتبجح بإنجازات وهمية وسلوكات مثالية لا تسعفها حقائق الواقع ، ولم نجد لمثل هذه الأوهام والمثاليات رصيدا في حياتنا ، وربما يكون هذا التبجح انعكاسا لواقع مر نسعى للانعتاق منه أو تطويره ، وكلما كان الواقع مّرا شديدا كان الحديث عن المثاليات حلوا لذيذا .

بدأت تجربتي في الشهر الماضي ، حيث اضطررت إلى استخراج مخطط موقع وسند تسجيل لقطعة أرض تملكتها بالميراث ، وذلك من أجل إيصال الكهرباء إلى بيت كان أقيم عليها ، وقد راجعت البلدية لهذا الغرض فطلبوا مني إحضار المخطط وسند الملكية وإذن إشغال الكهرباء ، وهو ما اضطرني إلى مراجعة دائرة الأراضي والمساحة . ولأنني منذ زمن بعيد لم أراجع هذه الدائرة فقد فوجئت بعدد كبير من كتبة الاستدعاءات ( وكتبة الاستدعاءات مظهر يتنافى مع التطور الإداري المزعوم ولا سيما في عصر المعلوماتية والإنترنت وما يسمى بالحكومة الإلكترونية ) حيث لا بد لك من الوقوف أمام كاتب الاستدعاءات للحصول على استدعاء يسمح لك بالبدء بماراثون المعاملة .

فلما دلفت إلى البهو الكبير في الطابق الأرضي للدائرة وجدتها تغص بالمراجعين الذين يتزاحمون على نوافذ الخدمة ويتدافعون ويتصايحون ، فتسمع بين الحين والآخر أصوات انفعالات وشتائم بين المراجعين بسبب عدم التزام بعضهم بالدور، هذا فضلا عن الاتهامات المتبادلة بينهم وبين الموظفين الذين يجلسون خلف الشاشات الالكترونية ، بسبب بطء إنجاز المعاملات والفوضى التي تشهدها الدائرة .
وبسبب هذه الحال وما يرافقها من انتشار الدخان المتصاعد من أفواه بعض المراجعين ومن سجائرهم لا تستطيع أن تقف بالدور ؛ لأنه لا يوجد دور أصلا . فليس هناك تنظيم أو حواجز تلزم المخالفين بالانتظام ، فتبحث عمن تعرفه من الموظفين لعله ( يدحش ) لك المعاملة في الفتحة الزجاجية التي تفصلك عن الموظفين ، وتنادي على الموظف الذي لا يسمعك بسبب المعارك الطاحنة التي تدور حوله ، فتفقد أملك في إنجاز المعاملة . وبعد طول انتظار وتدافع يقول لك الموظف – لا فض فوه : راجع شباك رقم (4) في الطابق الثاني .

وفي الطابق الثاني وجدت معارك أشد ضراوة من معارك الطابق الأول ، ولكني بحمد الله وصلت إلى الموظف المعني بعد جهد جهيد وعراك شديد ، بيد أني لم أكد أشعر بفرحة الوصول إلى بغيتي حتى فاجأني الموظف بخطأ في اسمي الوارد في حجة الإرث ، إذ جاء اسمي ابرهيم بدون الألف الوسطى ، وهو مخالف لما جاء في البطاقة الشخصية ، فطلب مني مراجعة المحكمة الشرعية وإحضار وثيقة تدعى حجة تصحيح .

وهناك طلبوا مني الذهاب إلى دائرة الأحوال المدنية للتأكد من تطابق الاسمين . وفي الدائرة المذكورة فوجئت بمعارك مماثلة لتلك التي تدور رحاها في دائرة الأراضي ، ومع ذلك يسر الله لي من أعرفه فساعدني في طلبي ، وفي اليوم التالي عدت إلى المحكمة الشرعية من جديد ، فأشار إلي رئيس الكتاب بضرورة مراجعة القاضي .

ولما لم أجد القاضي في مكتبه طلبوا مني الانتظار مع المنتظرين ريثما يحضر القاضي بعد قليل، وطال هذا القليل ، واستمر الانتظار من الساعة الثامنة حتى العاشرة صباحا ، فلما حان موعدي لمقابلته طلب إلىَّ إحضار شاهدين . ويبدو أنه لا يثق بما دوَّنه موظفو دائرة الأحوال المدنية ، فلا بد لتوكيد المعلومة من شاهدين . فهبطت السوق لعلي أعثر على من أعرفه فيعرِّف بي لدى المحكمة ، فعثرت على واحد منهما ، وكلي أمل أن أعثر على الآخر قبل نهاية الدوام . ولما تكرر مروري على مكاتب الموظفين ورأوني مضطربا حيرانا تعاطف أحدهم معي ورق لحالي إذ رآني أدور في المحكمة دون طائل ، فاستأذن أحد المراجعين للشهادة لي والتعريف بي ، ولكنه لا يعرفني ولا أعرفه ، ولا يعرف على ماذا يشهد ، بل اقتصرت شهادته على مجرد تقديم بطاقته الشخصية للموظف المعني ، فدوَّن اسمه في وثيقة التصحيح وحسب. ( هذا معنى الشهادة عند المحكمة الشرعية ولا أدري ما الحكمة من الشهادة بهذا الأسلوب ، وكيف يسمونها شهادة ) .

وعدت مسرعا بوثيقة التصحيح إلى دائرة الأراضي ؛ لأدخل في معركة الزحام والتدافع من جديد، فلما وصلت إلى الموظف المعني وسلمته الأوراق المطلوبة قال لي : عد إلينا في الأسبوع القادم تجد معاملتك جاهزة . وتمطط الأسبوع وتمغط ليصبح ثلاثة أسابيع من المراجعات والتسويفات حتى انتهى الماراثون البيروقراطي الإلكتروني .

هذه الحالة تلخص المعاناة التي يتعرض لها المواطن المغلوب على أمره ، ويدفع ثمن غلطة موظف مستهتر وربما لا يعرف القراءة والإملاء ، فوضع في غير موضعه الصحيح ، حيث لا حساب ولا عقاب لمن يخطئ في مثل هذه الأمور ، وهو سر التسيب الإداري والتخلف الذي تعانيه معظم المؤسسات الحكومية في الدول النامية عموما.

ونعود إلى أول الحديث . أين الحكومة الالكترونية التي نتبجح بها ليل نهار ؟ أهي في الأحلام أم في الآمال ؟ أم هي مجرد شعارات نتغنى بها ليل نهار؟ .. ليست الحكومة في الأجهزة الالكترونية والمعدات والإمكانات ، إنما تكمن في فقدان السلوك القويم والأخلاق الحميدة والعقول النيرة ، والرقابة على أداء الموظفين وسلوكهم ، ومتابعة ذلك تحت طائلة المساءلة والعقاب . كان يمكن تخفيف معاناتي ومعاناة أي مراجع بمجرد الضغط على أزرار الحاسوب للتأكد من الاسم خلال ثوان معدودة ، لو وظِّف الحاسوب للغايات الإدارية التي صرف من أجلها ! بيد أن البيروقراطية عندنا ممتدة ومتجذرة إلى درجة أنها طوعت الحواسيب الإلكترونية لخدمتها . فلم يعد الحاسوب وسيلة لتسهيل العمل واختصار الوقت ودقة الإنجاز ، بل أصبح في أيدينا أداة بيروقراطية للتسلية والتعطيل والتأجيل .























طباعة
  • المشاهدات: 30361
برأيك، هل يصمد اتفاق وقف إطلاق النار في غزة رغم مواصلة نتنياهو وترامب تهديد حماس باستئناف الحرب والتهجير؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم