09-06-2013 03:18 PM
بقلم : عقيد ركن متقاعد صالح السعدي
لم اسمع أو أرى أي من المنظرين أو فقهاء السياسة في العلم العربي في تحليلهم وتنظيرهم لربيع هذه ألامه أي منهم طالب بالعودة إلى الأساسيات لا بل فاني أجدهم يتمرسون القفز والقفز الطويل أحيانا ليصلوا مباشرتا إلى التنمية وللوقوف على البعد الحقيقي لهذا المفهوم وغيره وبالعودة إلى المعاجم اللغوية نجد أن التنمية لغويا هي : مشتقه من لفظ "التنمية" من "نمـّى" بمعنى الزيادة والانتشار. أما لفظ "النمو" من "نما" ينمو نماء فإنه يعني الزيادة ومنه ينمو نموًا. وإذا كان لفظ النموّ أقرب إلى الاشتقاق العربي الصحيح، فالنماء يعني أن الشيء يزيد حالاً بعد حال من نفسه، لا بالإضافة إليه. (وهذا التعريف مقتبس عن العزيز غوغل) قدس الله سره .
واصطلاحا : هي عملية بناء الديمقراطية وهذا ابسط تعريف لها .
ومن هنا فأنني أجد أن مفهوم النمو والتنمية ليس في مكانها في المنطقة العربية خاصتا والعالم الثالث عموما وذلك لعدم وجود أساس قد يتمكن النظام من البناء عليه.
فنمو الشجرة يعني أن تزرع الشجرة بداية ثم تنميها بالعناية والسماد والماء وخلافه أما أن تنمي ارض بور غير مزروعة فهذا ما لفت انتباهي واستدعى مني الوقوف والوقوف طويلا لنتمكن من تحديد نقطة البداية ثم الانطلاق .
أرى إن الأمة في الوقت الحاضر إنما تحتاج منا إلى الدخول في مصطلحات لم نألفها على شاشات التلفزه وفي عناوين الصحف ومن هذه العناوين وأبرزها على الإطلاق هو مفهوم التنشئة السياسية إذ يعتبر احد الدعامات الأساسية في بناء الأنظمة السياسية ألحديثه والديمقراطية.
اهتم العالم في هذا المفهوم ومنذ القدم ففي القرن السادس قبل الميلاد أكد كونفوشيوس وهو فيلسوف صيني أكد أن " فساد نظام الحكم وتداعي أركانه إنما يرجع إلى فقدان ألمواطنه الصالحة نتيجة تصدع بناء ألأسره وتفككها وعجزها بالتالي عن تلقين أفرادها معاني الفضيلة والحب المتبادل والخير العام " وبين أرسطو "ضرورة تدريب أعضاء المجتمع على شتى أنماط النشاط السياسي وفعالياته" أما في خمسينات القرن الماضي فقد شهدت تطورا جديا وملموسا لهذا المفهوم وصدر فيه عدد من الكتب والمؤلفات .
مفهوم التنشئة السياسية .
تعددت التعريفات لهذا المفهوم إلا إنني أريد أن أورد هنا تعريف احد الباحثين المصريين هو احمد محمد أمين يقول " إن التنشئة السياسية هي تلك العملية التي تهتم بإعداد الأفراد اجتماعيا لممارسة العمل السياسي وتفهم المجتمع الذي يعيشون فيه وإعطاء الحد الأدنى من ألمواطنه والتعرف على مقومات المواطن الصالح وإعداد القادرين على تحمل مسؤولية قيادة المجتمع في جميع مجالاته "
وبالدخول في هذا التعريف الرائع من وجهة نظري على الأقل والذي يهتم بإعداد الفرد اجتماعيا وسياسيا أولا وإعطاء الحد الأدنى من ألمواطنه ثانيا وتهيئة أشخاص قادرين على القيادة ثالثا يحتم علينا البحث في مفاهيم هذا التعريف كلا على حدا.
