حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الأربعاء ,27 نوفمبر, 2024 م
طباعة
  • المشاهدات: 37236

هل سيخرج الفكر الاستراتيجي العسكري المصري بمصر من آتون الأزمة ؟

هل سيخرج الفكر الاستراتيجي العسكري المصري بمصر من آتون الأزمة ؟

هل سيخرج الفكر الاستراتيجي العسكري  المصري بمصر من آتون الأزمة ؟

01-07-2013 11:46 PM

تعديل حجم الخط:

بقلم : الدكتور محمد الرقاد

في خضم التطور المتسارع للأحداث التي تجري على الساحة المصرية ، أصدرت القوات المسلحة المصرية بياناً أوردت جملة من الأفكار والمواقف التي تعكس موقف القيادة العسكرية المصرية من هذا الخط المتسارع لما يجري على الأرض في مدينة نصر وفي ميدان التحرير وفي كافة المدن والمحافظات المصرية . وقبل أن نتناول بالتحليل هذا البيان ، نبدا بالدعوة الصادقة للأشقاء المصريين أن يجتازوا هذه المحنة ، وفي اعتقادنا أنهم قادرون ، فلديهم من الحكمة والرشد والقيادات ذات الفكر الاستراتيجي السياسي والعسكري والاجتماعي والاقتصادي وغيره ما يكفل لمصر الخروج من هذه الأزمة معافاة ، رغم تعقد المسألة ، وتشابك المواقف فيها . ولا بد من الإشارة هنا إلى أن البيان قد تمت صياغته بدقة عالية ، آخذة ــ أي الصياغة ـــ بعين الاعتبار الأصول الديمقراطية في تعامل العسكر مع هكذا أزمة ، إلا أن الظروف الراهنة على الساحة السياسية المصرية قد الزمت صياغة البيان بالابتعاد عن بعض التصريح والاكتفاء بالتلميح أحياناً حتى تثبت القوات المسلحة حيادها الذي أشار اليه البيان وابتعادها عن التشابك السياسي المصلحي للأطياف السياسية على الساحة المصرية ، وحتى تنأى بنفسها عن أي تفسير قد يسجل عليها موقفاً لصالح أي طرف من أطراف التوجهات السياسية المختلفة .

