حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الجمعة ,15 نوفمبر, 2024 م
طباعة
  • المشاهدات: 29534

مركز وطني لمناهج الجامعات وشهادة الجودة العلمية

مركز وطني لمناهج الجامعات وشهادة الجودة العلمية

مركز وطني لمناهج الجامعات وشهادة الجودة العلمية

19-06-2013 03:09 PM

تعديل حجم الخط:

بقلم : د. إبراهيم بدر شهاب الخالدي

ثمة مظاهر كثيرة للفساد ، تشمل كل ألوان التفاعل الإنساني ، وتكاد تطال كل شيء في حياتنا تقريباً ؛ وذلك لضعف الوازع والروادع من جهة ، وقوة إغراءات الفساد من جهة أخرى ، وهو أمر مخالف للفطرة ، وتأنف منه الطباع السوية الطاهرة العفيفة ، ولا تسنده أية ذريعة ، أو تقوم دونه حجة ، أو يسوغه ظرف خاص ، ويمثل التعاطي معه ، أو المشاركة فيه ، أو إقراره ، أو مجرد السكوت عنه ، جرائم لا تغتفر ، لأنه من أنواع الحرام الذي اتفقت الشرائع السماوية على إنكاره وتحريمه .

ومهما يكن من أمر ، فإنه لا يسوغ الفساد في البضاعة ، ولا في المال ، ولا المعاملات عموماً ، وهي المراتع التقليدية للفساد ، التي ينصرف الذهن إليها عندما يذكر الفساد ، ولكن الذي يثير الاستغراب والاستهجان أن يمتد الفساد ليطال الفكر والأدب والعلم ومناهج التدريس! والذين استمرؤوا الفساد وتربوا عليه ، قد تجاوزوا كل الحواجز الخلقية ، واقتحموا الحصون المنيعة التي اتفقت الفطر السوية على عدم الاقتراب منها ، حتى وصلوا إلى العقول والقلوب والضمائر والأذواق ، فعاثوا فيها فساداً وإفساداً ؛ ذلك لأنهم لا تحدوهم قيم نبيلة ، ولا أخلاق حميدة ، ولا قوانين رادعة ، ولا دين قويم .

وإذا كان لا يسوغ كذلك أن يصدر الفساد من العامة أو سواهم من الطبقة العادية ، التي يسهل عليها أن تنزلق نحو الفساد وتتمرغ فيه ، لضعف الضوابط القيمية لديها وهشاشة موانع الانزلاق عندها ، فكيف يسوغ أن يصدر من النخب الفكرية والتعليمية والتربوية والموجهين وأصحاب الأقلام ؟! هذا السؤال يوجه إلى أولئك الذين تسلقوا محاريب الأدب والعلم ، وتفيئوا أفياء التربية والتوجيه ، وتبَوَّؤُوا مناصب التدريس في الجامعات والمعاهد والمدارس ، أو تم حشوها بهم قسراً بفعل الواسطة ، التي هي أوسع أبواب الفساد الإداري وأشهرها . وسرعان ما أدرك هؤلاء أن هناك أبواباً أخرى للفساد مفتوحة ، وميادين رحبة ، فولجوها غير وجلين ، ولا مترددين ، ولا مبالين بمبادئ الدين الجليلة ، أو بالقيم النبيلة ، أو الأخلاق الحميدة ؛ لأنها لا تعنيهم بشيء ، وليس لها معنى عندهم إلا بمقدار ما تحقق لهم المنافع الشخصية الدنيئة ، والمصالح الضيقة الآثمة ؛ فانتحلوا الأبحاث ، ونسبوا إلى أنفسهم الأفكار والنظريات ، وسرقوا جهود الآخرين ، وألفوا الكتب ( الإنترنتية ) وهي ما يعرف بكتب القص واللصق ، وتبجحوا بكثرة المؤلفات ، والسرعة الفائقة في إخراجها واعتمادها بطرائق ملتوية للتدريس في الجامعات ، رغم خلوها من العلم ، والأدب ، والفن ، والذوق ، والطعم ، والرائحة .