إعداد الفرد:
أما وإننا نحتاج إلى إعداد أفراد فهذا يعني أن نعود إلى الجهات أو الوحدات المعنية في هذا الإعداد وهي وحدات اجتماعية كثيرة ومتنوعة يرتبط بها الإنسان أو يخضع لفعالياتها وضوابطها طوال سني حياته منذ ولادته وفي شتى مراحل نموه ونحددها بما يلي :
1. الأسرة : تعد الأسرة من أقوى الوحدات الاجتماعية وأكثرها تأثيرا في تشكيل حياة الفرد وتشكيل مستقبله فعن طريقها يتعلم أساليب المجتمع و ثقافته وتعينه على التفاعل مع الآخرين والمشاركة الايجابية في الحياة الاجتماعية فهي الوحدة التي يتعلم الفرد من خلالها منظومة القيم والأعراف والتقاليد والاتجاهات الاجتماعية الأساسية إن كانت تحمل طابعا سياسيا صريحا أو مظمّن وتكتسب الأسرة أهميتها التربوية من عدة اعتبارات أهمها:
أولا: معظم الأصول الأولى للاتجاهات السياسية يكتسبها الفرد عن طريق التعلم خلال السنوات الأولى من عمره ومن هنا يأتي دور الأسرة في غرس المفاهيم والتوجهات السياسية اكبر من دور أية وحدة أخرى
ثانيا: إن الفرد يقضي معظم سني عمره الأولى وهو يعتمد على أسرته في إشباع حاجاته المادية والمعنوية على حد سواء
ثالثا: إن القيم والاتجاهات التي يكتسبها الفرد عن طريق أسرته لا ترجع إلى التلقين الصريح أو المظمر للمعارف الاجتماعية أو السياسية فحسب بل ترتد أيضا إلى الأسلوب الذي تنتهجه الأسرة في تربيته وبما إن الأسرة هي أول نمط للسلطة يعايشه الفرد وتؤثر طريقة ممارسة هذه للسلطة في قيمه واتجاهاته فمن المتوقع إذا أن تحد خبرات الفرد في تعامله مع السلطة الأبوية أو الأمومية أسلوب تعامله مع السلطة الحكومية فيما بعد فإذا كان الأب إنسانا متسلطا في علاقاته بأفراد أسرته أصبح من المحتمل أن تنعكس قيم الإكراه وعدم المساواة في نفوس الأبناء أما إذا كان الأب يصرف الأمور بأسلوب ديمقراطي أصبح من المتوقع جدا أن يكون الأبناء أكثر ميلا وتقبلا لقيم الحرية والمساواة
2. الأصدقاء:
إن دور هذه الفئة في عملية التنشئة الاجتماعية والسياسية مهم وكبير ويعد مكملا لدور الأسرة في هذا المجال وخاصة في مرحلة المراهقة وفي المراحل المتأخرة من النضج الاجتماعي والسياسي فمن خلال هذه الفئة يتعلم الفرد كيفية التفاعل مع الآخرين وتحل السلطة غير الشخصية للجماعة محل السلطة الشخصية للوالدين ومنهم يستمد ويكتسب الجديد من أنماط السلوك والتوجهات السياسية والاجتماعية
3.مؤسسات التربية والتعليم:
إن التعليم ليس مجرد عملية تتوخى تنمية المهارات والقدرات الذهنية والفنية للأفراد وحسب بل هي وسيلة المجتمع إلى دفع الناس إلى تغير أنماط تفكيرهم وحياتهم وسلوكم واتجاهاتهم إزاء الواقع الاجتماعي والظواهر السياسية و يأتي ذلك وفق منهج معد سلفا من قبل النظام السياسي فيمكن أن يكون التعليم أداة لترويض الناس كما يمكن أن يكون أداة لتحريرهم وانه موجه ايدولوجيا من قبل الطبقة المسيطرة سياسيا .
