25-06-2013 09:38 AM
بقلم : د. إبراهيم بدران
صدر عن هيئة الطاقة النووية تقرير مفصل بعنوان الكتاب الأبيض يتضمن الكثير من المعلومات حول الطاقة النووية والمحطة المزمع أنشاؤها في الأردن لتكون عاملة عام 2020. وأصبح هذا التقرير مرجعاً للهيئة أو لغيرها عند بحث مدى أولوية الطاقة النووية وجدواها و مبرراتها. ومع هذا فمن حق المواطن العادي أو المتخصص على حد سواء، أن يعلم بعض التفاصيل والملاحظات التي ينبغي التعامل معها. فمن حيث النظرة العامة نلاحظ
أولاً: أن الكتاب الأبيض المذكور قائم على افتراضات وأرقام تعود في جزء كبير منها إلى عام 2010 وما قبلها ،علما بأن تغيرات كبيرة قد وقعت خلال السنوات القليلة الماضية، سواء فيما يخص تكاليف إنشاء المحطات النووية، أو تكاليف إنتاج الطاقة من مصادر بديلة أو تكاليف السلامة و الأمان. كما أن الكتاب ينطلق من موقف التأييد المسبق للمشروع، في حين يفترض أن يكون حيادياً ومن ثم موصلاً إلى النتيجة المطلوبة. وطبعا لم يتعرض الكتاب للبدائل الأخرى وخاصة الطاقة الشمسية والصخر الزيتي . ثانيا: لم يتعرض الكتاب الأبيض كذلك للاتفاقيات التي تم عقدها مع الأطراف الأخرى الداخلة في المشروع، وفيما إذا كانت هذه الاتفاقيات عادلة وسليمة ومنصفة، ولا تعرض المصالح الوطنية من اقتصادية ومالية وبيئية وصحية وإستراتيجية وأدبية وقانونية للخطر . خاصة وأن هذه الاتفاقيات لم تأخذ موافقة مجلس النواب، ولم تنشر للاطلاع عليها ودراستها من قبل الخبراء. وهذا جانب أساسي ينبغي أن يتعامل معه الكتاب الأبيض.
ثالثا: تناول الكتاب الأبيض الموضوع الجيوسياسي على شكل عبارات عامة، ولكن لم يشر إلى موقف الدول المجاورة من مسألة الإشعاع، أو احتمال تصدير الكهرباء أو فرض الشراكة في المحطة أو غير ذلك. وهو أمر ورد في تقارير أخرى.. ماذا لو اعترض المجتمع الإسرائيلي على المحطة النووية لقربها من إسرائيل؟ هل يقتضي الأمر توقيع مذكرة تفاهم مسبقة و معلنة مع إسرائيل حتى لا تضع العراقيل إثناء العمل أو بعده؟
لقد أوصى مجلس النواب السادس عشر بوقف السير في المشروع ريثما تكتمل الدراسات الاقتصادية والفنية. إلا تعتبر هذه التوصية محطة قانونية ينبغي التوقف عندها؟
رابعا :وفي الجانب الاقتصادي والمالي فإن الأرقام المالية والاقتصادية الواردة في الكتاب غير دقيقة وبعيدة عن الواقع. منها على سبيل المثال: توقعات نمو الناتج المحلي، وكلفة الإنشاء وكلفة البنية التحتية وغيرها. كما لا يبين الكتاب الأبيض مسألة التمويل من قريب أو بعيد. وهي واحدة من المشكلات الكبرى، خاصة وأنه يتحدث عن كلفة (8.5) مليار دولار في اقتصاد صغير الحجم وعالي المديونية.
خامسا: ومن منظور التوظيف، يشير الكتاب الأبيض إلى أن المشروع سيوظف أكثر من 5000 يد عاملة. وهذا ليس بالمغنم الكبير. إذ يعني أن فرصة العمل الواحدة التي يوفرها المشروع تكلف أكثر من (1.5) مليون دولار، وهي مبالغ هائلة لو تم توظيف أجزاء منها في الطاقة الشمسية والصخر الزيتي وفي تطوير المحافظات لأحدث ذلك انقلابا اقتصاديا اجتماعيا في الأردن.
سادسا: يفترض الكتاب الأبيض إن المرحلة الأولى من ناقل البحر الميت – البحر الأحمر ستكون عاملة عام 2018، وهذا افتراض غير واقعي على الإطلاق. فمشروع ناقل البحرين له أولوية ينبغي أن تسبق المحطة النووية، لأنه ليس هناك من بديل لمواجهة أزمة المياه الخانقة سوى تحلية المياه، سواء في العقبة أو على طريق البحر الميت . هذا في حين أن بدائل الطاقة أصبحت متعددة.
سابعا: أن مياه التبريد للمفاعل مسألة بالغة الحيوية، وقد مر عليها الكتاب الأبيض بسرعة خاطفة، وقال يعتقد أن مياه خربة السمراء ستكون كافية بعد أعادة تكريرها تكريراً ثلاثياً. وهذا غير كاف ولا مطمئن. إن جميع محطات العالم النووية مقامة على مواقع ومصادر مائية كبيرة، باستثناء محطة واحدة فقط في العالم ليست على مصادر مائية كبيرة وهي في الولايات المتحدة الأمريكية. وستكون المحطة المقترحة هي الثانية في العالم. فهل تتوفر لدى الأردن إمكانات مشابهة كما هو في الولايات المتحدة؟.
ولم يتعرض الكتاب الأبيض ولا تقارير هيئة الطاقة النووية إلى كميات المياه اللازمة في حالة الكارثة النووية . وهذه من أخطر القضايا المصيرية على الإطلاق، ولا من أين ستأتي تلك المياه. لقد تم ضخ المياه لتبريد مفاعل فوكوشيما لأكثر من عام بكميات تجاوزت مئات الملايين من الأمتار المكعبة. هل يمكن استبعاد وقوع كارثة نووية؟ ومن يتحمل مسؤولية مثل هذا القرار؟. إن افتراض هيئة الطاقة النووية بأن المفاعل سيبرد نفسه في حالة الحوادث النووية أمر غير مقبول من منظور علمي و عملي ووطني. وليس هناك مفاعلات مجربة على مدى سنوات تحت هذه الفرضية. ولا يستطيع أحد المخاطرة على المستوى الوطني بمثل هذا القرار.
ثامناً: أفرد الكتاب صفحات مطولة للحديث عن الجوانب الاقتصادية مثل البطالة والناتج المحلي الإجمالي وفرص العمل. وهي ليست جوهرية بالنسبة للموضوع ،واختصر في جوانب أساسية مثل اختيار الموقع ومتطلبات السلامة. ولعل موقع المفاعل من أهم المسائل التي ينبغي التعرض لها. ولكن الكتاب مر عليها بسرعة خاطفة وفيها كثير من الغموض والضبابية. ولم يربط الكتاب الأبيض بين موقع المحطة وبين تحلية المياه والتي يشير إلى أهميتها في مواقع مختلفة. من أين ستأتي المياه المحلاة؟ هل هي من البحر والمحطة البعيدة 350 كم عن البحر؟ أم من قناة البحرين؟ وهي التي لم تنشأ حتى الآن ؟أم سيتم نقل الطاقة إلى العقبة وإنشاء محطة تحلية فقط هناك؟ ثم يعاد ضخ المياه من العقبة إلى شمال البلاد ووسطها. وما هي المنشآت اللازمة؟ وما هي الجدوى والكلفة لكل ذلك؟ هناك غموض كبير وعدم تقدير للكلف المالية.
تاسعاً: لم يشر الكتاب الأبيض إلى ضمان الاحتياطات الواجب اتخاذها لمنع التلوث الإشعاعي للتربة والمياه والهواء. والتي تتطلب دائرة أمان يتراوح نصف قطرها بين (26) إلى (36) كم. وتزداد هذه المسافة في الأجواء الحارة الجافة وشبه الصحراوية. وهذا أمر له علاقة مباشرة باختيار الموقع وبسلامة الإنسان والحيوان والبنات.
وأخيراً ، و نظرا لان التسرع في تمرير مشروع المحطة النووية يحمل من الأخطار البيئية و الاقتصادية والإنسانية الشيء الكثير. فلا يجوز أن يمر المشروع دون وجود مبررات كافية ومقنعة علميا و عمليا، بان هذا هو الحل الوحيد المتاح أمام الأردن. الأمر الذي تؤكد جميع المؤشرات بعكس ذلك. ودون استكمال الدراسات،و دون الإجابة على النقاط المبهمة ودون موافقة مجلس الأمة بعد اطلاعه على كافة الاتفاقيات والوثائق، فإن الإصرار على السير في المشروع يحمل معه أخطارا جسيمة للحاضر و للمستقبل .