22-06-2013 09:58 AM
بقلم : علي فريحات
هناك ثلاثة ملفات أعتقد أنها تهم السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي بالدرجة الأولى، سترتكِّز عليها سياسة حكومة الرئيس الإيراني المنتخب حسن روحاني، وهي: (السياسة الخارجية، الطائفية والسلاح النووي).
الملف الأول هو السياسة الخارجية الإيرانية، والدور الإيراني في المنطقة سواء منطقة الخليج العربي أو المشرق بشكل عام، والإشكالية الرئيسة بالنسبة لدول المنطقة في تصوري أن السياسة الخارجية تقوم على نفس طائفي ونحن لدينا ما يكفي من الطائفية في الثقافة العربية ولسنا بحاجة إلى قوة مثل إيران تزيد الأمر سوءاً.
وحينما أقول إن السياسة الإيرانية تقوم على نفس طائفي ذلك لسببين: الأول هو أن إيران تعرف نفسها كدولة دينية تقوم على المذهب الشيعي الإثنى عشري حسبما ينص دستورها الذي يحتوي على بنود كثيرة تدل على ذلك، وفي تصوري أن إيران هي أول دولة في التاريخ الإسلامي تحدد هويتها المذهبية بنص دستوري مكتوب.
هناك دول لها توجه مذهبي واضح، ولكن لا توجد نصوص دستورية مكتوبة ملزمة في هذه الناحية، ونجد مثلاً أن السعودية تعرف نفسها على أنها دولة إسلامية مرجعيتها الكتاب والسُنة ولا تعرف نفسها كدولة سُنية. بينما إيران تعرف نفسها على أنها دولة إسلامية حسب المذهب في المادة الثانية من الدستور، وحينما تأتي إلى المادة 115 من الدستور الإيراني تقول بعدم أحقية أي أحد لا ينتمي إلى المذهب الشيعي الإثنا عشري بالترشح إلى رئاسة الجمهورية، وبالتالي حتى الشيعي (الزيدي، الإسماعيلي..) لا يحق له الترشح ناهيك عن السُني، وأعتقد أنه حتى الإثنا عشري غير المنتمي إلى ولاية الفقية لا يحق له الترشح.
والسياسة الخارجية هي امتداد للسياسة الداخلية للدولة وكلتاهما محكومتان بالمرجعية الدستورية، هذا من الناحية النظرية الدستورية.
وحينما تأتي على مستوى الممارسة للسياسة الخارجية الإيرانية تجد أنها تقوم على إيجاد حلفاء شيعة في الدول العربية، ولا تقتصر على أن تكون علاقة دولة مع دولة، وإذا لم يكن هناك حزب شيعي قوي في الدولة، فهي تقوم بإيجاده وتعمل على إيجاد هذه القوى، ولو تمت المقارنة مع تركيا على اعتبار أن تركيا وإيران هما الدولتان الإسلاميتان الرئيستان في المنطقة من غير الدول العربية، ستجد أن تركيا لا تتصرَّف كدولة سُنية. ومشكلة إيران أنها تتصرف وتدير علاقاتها في المنطقة على أساس أنها دولة شيعية، بينما تركيا لا تتصرف على هذا الأساس، بل على أنها دولة إسلامية ذات أغلبية سُنية مرجعيتها الدستورية علمانية ودولة وطنية، لذا يطغى على علاقة تركيا في المنطقة على أنها علاقات دولة مع دولة، على الرغم من وجود حزب العدالة والتنمية التركي، الذي يمتلك نفساً إخوانياً، نجد أن لديها ميولاً وتحيزات إخوانية مع إخوان مصر وتونس، لكنه لم يتحول إلى عامل متحكم في السياسة الخارجية، إضافة إلى أن التعريف الدستوري لتركيا بأنها دولة غير دينية عكس الدستور الإيراني.
لا أحد يستطيع أن يعترض على وجود دور معتبر لإيران كونها دولة كبيرة ودورها رئيس، ولا نريد أن يكون دورها إشعال الجانب الطائفي، فالتيار الطائفي بالنسبة لنا يضرب برامج الإصلاح، ونحن نريد إصلاحاً يعزِّز مفهوم المواطنة، بين كافة الأطياف والمذاهب.
عندما تأتي إيران وتشجِّع التيارات الشيعية المتطرفة، فهي تضرب المشاريع الإصلاحية في المنطقة، وعليها الابتعاد عن تلك التحالفات الطائفية في المنطقة وتترك لعبة أنها تدعم سنة من خلال دعم حماس (السنة) والمقاومة في لبنان (الشيعة)، والدولة السورية كونها (علوية).
ونلاحظ أنهم لا يتكلمون عن الجانب السياسي في حركات المقاومة التي يدعمونها ولا يهاجمون المبادرة العربية للسلام لكنهم يهاجمون عملية السلام نفسها.
والدول العربية فشلت في حل الصراع من الخمسينيات والستينيات والسبعينيات، كما فشلت في حل هذا الصراع بشكل سلمي. وإيران تستغل هذا الفشل وتعده ثغرة تدخل من خلالها المنطقة، وليس لدي مشكلة في أن تدخل من خلال المشاريع والتواصل مع مؤسسات المجتمع المدني في المنطقة ولكن دون نفس طائفي.
نحن في المنطقة نريد من إيران التخلي عن الأهداف والأسس الطائفية في السياسة الخارجية الإيرانية، ونريدها أن تتصرف كدولة وطنية لجميع الإيرانيين الشيعة وغير الشيعة ولا نفرض عليهم الدستور، فهذا خيارهم، ولكن حديثي عن السياسة الخارجية.
إن الدولة الطائفية تطلب من العالم التصرف معها على أساس المذهب أو الدين، وهذا ما تفعله إسرائيل التي تطلب من العالم التعامل معها كدولة يهودية، وتطرح نفسها على أنها حامية اليهود في العالم، وفي نفس هذا السياق نجد أن إيران تطلب من العالم التعامل معها على أنها دولة شيعية وتفرض نفسها على أنها الحامية للطائفة الشيعية في العالم.
وفيما يخص التحالف مع المملكة، أعتقد أن هذا التحالف لن يكون موجوداً، ولكنني أتحدث عن تفاهم شبيه بما حدث بين الاتحاد السوفيتي وأمريكا. وأعتقد أننا بحاجة إلى إيجاد أرضية تؤدي إلى تفاهم على الملفات الساخنة في المنطقة، ولا يؤدي إلى توتر أكثر، وبما أن المشكلة موجودة في الأساس داخل إيران، فعليها أن تأتي من إيران.
وروحاني كشخصية، يقع بين المحافظين والإصلاحيين كما أنه أقربهم إلى المرشد وابن النظام وهو معتدل في أساليب طرحه، ولكن تلك الصلاحيات التي هي بيد المرشد وليست بيد الرئيس خصوصاً العلاقات الخارجية التي هي بيد المرشد، ولا يستطيع روحاني اتخاذ القرار فيها مثل الطلب من حزب الله الانسحاب من سوريا، أو سحب جنود الحزب الموجودة في سوريا دون ضوء أخضر من المرشد. لكنه في الجانب الآخر يستطيع أن ينتهي من تصريحات وفرقعات نجاد السابقة، ويلاحظ ذلك في اللغة الهادئة التي يستخدمها في المؤتمرات الصحفية.
كما قام في المؤتمر الصحفي الذي عقد بعد الانتخابات، بتحديد الموقف الإيراني من الثورة السورية، وأنه يريد علاقات وتفاهم أفضل مع السعودية التي ذكرها مرتين مرة في حديث مع الشرق الأوسط، ومرة أخرى في المؤتمر نفسه.
كما تحدث عن البرنامج النووي، وقال إن الحديث عن تخصيب اليورانيوم «حديث تجاوزه الزمن»، ويقصد به لن يكون هناك إمكانية لإيقافه، علماً بأن هذا مطلب أساسي للدول (5+1).
وهذا يوضح أن الموقف مع سوريا لن يتغير، ووقف التخصيب لن يتغير، والسياسة الخارجية لن يستطيع أن يفعل فيها شيئا دون ضوء أخضر من المرشد، فعن أي تغير نتحدث، وعلى المراقبين الذين يرفعون سقف توقعاتهم أن يخفضوها كي لا تأتيهم صدمة في الرؤية.
لا شك أن إيران ستكون أهدأ في عهد روحاني من عهد الرئيس السابق نجاد، ولكن جوهر وصميم السياسة الخارجية لن يتغير، ومؤشره الأول هو سوري لأنها حدث مستمر، وكان العالم يتوقع أن إيران ستكون أكثر ذكاء في هذا الحدث الذي تم تحويله من ثورة شعبية إلى صراع مذهبي، والخاسر الأول في هذه المعركة هو حزب الله الذي خسر الشارع العربي.
إن المؤشر الأول الذي سيعطي انطباعاً واضحاً حول السياسة الخارجية الإيرانية، هو ماذا سيكون موقف إيران من الصراع في سوريا؟، هل ستصر على بقاء الأسد، أو حزب الله على الأرض السورية والتمسك بقصة المؤامرة؟، فكيف تقبل وجود شخص في الحكم ويبيد هذا العدد من البشر والإصرار عليه سيكون مدمراً لإيران وسوريا وللعلاقات بين المذاهب في المنطقة.
حيث بدأت تظهر في الآونة الأخيرة مؤسسات للتقارب بين السنة والشيعة، ولكنها ستنهار الآن بعد التمسك الإيراني بالوضع الجاري في سوريا.
أستغرب كثيراً من أن إيران لا تريد أن تتواصل مع دول المنطقة في ملفها النووي، حيث هي الدول المتضررة من هذا الملف، ولا تكلِّف نفسها بأن تتواصل مع الدول الجارة وتبعث لها الطمأنينة، حيث إن كوارث التسرب النووي في العالم يتضرر منها الجيران قبل أي أحد آخر. أرى أن عليها أن تسعى لإشراك دول الخليج التي هي مقصرة أيضاً في هذا الملف، وإذا أصرت إيران على سلاحها النووي فسيكون هناك سباق تسلح نووي في المنطقة بين السعودية وإيران وأي سباق في التسلح سيكون مزعجاً ومنهكاً للمنطقة، لذا عليها التفاهم مع دول المنطقة والخروج من التصريحات النارية بخصوص السلاح النووي.
ولا أخفي في الختام أن شخصية الرئيس الإيراني المنتخب حسن روحاني حسبما ذكر المقربون منه، أنه شخصية هادئة ومميزة في التعامل مع الآخر، وأرى أن عليه السعي لتغيير هذا الأسلوب في التعامل مع السياسة الخارجية لتعود إيران كدولة محورية متفاهمة مع دول الجوار على كافة الملفات العالقة والسابق ذكرها. ونحن كمثقفين في المنطقة نرحب بوجود هذه الشخصية التي تسعى للتهدئة ولكن الجوهر هو ماذا سيتغير في الملفات التي سبق ذكرها؟