أما بالنسبة للبيان فقد جاء تأكيداً على وعي القوات المسلحة المصرية للأخطار التي تحدق بمصر في الظروف الحالية ، وإدراكها لما يمكن أن تتمخض عنه الأحداث ــ التي أخذت منحىً متسارعاً ومتصاعداً ــ من إضرارٍ بمصر كلها على الصعد السياسية والاجتماعية والاقتصادية كافة ، وبخاصة الأضرار التي قد تلحق بالأمن الوطني المصري ، ويمكن القول بأن البيان قد استند إلى عدة مرتكزات أهمها :
أولاً : الوعي الاستراتيجي لدى القيادة العسكرية المصرية العليا التي استشعرت بشكل مبكر وأدركت أهمية أبعاد هذه الأحداث على الصعد العسكرية والأمنية والسياسيةكافة .
ثانياً : الواجب الوطني التي تضطلع به القوات المسلحة يفرض عليها أن تكون صمام الأمان للأمن الوطني المصري ، وقد ترجم إصدار البيان هذا الدور لتؤكد القوات المسلحة بأنها الضامن الأول للأمن الوطني المصري .
ثالثاً : الأخذ بعين الاعتبار إرادة الشعب المصري ، حيث أشاد البيان بالطريقة الديمقراطية التي عبّر بها الشعب المصري عن رأيه بشكل سلمي وحضاري حتى لحظة إصدار البيان ، إذ أنه ليس من السهل التكهن بما سيحدث خلال الأربع والعشرين ساعة أو الثماني والأربعين ساعة القادمة .
رابعاً : الإحساس بالمسؤولية من منطلق أن الوقت ينفذ والأحداث تتسارع ، ومع الدعوات الموجهة للشرائح السياسية عامة ، إلا أنه لم تظهر استجابات لهذه الدعوات ، مما اضطر القوات المسلحة للخروج بهذا الإعلان الذي يعتبر تحذيراً جاداً وفرصة أخيرة لكل أشكال الطيف السياسي المصري ، بمعنى أن كل ما ورد في البيان موجه لمن هم في السلطة ولمن هم في المعارضة بلا استثناء . وهنا يمكن الوقوف على ثلاث حقائق رئيسة في البيان يمكن ايرادها ومناقشتها باختصار على الشكل الآتي :
01 ان القوات المصرية لن تكون طرفاً في في دائرة السياسية والحكم كما أكد البيان ، بمعنى أنها لن تكون طرفاً في السلطة _ واعتقد أن المقصود بذلك في المستقبل فيما لو اضطرت لوضع خارطة لمستقبل مصر كما أشار البيان _ ، ومن المعتقد هنا أن في هذا التوجه حكمة ورشد ووضوح في الموقف ، حيث يشير هذا التوجه إلى أن ما يهم القوات المسلحة المصرية الآن هو الحفاظ على الأمن الوطني المصري ، وأزاء هذا التوجه فإنها _ أي القوات المسلحة _ ستقف على المسافة نفسها من كافة أطياف القوى السياسية في مصر ، فدورها الرئيس هو حماية مصر والمواطن المصري والمصلحة العليا للدولة المصرية ، حيث أشار البيان إلى أنها لن تخرج عن دورها المرسوم في الفكر الديمقراطي الأصيل النابع من إرادة الشعب المصري .ولكن السؤال هنا كيف يمكن الحفاظ على هذه المعادلة وهذا الطرح النبيل وأمامها إرادة شعب موزعة ما بين موالاة ومعارضة للنظام السياسي القائم في الوقت الذي ترتبط فيه القوات المسلحة بموجب الدستور برئيس الجمهورية الذي يتمتع بالولاية والصلاحية باتخاذ القرار بموجب الصلاحيات الممنوحة له في الدستور ، وهي في الوقت نفسه لن تفرض نفسها كطرف في الوضع السياسي القائم .
02 لقد وضعت القوات المسلحة في بيانها مهلة مدتها ثمان وأربعون ساعة ، واعتبرتها فرصة أخيرة _ والبيان موجه لجميع القوى السياسية _ ومن الواضح هنا بأنها تشمل مؤسسة الرئاسة ، لتنطلق بعدها في تحمل دورها التاريخي إزاء الظرف الراهن ، إضف لذلك المهلة التي حددتها المعارضة للرئيس المصري حتى يتنحى ، وهذه المهلة ستنتهي قبل المهلة التي حددها بيان القوات المسلحة ، فماذا لو حصل تناقض بين المهلتين ؟ .
03 طالب البيان بتحقيق مطالب الشعب خلال المهلة المحددة ، والشعب هنا فيه موالاة وفيه معارضة للسلطة الحاكمة ، فالموالاة تؤيد السلطة الحاكمة والمعارضة تطالب برحيل الرئيس المصري الدكتور محمد مرسي وتنحيه عن الرئاسة ، مما يجعل مطالب الشعب في البيان تخضع لأكثر من تفسير ، حيث ستفسرها الموالاة بمطالبها القاضية باستمرار الرئيس ، ومن جانب آخر ستفسرها المعارضة بمطالبها القاضية بتنحي الرئيس .
