26-06-2013 10:01 AM
بقلم : فيصل البقور
مر عامان ، وما زال حمل الحراك يعاني من الطلق سواء الطبيعي او الصناعي ، ولم يزل الكثيرون بانتظار هذا المولود ، لكن يبدو ان فترة الحمل طالت ومعها كانت المعاناة اليومية ، وبدا يتسلل الى الاذهان انه قد يكون حملاً كاذبا ، او ان المولود سيأتي مشوهاً ، عامان وافواهنا حبلى بالكلام وشوارعنا مثخنة ومتخمة من السائرون الى الفراغ .
فما الذي حدث ، اكاد اشك ان العفن الفكري وزيادة نسبة الرطوبة خلال الفترة الماضية كانت من اهم اسباب ما ظهر على سطح طبق الحراك ، ما ادى الى ما يسمى ( التّخمير ) تماما كما يحدث في اي مختبر بالعالم يبحث بإنتاج العفن الصحي من اجل استخدامه ( فيما ينفع الناس ) ، ويبدو واضحا ان بيئة المختبرات يجب ان تكون صحية ايضا حتى لا يدخل اي ملوث ، الامر الذي قد يسبب اختلال بالمعادلة الكيميائية ، لكن في حالة مختبر الحراك اياه كان مكشوفا ، مما ادى الى تعرضه لكثير من الآفات البيولوجية ، التي افرغت المختبر ومواده من مضمونها ‘ على ان تلك الآفات منها ما ظهر من داخل العاملين بالمختبر ومنها ما هو خارجي .
لذا فالنتيجة ستكون سلبية ‘ مهما حاولنا ان نعيد التجربة في ظل نفس الظروف ، وبعد ، اليس من الممكن الوقوف واعادة التجربة لكن ضمن الاسلوب الحديث بدلا من السقوف غير المنتهية للأحلام ، والاصوات غير المسؤولة والادوات البالية بالطرح ، الا يحتم ذلك على من يجرون الناس خلفهم ان( يهبطوا الى الارض ) ويتوقفوا ولو قليلا عن احلام اليقظة التي بالتالي نهاياتها ستكون مؤلمة لمن استمع للحلم او شارك عن غير قصد في انتاج العفن الذي ادى الى تخمّر الافكار منتجا الما مستمر نتيجة تناول اصابع حراكية غير محلاة اوصلتنا الى حالة من سوء وعسر الهضم المزمن .
ان المراقبين وبقية الناس المتأثرين بما جرى اصابهم نوع جديد من الاكسدة الداخلية ، لكل ما يقال بالشارع او عبر اي وسيلة اتصال ، وهذه الاكسدة جعلت الناس يحتارون ويتناحرون بعد اختلافهم مع انفسهم ومع غيرهم ، حول اي حالة غير التي عاشوا عليها وتعودوها ، وان احد لن يقبل ان تستمر ملهاة الشوارع الى ما لا نهاية ، وايضا لن يقبل الكثيرون ان هكذا حراك انه حالة صحية ...على العكس اصبح الناس على قناعة ان ما يجري بالشوارع والساحات المكشوفة والازقة السياسية وزواريب العمل الحراكي ، انما هي ( نهاية اسبوع غير ممتعة ) تحدث تحت الضوء لكن ادواتها تعبث بالظلام وايادي قد تكون ملوثة وافكار متطرفة الى حد الاسفاف اوصلتنا الى هنا ، فلما لا يتوقف هذا العرض الاسبوعي المجاني .
واني اكاد اجزم ان سبب فشلنا سياسياً كعرب هو اننا جميعا ( نفهم بكل شيء ) وانّا عمالقة بالسياسة الداخلية والخارجية وان المعاهد العالمية للديمقراطية اخذت كل مساقاتها من يافطاتنا ، واصبحت تُدرّس في دور العلم الحر والديمقراطي ،
واننا فنانون بالحزن العالمي ، واقتصاديون نوابغ ، واننا ايضا اصل لكل شيء حديث ، لا يا سيدي ما زلنا نحبوا على ارض الديمقراطية ، ولم نتطهر بعد من حدثنا الاكبر والاصغر ، وما زلنا نستعمل الفوط تحت سراويلنا ، القديمة فكرا وحياكة .
عامان اُرهقنا واُشبعنا ، اليس من حق الناس ان يرتاحوا في ظل شجرة وارفة للديمقراطية الحقة ، ان خروج الناس باستمرار يصبح مكلفا ، ومراقبة الناس من الجهات المعنية مكلفا ، وانتظار النتائج مكلفا ، فلا يعقل ان تبقى نفس الوجوه تمر من نفس الشارع وتمر صورهم على نوافذ بيوتنا ، واطفالنا منهم من يخاف ومنهم من يختبئ ونحن نرقب الوطن ، واشياءنا الصغيرة لم تكبر ولن تكبر فنحن متواضعو الاحلام والمطالب ، بسطاء التفكير يهمنا قوت عيالنا لأن اكثر من ذلك اصبح مكلفاً .
وكون بعض المنتجات قد تنتهي صلاحيتها وخصوصا المستوردة ارجوا ان انبه ، ان الشعب لن يتناول معلبات فاسدة مجددا لا بل انه سيُتلف حتى من يقترب من الاضرار بصحته وبقاءه ، خصوصا اذا ما تعافى قريبا من الاكسدة التي يعاني منها ، حيث سيعود رشيقا موصلاً للشحنات الموجبة التي تنير الطريق ، لا التي تسعى الى اطفاء شموع وُجدت لتنير لنا اخر نفق الربيع المستورد وزهوره البلاستيكية الملونة بضجيج زمامير تنطلق لا للتحذير بل للتسلية .