وبما أن هذه الفئة الفاسدة قد استمرأت الفساد واستعذبته ، فأصبح دينها وديدنها ، ويصعب عليها أن تتخلى عنه تحت أي ظرف ، مستفيدة من مظلة الوظيفة الحلوب ، وغفوة الرقيب ، وضعف القانون ، وسكوت العارفين على الخطأ ، وقد بلغ الفساد ذروته في هذا المجال حتى شوه صورة جامعاتنا ، وشوه سمعة الأردن من هذا الباب أو كاد ؛ لكثرة إنتاجنا الفكري المطبوع المتدني النوعية ، حتى صرنا حالة فريدة لا شبيه لها ولا مثيل ، ولا بوادر تلوح في الأفق لاجتثاثه أو وقف زحفه وانتشاره ؛ وإذا ذاك فقد يكون في الاقتراح التالي حلاً عملياً لتجفيف منابعه واستئصاله من جذوره ، بما يعيد لجامعاتنا صورتها المشرقة ، وللأردن هيبته ومكانته العلمية المرموقة التي كانت ، بل أفضل مما كانت ، بحيث يبقى موئلاً للعلم والفكر ومحجاً لطلاب العلم والدارسين من العرب والأجانب .

ينص الاقتراح ، في أحد بنوده ، على أن توحد الكتب المقررة والمناهج التدريسية في الجامعات الأردنية كافة ، ولاسيما في المواد الأساسية المشتركة العامة ، ويترك للجامعات هامش صغير من الحرية في هذا الأمر بما يدفعها للتميز والانطلاق ، شريطة ألا يسمح للفاسدين باستغلال هذا الهامش للإثراء بلا سبب أخلاقي . وأن تلزم الجامعات في هذا الأمر ، بحيث لا يجوز لها اتخاذ مناهج خاصة بها على حساب هذا المشروع الوطني الرائد . إن هذه الفكرة ، فكرة توحيد الكتب والمناهج في الجامعات ليست جديدة ، وليست فريدة في بابها ، ولن نكون بدعاً في هذا الأمر ، فقد سبقتنا إلى هذه المكرمة دول عديدة ، منها العراق تحديداً وسواه من الدول العربية الشقيقة ، التي عملت بجد منذ عقود طويلة على توحيد المناهج وضبط التعليم مؤسساتها التعليمية ، وبالتالي ضبط عملية التأليف والنشر ، وهو ما رفع سوية التعليم فيها ، انعكست آثاره الإيجابية في مستوى الخريجين ، ونوعية ما قدموه لأوطانهم ولأمتهم عامة . ويمكننا الاستفادة من تجارب هذه الدول في هذا المجال .

وهذا الأمر يقتضي بالضرورة تأسيس مركز وطني برعاية رسمية وقانون خاص ، تحدد فيه غاياته وأهدافه بقانون إنشائه ، وأن تشكل لذلك لجنة خاصة من العلماء الأجلاء المخلصين ، تكلف بإنشاء المركز الذي يهدف إلى إعداد المناهج التعليمية للجامعات ، بطرائق علمية وفنية عالية المستوى ، وتقوم بعمليات التوجيه والتنسيق بين نشاطات المركز والجامعات المتعاونة والخبراء والمؤسسات التعليمية المختلفة ، وتعمل على تشكيل لجان فرعية مؤهلة ذات خبرة ودراية في إعداد المناهج وتأليف الكتب ، ولا يشترط أن تكون هذه اللجان دائمة أو مفرغة تماماً لهذا الأمر ، بل تتجدد وفق الظروف والأحوال ، وقد يستعان بخبراء ومختصين من خارج المركز لهذه الغاية ، بحيث تختص كل لجنة منها بفرع معين من فروع المعرفة ، وتعمل على إعداد كتاب من الكتب المقررة الأساسية المتخصصة ، ضمن شروط معينة ومعايير نموذجية ، بحيث تصبح هذه الكتب مراجع معتمدة للتدريس في الجامعات الأردنية كافة ، على أن تكون جيدة الإعداد من حيث قوة المادة العلمية وحداثتها ، وسلامة اللغة والتعبير ، وجودة الإخراج والتنضيد ، مزودة بالصور والرسومات التوضيحية والملاحق الشاملة ، وأن تتم مراجعتها عدة مرات ، بحيث تصدر خالية من العيوب التي تطفح بها الكتب الحالية . ويراعى فيها القيم النبيلة والأخلاق الحميدة ، التي تنطلق من قيم الدين الإسلامي الحنيف ومبادئه . وأن يصدر قانون خاص يلزم الجامعات والمعاهد بألا يقر أي كتاب للتدريس فيها إلا بعد حصوله على موافقة المركز الوطني للمناهج ، وأية مخالفة لذلك تستوجب المساءلة والعقاب .