04 ان القوات المسلحة تتحمل مسؤولية وطنية وتاريخية إزاء بلادها ، واستناداً لهذه المسؤولية ، وإذا لم تستجب القوى السياسية جميعها على الساحة المصرية ، والمقصود بذلك الاتجاهات الوطنية المختلفة كافة بما فيها الشباب ، فإنها _ أي القوات المسلحة _ سوف يكون لزاماً عليها واحتراماً لمطالب الشعب المصري ستقوم بوضع خريطة مستقبل وإجراءات تشرف على تنفيذها كما أوضح البيان ، والسؤال الآن : ما السناريوهات المتوقعة لهذه الخريطة ، والتي أشار البيان بأنها لن تقصي أو تسبعد أحداً .
إزاء هذه الحقائق وبخاصة خريطة المستقبل يمكن توقع عدد من السيناريوهات التي يمكن تلخيصها على الشكل الآتي :
الأول : إسناد مهمة قيادة البلاد إلى مجلس قيادة أعلى يضم مدنيين وعسكريين ، ويكون تحت إشراف القوات المسلحة دون تدخل منها ، بحيث يقوم على تسيير دفة الأمور في البلاد حت يتم اتخاذ الإجراءات الدستورية ، وهذا يعني بشكل مباشر أو غير مباشر خروج الرئيس المصري من السلطة إما بالتنحي أو عن طريق استعدادة للترشح مرة ثانية للرئاسة ، وهنا يكون قد تحقق هدف المعارضة بإبعاد الرئيس المصري عن منصة الحكم ولو مؤقتاً ، لأنه ريما سيعود هو أو غيره من نفس الحزب الذي ينتمي اليه _ إذا تمكن ذلك _ من خلال صناديق الاقتراع ، وهنا قد يقود هذا السيناريو الوضع باتجاهين ، الأول باتجاه تخفيف حدة التوتر والاحتقان لدى المعارضة ، ولكنه سيؤجج مشاعر الغضب لدى الموالاة الحالية للرئيس المصري الدكتور محمد مرسي ، وسيطور الأحداث بشكل أكثر ، وسيضع القوات المسلحة في موقف لا بد أن ترى فيه ضرورة المحافظة على الأمن والنظام من قبل كل من سيخرج عن قاعد الأمن .
الثاني : أن يتم التوصل إلى صيغة توافقية يبقى خلالها الرئيس المصري في الحكم على رأس النظام السياسي ، مقابل الجلوس إلى طاولة المفاوضات بحيث تتم الاستجابة إلى مطالب المعارضة التي تقول فيها أنها مطالب الشعب المصري دون تنحي الرئيس في الظروف الحالية كونه رئيساً منتخباً جاء عن طريق صناديق الاقتراع ، وهنا لابد وأن تتأجج مشاعر المعارضة التي مازالت تصر على تنحي الرئيس ، والا فما فائدة دعوتهم للملايين من المصريين الذين تدفقوا إلى ميدان التحرير وإلى كافة الساحات في المدن والمحافظات المصرية عامة ، مع أنه قد يخفف من جانب آخر حدة التوتر لدى الموالاة ، ويقلل من لجوئها إلى الطرق غير السلمية .
الثالث : اللجوء إلى إجراء استفتاء عام ، ويتوقع لهذا السيناريو أن يكون مرفوضاً من قبل كل الأطراف ( الموالاة والمعارضة ) على حدٍ سواء ، فالموالاة سترفضه بحجة أن الرئيس قد جاء بطريقة ديمقراطية وعن طريق صناديق الاقتراع ، والمعارضة سترفضه بحجة أن إرادة الشعب هي التي تنادي بتنحية الرئيس ، وهنا قد تتسارع وتيرة النزاع بين الموالاة والمعارضة ، الأمر الذي قد يقود إلى ما لاتحمد عقباه ، وهنا ستجد القوات المسلحة نفسها مضطرة للمحافظة على المصلحة العليا للدولة المصرية بفرض النظام ، والذي قد يأتي بأكثر من طريقة كالطرق الدبلوماسية وعن طريق القوة ، ولكن الطريقة الأكثر فاعلية هي القوة .
وهنا يرى المراقب أن الوضع السياسي السائد بين الاتجاهات السياسية على الساحة المصرية معقد وشائك إلى حد كبير ، والوضع المادي على الأرض أشد تعقيداً ، فالكل يحشد من طرفه لإظهار كثرتة وأغلبيته في الشارع .
ومع إمكانية تنفيذ أحد السيناريوهات ، أو أي سيناريو متوقع آخر لم يخطر ببال الكاتب ، فإن وجهة النظر في المحصلة النهائية ، خاصة إذا آلت الأمور إلى عدم التوافق ، وتطورت باتجاه الانزلاق إلى المواجهات مما سيؤثر على الأمن الوطني المصري ، فإن القوات المسلحة ستقف بكل حزم ، وستنحاز إلى المصلحة العليا للوطن وستحافظ على أمن المواطن المصري من منطلق أساس هو أن مصر فوق كل الأشخاص وفوق كل المصالح ، وستفرض القوات المسلحة بآلية ديمقراطية سواء بالقوة الدبلوماسية أو القوة العسكرية الحل الذي سيخرج بمصر من عنق الزجاجة ، وفي الاعتقاد أنها قادرة على ذلك ، في إطار الفكر العسكري الاستراتيجي المتنور الذي تتحلى به العسكرية المصرية ، وبالتأكيد سيصل بمصر إلى بر الأمان .

اللواء المتقاعد د. محمد خلف الرقاد
باحث في العلوم السياسية








طباعة
  • المشاهدات: 37236
برأيك.. هل اقتربت "إسرائيل" ولبنان من التوصل لاتفاق إنهاء الحرب؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم