15-06-2013 08:56 PM
سرايا - سرايا - منذ أربعة أيام، تفترش جميلة (45 عاما) الأرض في باحة مقر رسمي في بلدة عرسال في شرق لبنان، تنتظر ان يؤمن لها ولأولادها الثلاثة وزوجها المريض سقف أو خيمة… اما قلبها، فبقي في سوريا، على طريق القصير حيث “العشرات ماتوا عطشا أو قصفا، او ببساطة عجزوا عن متابعة السير”.
تجلس جميلة على بساط قرب مقر بلدية عرسال، إلى قربها يتمدد زوجها على فراش اسفنجي. وتقول لوكالة فرانس برس “في الليل نموت بردا. لا نملك مالا، ولا طعاما، ولا نعرف أحدا هنا”. لكن حزني الأكبر يبقى على الذين “تركناهم هناك”.
وتروي بغصة “خرجنا قبل ساعات من سقوط المدينة مجموعات مجموعات… كنا نجري وكل منا يسعى لانقاذ نفسه”.
وتتابع وهي تزيح قليلا الشال الاسود الذي يغطي راسها عن وجهها ثم تخفض صوتها وكانها تخجل مما ستقوله “بعض الذين كانوا معنا ماتوا عطشا او متاثرين بجروحهم. فكان الرجال يحفرون حفرة ويدفنونهم. كان الامر فظيعا. التاريخ لم يشهد مثل هذا”.
في الطريق، كسر الهاربون اغصان الاشجار الخضراء الطرية وعصروها في افواههم للترطيب، او قساطل الري ونفخوا فيها للحصول على بعض قطرات المياه. واكلوا الفاكهة من الاشجار والبطاطا النيئة من الحقول. وكان عناصر من الجيش السوري الحر يرشدونهم على الطريق.
ويوضح عضو المجلس البلدي في عرسال وفيق خلف الذي يهتم باستقبال اللاجئين وتسجيلهم، ان ثلاثة آلاف سوري وصلوا من القصير الى عرسال خلال اسبوع، ليرتفع عدد اللاجئين السوريين في البلدة الى 32 الفا منذ بدء النزاع قبل اكثر من سنتين، فيما عدد سكان عرسال اكثر من اربعين الفا.
كما دخل اكثر من 300 جريح من القصير نقلوا الى مستشفيات في الشمال خصوصا.
في زوايا الباحة الصغيرة، توزعت العائلات. بعضها علق اغطية وبطانيات على اغصان الشجر للحصول على بعض الخصوصية… او على قليل من الظل.
بين الجمع شاب في الثامنة عشرة ذراعه اليسرى وظهره ملفوفان بضمادات، يقول من دون ذكر اسمه انه اصيب في المعركة.
ويضيف “سرت خمسة ايام مع آخرين… في لحظة معينة، تعبت وتركوني مرميا في احد البساتين، الى ان اشفق علي احدهم وحملني وساعدني على الوصول”.
لكن الشاب الاشقر صاحب الوجه الطفولي يؤكد انه سيعود الى سوريا فور شفائه “اريد ان اساهم في اسقاط النظام”.
في وسط الباحة، جلست ريما مع طفلها البالغ عشرة اشهر. وتقول وهي تشير الى ملابسه المتسخة التي لم يعد في الامكان تبين لونها الاصلي، والى عباءتها الزهرية المطرزة بالابيض، وقد اتسخت ايضا. “نريد مكانا نغتسل فيه. نحن هنا منذ سبعة ايام، لم يجدوا لنا ماوى بعد”.
هربت ريما مع اربعة اطفال وزوجها بالسيارة من القصير. “كان القصف مخيفا. ذهبنا الى درعا (جنوب)، وصلنا الى آخر حاجز قبل الحدود الاردنية. لم يسمحوا لنا بالعبور الى مخيم الزعتري. فعدنا الى ريف دمشق ومنه عبر طريق تهريب الى هنا”.
وتبلغ مساحة المنطقة السكنية في عرسال حوالى 15 كلم مربع، وتصل مساحة البلدة الاجمالية مع المنطقة الجبلية غير المسكونة الى اكثر من 400 كيلومتر مربع. وتمتد حدودها مع سوريا (معظمها مع ريف دمشق) على مسافة 55 كيلومترا تنتشر عليها المعابر غير القانونية الوعرة.
وعرسال ذات غالبية سنية متعاطفة اجمالا مع المعارضة السورية، ومحاطة بقرى شيعية موالية لحزب الله الذي يشارك في المعارك في سوريا الى جانب قوات النظام. وتسجل توترات شبه يومية بين عرسال ومحيطها على خلفية النزاع السوري. كما تعرضت البلدة اخيرا لغارات عدة من طائرات سورية.
في شارع البلدية، صف طويل من مئات النساء والرجال ينتظرون دورهم للحصول على مساعدة غذائية.
ويوضح خلف ان المساعدات مقدمة من وكالات الامم المتحدة ومن الحكومة القطرية ومن جمعيات خيرية ومنظمات غير حكومية دانماركية او نروجية. “لكنها غير كافية”، مناشدا الجمعيات تأمين “شوادر وخيم”.
اهالي عرسال قدموا ابنيتهم غير المنجزة والغرف الفارغة للاجئين.
في غرفة من مترين مربعين من دون باب، يعيش حوالى عشرين شخصا يرفضون التصوير ويسالون ان كنا من “هيئة اغاثة”، فالحاجات كثيرة.
جارهم محمد (30 عاما) يعيش في كاراج مع اطفاله الثلاثة الذين لم يتجاوز اكبرهم الخامسة. “والدتهم قتلت على الطريق اثناء هربنا بقذيفة”.
كان محمد مسؤولا في حزب البعث قبل ان يصبح معارضا مع بدء الثورة. “هتفنا له (الرئيس السوري بشار الاسد) بالدم والروح نفديك عشرين سنة، كافانا بالقصف علينا”.
في احد احياء عرسال، مخيم للاجئين يغطيه الغبار كلما هبت نسمة هواء.
يجلس علي (25 عاما) وقد لفت ساقه اليمنى بالجص في خيمة خالية الا من الفرش، ويقول “لست نادما او حزينا على اصابتي اثناء القتال. كنت ادافع عن شرفي. لكنني حزين على وضعنا هنا”.
عند باب البلدية، تصل شاحنة صغيرة ينزل منها اكثر من ثلاثين لاجئا وصلوا للتو عبر الجرد.
يقفون حائرين ضائعين. ثم تصرخ امرأة ردا على سؤال لفرانس برس “الله يحرق قلوبهم مثلما احرقوا قلوبنا. كل الدول دعمت بشار فقصفنا وهجرنا. اصدقاء سوريا هم اعداء سوريا. أين منطقة الحظر؟ لم لم تات الامم المتحدة الى القصير لانقاذنا؟ الله يشردهم كما شردونا!”.