فإذا ما أعدت الكتب بهذه الطريقة وفق معايير المركز النموذجية ، يتم بيعها للطلاب عن طريق الجامعات نفسها ، بحيث يدخل ريع هذه الكتب في موازناتها ، وبذلك نكون قد غطينا جزءاً من العجز الذي تعاني منه تلك الموازنات ، كما نكون قد أوقفنا تطفل المؤلفين وجشع الناشرين ، وقطعنا عليهم الطريق في ابتزاز الطلبة والجامعات ، ووفرنا مبالغ كبيرة ندعم بها موازنات الجامعات التي تعاني من مديونية ثقيلة ، ما تفتأ تتطفل على موازنة الدولة فتزيدها عجزاً على ما فيها من عجز دائم .

فإذا ما علمنا أن عدد الطلبة على مقاعد الدراسة حالياً يصل إلى نحو من 284 ألفاً ، وهو رقم هائل بالنسبة لدولة صغيرة كالأردن ، ويستحق الوقوف عنده ومراجعته ، والنظر في سياسات القبول ومطالب التخرج ؛ ومهما يكن من أمر ، فإنه بإجراء عملية حسابية بسيطة ، نجد أن مجموع ما يدفعه طلبة الجامعات الأردنية ، ثمناً للكتب المقررة أو تصويرها ، خلال سنوات دراستهم الجامعية ، يتجاوز المئة وأربعين مليون دينار ، يذهب ثلثاها إلى مؤلفي الإنترنت ومكاتب النسخ والتصوير . نستطيع بتنفيذ هذا الاقتراح توجيه هذه الملايين إلى ما يخدم الجامعات نفسها .

وأهم ما في الأمر توفير مادة علمية سليمة رصينة للطلبة ، تصلح مراجع علمية محكمة ، يفيدون منها ويحتفظون بها في مكتباتهم الخاصة . وقد تسوق هذه الكتب ؛ لما في مضامينها من جودة ورصانة وفائدة علمية ، في جامعات الدول العربية والإسلامية ، وللراغبين في اقتنائها من خارج الجامعات ، وهو ما يدعم موازنة المركز نفسه ، بل موازنة الدولة ذاتها ، فنكون بذلك قد أفدنا طلبتنا وجامعاتنا وجمعنا إلى التعليم قيم التربية التي تآكلت شيئاً فشيئاً في جامعاتنا بفضل سياسات خاطئة ، غير منسجمة مع قيمنا وثوابتنا الدينية والوطنية .

إن إنشاء مثل هذا الصرح الحضاري سيضيف لبنة جديدة إلى جانب اللبنات الحضارية القائمة في بلدنا ، فقد كان لنا تجارب سابقة في إنشاء المراكز الوطنية الرائدة ، التي تمثل مفخرة للأردن ، وصورة من صوره الجميلة الكثيرة . فهناك مجمع اللغة العربية الأردني ، والمجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية ( مؤسسة آل البيت ) والمركز الجغرافي الملكي ، والمركز الوطني للوثائق والمعلومات ، ومتحف الكتب المدرسية ( الذي يعد الوحيد في العالم باعتراف اليونسكو ) وسواها من الصروح العلمية والفكرية الرائدة في فكرتها وفي نشاطاتها . كما كان للأردن فخر إعداد القانون المدني الأردني ، بهمة كوكبة من علمائنا الأجلاء ، الذي تبنته جامعة الدول العربية ، ثم ما لبث أن اعتمدته الدول العربية والإسلامية كافة ، ويعد المرجع الرئيسي فيها ولا مرجع سواه في بابه يرجعون إليه . وما تزال عقولنا وهممنا والحمد لله هي الثروة القومية المتجددة المستدامة التي نعتز بها ونفتخر ، وبوسعها أن تقدم المزيد من الأفكار الإبداعية الأصيلة المفيدة ، ويمكنها تكرار التجربة في ميادين أخرى ، بما يخدم وطننا وأمتنا في كل مجال نجد أنفسنا رواداً فيه .

وقد يعتمد المركز مرجعاً وطنياً أو عالمياً للحصول على شهادة أو وثيقة تثبت جودة الكتب للنشر والتوزيع ، بما يقابل شهادة ( الآيزو ) العالمية ؛ فالمؤلف الذي يرغب في الحصول على شهادة التميز لكتابه ، له الحرية متى أراد أن يتقدم إلى المركز بمخطوطة كتابه للحصول على تلك الشهادة . والكتاب الذي يدخل في سجلات المركز ، ويحصل عل ختمه وشعاره وشهادة بذلك ، يعني ذلك أنه كتاب متميز ، ويستحق أن يطبع ويوزع ويقرأ ؛ لما يحمله من ختم الثقة بجودته وأصالته ، وسلامته من الأخطاء الفكرية واللغوية ؛ بما يعزز قناعة القارئ بجودته وفائدته العلمية ؛ ذلك أن أكثر المؤلفات ذات المضامين الضعيفة السيئة ، التي تخلو من الأصالة والإضافة العلمية والسلامة من العيوب والأخطاء ، قد أحبطت الكثيرين من القراء والدارسين ، حتى فقدوا لذة القراءة ، ومتعة التفكير ، ونهم المعرفة .

وبهذا الأمر يستطيع القارئ أن يميز بين الغث والسمين من المؤلفات ، بعد أن كان يخدع بتصاميم الأغلفة المضللة ، فيقبل على شرائها ظناً منه أن الغلاف يعكس جودة المضمون ، ولا يكتشف أنه مخدوع إلا بعد أن يكون قد تورط في شراء كتاب لا يستحق ما دفع فيه من ثمن .

ولكي يتحقق تنفيذ هذا الاقتراح ، فلا بد من جملة أمور متعاضدة متآزرة ، يأخذ بعضها بزمام بعض ، هي : قناعة تامة بجدوى إنشاء مثل هذا المركز الوطني ، وعقول واعية تؤسسه وتشرف عليه ، وهمم عالية تنهض به ، وإرادة قوية تسرع بإنجازه ، وضمائر مخلصة تحرص عليه ، وإيمان بالواجب تجاه العلم والوطن والأجيال الصاعدة . فإن توافرت هذه الأمور بدرجة مناسبة ، فلا شك أن هذا الاقتراح سيأخذ سبيله إلى التطبيق بيسر وسهولة ، وسيتم تنفيذه بأسرع ما نتوقع ، وستتحقق الفوائد الجليلة التي أشرنا إليها بالصورة التي نرومها وأزيد . وأنا على مِثل اليقين ، أنه بإنشاء هذا المركز الوطني ، نكون قد أسسنا صرحاً علمياً اقتصادياً فاعلاُ ، يدر علينا دخلاً يفوق ما يدره مجمع صناعي كبير ، فضلاً عما ما يحققه لنا من سمعة علمية وطنية تنساح في الآفاق ، وتتجدد بتجدد الليل والنهار . والله الهادي إلى سواء السبيل ، والمستعان في كل الأحوال .

Ibrahi_60@yahoo.com








طباعة
  • المشاهدات: 29534
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
19-06-2013 03:09 PM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
برأيك.. ما خيارات ترامب للتعامل مع إيران بعد فوزه بانتخابات الرئاسة الأمريكية؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم