29-06-2013 09:49 AM
بقلم : ربحي شعث
شهدت صيدا اللبنانية أمس حرباً بالمعنى الحقيقي في مشهد أعادنا إلى صيدا 1975 بعدما اشتبك الجيش اللبناني مع أنصار الشيخ أحمد الأسير ما إن لبثت ساعات حتى تدخل حزب الله وحركة أمل في الاشتباك ضد غريمهم المسلح الوحيد الشيخ الأسير في يوم دام خلف عشرات القتلى ومئات الجرحى من كلا الأطراف.
القصة الحقيقية والكاملة لم ولن تضح وخاصة في لبنان فإن الجرائم يبقى مرتكبوها خلف الستار الشفاف الواضح والفاضح, إلا أن السياسة والقوة والتعدد ترمي الحقائق والوثائق إلى بحر لبنان. لكن أغلب التصريحات اجتمعت على أن بعض مناصري الشيخ الأسير استعرضوا القوة بالسلاح أمام حاجز للجيش اللبناني قام على إثره الجيش باستخدام حقه في فرض سيطرة الأمن بقوة السلاح أيضاً مما نجم عن ذلك قتلى من الجيش اللبناني وبدأت المعركة.
نحن بالتأكيد ندين أي تعدي على الجيش اللبناني من أي جهة كانت كونه كان الحاضنة الوحيدة للجميع, بل ونستنكر هذا الهجوم اللي لا نبرره لكن بنفس الوقت نتفهم تصرف هذا الشباب المخنوق والمُصاب بالحنق والمُتأثر بما يحصل من سطوة على البلد من قبل حزب الله المسلح والذي فرض خياراته وقراراته على لبنان من دون حسيب وورّط لبنان والمنطقة بإشعال الفتنة الطائفية من خلال تدخله في سوريا مع آلة القمع والتدمير الدموية التي تنال من الشعب السوري الصامد في ظل محاولة الحكومة اللبنانية جاهدة التمسك بخيار النأي عن النفس.
لقد حاول هذا الشباب المشحون وشيخهم أحمد الأسير إرسال رسائل للجيش اللبناني مفادها أننا سنحمل السلاح طالما حزب الله يحمله وسنتدخل في سورية طالما حزب الله يتدخل وسننتزع منطقة محظورة على الجميع كما انتزع حزب الله جنوب وشمال البلاد. ظناً منهم أن الجيش اللبناني لا تُعاني تركيبته من داء التبعية والحزبية. وقد أراد الأسير إظهار تبعية الجيش للعالم في مصيدة الحركشة إلا أنه وقع في شرك مصيدته عندما إختارت جميع الأحزاب اللبنانية خيار الأخف ضرراً وهو الإلتفاف حول الجيش اللبناني بحسناته ومساؤه.
الجيش اللبناني وفي تعليقه عما حصل تحدث عن هيبته وهيبة الدولة في محاولة بائسة منه لإظهار مدى قوة هذا الجيش الذي دعمته قوات حزب الله وحركة أمل من عدة محاور في مجابهة عشرات المسلحين. الجيش اللبناني يحاول أن يتذاكى عندما يتحدث عن هيبة الدولة التي أهانها حزب الله في تدخله المُباشر في قتل الشعب السوري داخل الأراضي السورية من غير موافقة أو إجماع لبناني بل أعلن زعيمهم صراحة بالتدخل بعد ساعات من طلب رئيس الجمهورية اللبناني ميشال سليمان بضرورة عدم زج لبنان في الصراع السوري. ولم نشاهد هيبته عندما قتل أحد رجال حزب الله ضابطاً لبنانياً من الجيش اللبناني بل وعندما تم الإفراج عن القاتل بعد عدة شهور. هنا نتساءل لا لأننا هواة تخريب بل لأننا طالبي عدالة ولأننا نرفض الكيل بمكيالين ولأننا نرفض التفريق بين معتدي ومعتدي ومسلح ومسلح وطائفة وطائفة. ما قام به الجيش اللبناني يمثل حالة خطيرة في طريقة التعامل مع الخارجين عن القانون فلم يجرأ الجيش الاقتراب من معاقل حزب الله ولا التعامل مع خروقاتهم كما تعاملت مع أهل صيدا وطرابلس. ما شاهدناه من الجيش اللبناني في نهر البارد وصيدا هو تماماً ما نشاهده في سورية على يد النظام الدموي من قسوة ودكّ على رؤوس كل أهلها من مسلحين ومدنيين. فأين ربع ما قام به هذا الجيش عندما احتل حزب الله بيروت في السابع من أيار – بغض النظر عن الأسباب ومدى اتفاقنا معها أو اختلافنا- وأينه من تدخل حزب الله في الشأن السوري؟؟
الشيخ الأسير أخطأ في التقدير من خلال اصطدامه مع الجيش والدولة بانفعالية فتم التعدي على حرمة مسجد بلال ابن رباح الذي كان يتحصن فيه وتم تدميره فدفع الثمن وخرج من البلاد كما قيل, ثم ماذا بعد؟ القوة السنية المسلحة الوحيدة في لبنان تم القضاء عليها ولو مؤقتاً بأيدي جيش يكيل بمكيالين وحزب متورط بقتل مدنيين من باب طائفي بحت. ودولة لبنان مرهونة بحكومة تنأى عن نأيها ولا قرار لها. قوى 14 آذار ستكون الخاسر الأكبر في لبنان بعدما تم التخلص من مصدع رأس حزب الله في حين بقيت رؤوس 14 آذار خارج البلاد. أما الجيش اللبناني والذي إستخدم حقه بالتأكيد هو الرابح من المعركة لكن كل التساؤلات التي طرحناها قد طرحها كثير من اللبنانيين إذ جعلته تحت طائلة الإتهام بالتبعية.
حزب الله الذي دفع البلاد والمنطقة إلى حالة غليان وإشعال نار الحقد الطائفي بين الشعوب العربية والإسلامية خاصة من خلال تدخله السافر في سورية وتدخله في معركة صيدا التي لم تكن الأولى, مما كان له الأثر بتأجيج الصراع الطائفي وإنتقاله إلى مواطن أخرى كمصر وإذ نخشى هنا أن يستمر الحزب في حربه الطائفية ومن خلال دعمه للنظام السوري على المنطقة وخاصة في لبنان المأسورة وسورية المجروحة وحتى فلسطين المُنهكة ونطالب الجيش اللبناني بضرورة الوقوف بحزم أمام خروقات حزب الله بالطريقة التي تعامل بها في صيدا على الأقل لفرض هيبته وهيبة الدولة اللبنانية لمنع تكرار الانفجار الذي حصل في صيدا والذي يمكن أن يمتد لطرابلس وغيرها من المناطق المحتقنة في لبنان.