تعتبر المدرسة وغيرها من مؤسسات التعليم الرسمي ذات أهمية خاصة في عملية التنشئة عامة وإعداد الأجيال الجديدة للمواطنة وتمثل الثقافة السياسية للمجتمع بأسره فالمدرسة هي المركز الرئيسي لعملية التنشئة السياسية في المجتمعات النامية والمتقدمة على حد سواء فلذلك هي تستقطب قدرا كبيرا من اهتمام السلطة السياسية بحيث لا نكاد نجد نظام سياسيا لا يعترف بأهمية الدور التربوي للمدرسة في تغيير قيم الأفراد وتوجهاتهم إلا إن هذا الدور يبرز جليا في الدول المتقدمة فقط ويتم إغفاله في دول العالم الثالث حيث تحاول الأنظمة الاقتراب من تلك المؤسسات التعليمية وتكيف برامجها حسب وفق ما يتلاءم مع سياسات تلك الأنظمة .
وتكتسب المدرسة أهميتها من عدة اعتبارات أهمها:
أولا: طول الفترة التي يقضيها الفرد في المدرسة خلال مختلف مراحل التعليم
ثانيا: طبيعة النظام المدرسي ونمط العلاقات السائدة فيه
ثالثا: نوعية المعلم وعلاقته بتلاميذه فكل ما كان المعلم متمكن من مادته العلمية قريبا من قلوب تلاميذه مؤمنا بقيم النظام السياسي ملتزما في تصرفاته كان أكثر قدرة على التأثير في نفوس تلاميذه
رابعا: نوعية المنهج الدراسي ومحتواه إذ من المفترض أن يتضمن القيم السياسية الأساسية الذي يرغب المجتمع نقلها إلى أبنائه وتسهم في تطور ونمو المجتمع
وتنشئتهم عليها لا ما يرغب به النظام أو الأنظمة من قيم .
الحد الأدنى من المواطنة:
مفهوم المواطنة :
المواطنة حالة معنوية وشعورية يعيشها الأفراد ؛ وتعبر عن درجة عالية من الانتماء إلى دولة بذاتها كبديل عن الانتماء التقليدي للقبيلة أو العشيرة أو الطائفة أو الملة 0 ويرتب ذلك الانتماء مجموعة من الحقوق والواجبات على من يتمتع بهذه الصفة 0 ولقد مر المفهوم بتطورات عميقة على مدار التاريخ ، واكتسب شكله الحديث على أثر اندلاع الثورة الفرنسية عام 1789 ، وانتشر في أعقاب الحركات القومية الأوروبية ، كما شهدت عناصر هذا المفهوم اتساعا متنامياً بعد الحرب العالمية الثانية وصدور القوانين التي كُرست لتحقيق المساواة بين الأفراد0
وقد اكتسب هذا المفهوم اهتماماً متزايداً فى الفكر القانونى والدستورى المعاصر0 كما تزايد الحديث العام عنه ، لاسيما فى الآونة الأخيرة نتيجة إتساع مفهوم العولمة ، وتضاؤل الفجوة بين الأمم والشعوب ، وزيادة المؤثرات الثقافية من الخارج ، والتى يرى البعض إنها قد تضعف المواطنة وتقلل من إحساس الإنسان خاصة بين الشباب ، وتستمد المواطنة كما أشرنا أصلها من المبادىء الأساسية لحقوق الانسان ؛ فالمواطنة ليست مجرد ارتباط بأرض وإنما هى عقد اجتماعى بين الإنسان ووطنه ؛ وكلما كان هذا العقد عادلاً ومتوازناً ، وتمتع بموجبه الإنسان فعلياً بحقوقه وبالاحترام الواجب لحرياته وأدى فى ذات الوقت ما عليه من واجبات يزداد إحساس الفرد بمواطنته ، ويقوى ارتباطه بوطنه ورغبته للتفانى فى خدمته 0
فالمواطنة ليست مفهوماً سياسياً أو قانونياً مجرداً ، وليست كلمات تتردد دون وعى بمضمونها وجوهرها ، وإنما هى ارتباطاً معنوياً وشعوراً بالحاجة إلى رابطة بمكان يجد فيه الإنسان ذاته ؛ ويشعر بناءً على ذلك بأنه يدافع عن هذا المكان ، ويلبى متطلباته وإحتياجاته ؛ لذلك فإن الفرد يحرص على كل ما فيه خير للوطن وإعلاء للمصلحة العامة على المصالح الشخصية أو العائلية الضيقة. ولكى يترسخ الشعور بالمواطنة فى نفوس الأفراد لابد وأن يتمتعوا بالاحترام الواجب لحقوقهم وحرياتهم الأساسية ليس فقط السياسية ولكن – وربما هو الأهم – الاقتصادية والاجتماعية ؛ وذلك فى إطار مناخ عام يتسم بالعدالة كمبدأ عام حاكم لحركة الدولة والمجتمع، ولتوزيع ثرواته وموارده 0 لذلك فإن المواطنة وإن كانت تولد مع الفرد فهى تنمو وتزدهر وتتجذر تدريجياً مع إدراكه لما تبذله الدولة من جهد لخدمة مواطنيها ورعايتهم. وبقدر ما يتمتع الفرد باحترام لحرياته وحقوقه الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ليس فقط من جانب الدولة ورموزها وعلى رأسها الأجهزة الأمنية ولكن من جانب غيره من المواطنين بقدر ارتباطه بوطنه وولاءه له. فالشعور بالكرامة والاحترام والحرية هى الضمانة الأساسية لمواطنة حقيقية وفعالة 0
مستويات المواطنة
يقسم الباحثين مسئوليات و واجبات المواطنة إلى قسمين الأول مسئوليات تفرضها الدولة و مسئوليات يقوم بها المواطنون طواعية , إلا أن هناك من ينظر إلى الأمر من زاوية مختلفة و يقسم مسئوليات المواطنة من خلال المواطن ككيان قانوني و المواطن ككيان سياسي .
المواطنه الزامية : هي المسئوليات التي تفرضها الدولة على المواطنين .
المواطنه الطواعية : هي التي يقوم بها المواطنون طوعية دون فرض التزامات عليهم بشأنها هي النقد البناء للحياة السياسية .
و يرى العديد من الباحثين أن المواطنة ترتبط وتتمثل في علاقة الحاكم بالسكان من حيث تبادل الحقوق والواجبات بناء على الرابطة الوطنية (الحقوق والواجبات ) ؛ أو هي مفهوم حديث. شكلت على أساسه الدولة الحديثة، يفترض هذا المفهوم أن المجتمع مكون من أفراد مستقلين وأحرار، والدولة هي التعبير عن الإرادة العامة لهؤلاء المواطنين الأحرار والمستقلين غير الخاضعين لولاءات أخرى بصفتهم أفراداً, وكذلك يرى البعض أنها وطبقا للصيغة اللغوية للمواطنة هي (مُفاعلة)، وهي مفهوم اعتباري شأنه شأن اي مفهوم آخر مثل الحب والسياسة. أي أنها مشتقة من منشأ سابق عليها موجود مثل الوطن، الأرض. المشرع القانوني او الدستوري نظّمَّ العلاقة ما بين الأرض والإنسان وأعطاها عنوان (المواطنة).
إذن هي مسألة اعتبارية مشتقة من أمور سابقة عليها فهي غير منزلة من السماء ولا نابعة من الأرض مثل الشجر. ولتقريب مفهوم (الاعتبارية) نضرب مثلاً، عملية البيع والشراء. حيث توجد مادة ويوجد بائع وكذلك مشترٍ فالعلاقة التي تنظم هذه العناصر الثلاثة غشاً او صدقاً هي علاقة اعتبارية.