07-07-2013 11:39 AM
سرايا - سرايا- في ذلك اليوم التقى كبار القادة بالرئيس محمد مرسي أول رئيس يصعد لقمة السلطة في انتخابات في البلاد وتحدثوا معه بصراحة مؤلمة وأبلغوه بما ينبغي له قوله في الكلمة التي كان من المقرر أن يوجهها للشعب مع تصاعد الاحتجاجات في أنحاء البلاد.
وووفقا لما نشرته وكالة رويترز قال ضابط كان حاضرا في الغرفة التي عقد فيها الاجتماع للوكالة "طلبنا منه أن يكون الخطاب قصيرا وأن يستجيب لمطالب المعارضة بتشكيل حكومة ائتلافية ويعدل الدستور وأن يحدد إطارا زمنيا لهذين الامرين.
"لكنه خرج بخطاب طويل جدا لم يقل فيه شيئا.
وعندها عرفنا أنه لا ينوي اصلاح الوضع وأن علينا الاستعداد للخطة الاحتياطية."
وأضاف الضابط "كنا مستعدين لكل الاحتمالات من العنف في الشوارع إلى اشتباكات واسعة النطاق وجهزنا القوات لهذين الاحتمالين."
وطلب الضابط عدم نشر اسمه مثل الضباط العاملين الاخرين الذين أجرت رويترز مقابلات معهم بسبب حساسية الوضع.
ومع ازدياد التوتر في الايام التالية ظل مرسي على موقف التحدي. وقال مصدر عسكري إنه في مكالمة أخيرة مع القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول عبد الفتاح السيسي يوم الاربعاء ضحك الرئيس استخفافا بالمظاهرات الحاشدة التي نظمها المعارضون له.
وقال المصدر المطلع على اتصالات السيسي "لم يكن يصدق ما يحدث."
وتبخرت أي آمال متبقية أن يدعو الرئيس الملتحي إلى استفتاء على مستقبله أو يتنحى في هدوء.
وعقب ذلك ومع خروج الملايين إلى الشوارع نفذ الجيش خطته فاحتجز مرسي في مجمع الحرس الجمهوري وألقى القبض على قيادات رئيسية في جماعة الاخوان المسلمين وتولى السيطرة على عدد من الأجهزة الاعلامية.
وهكذا انتهت أول محاولة للتوفيق بين الاسلام السياسي والديمقراطية في مصر بعد عامين ونصف العام من الاطاحة بحسني مبارك في ثورة شعبية.
وتبين السهولة والسرعة التي سقط بها مرسي هشاشة الربيع العربي الذي أطاح بعدد من الحكام العرب.
فحتى الان لم تتحقق بالكامل الآمال بأن تؤدي الانتفاضات الشعبية إلى ترسيخ الديمقراطية رغم أن التجربة مازالت تحرز تقدما في تونس.
ويوضح سقوط مرسي في مصر الطابع الهش للمنطقة وغياب العمق المؤسسي اللازم للحفاظ على الديمقراطية عندما تتغير اتجاهات الرأي العام. والنتيجة في مصر وغيرها انقسامات عميقة وعدم استقرار.
كما أن سقوط مرسي جدد النقاش فيما إذا كان من الممكن أن يتعايش الاسلام السياسي مع الديمقراطية. فلم تستمر تجربة الاخوان المسلمين في السلطة سوى أكثر قليلا من عام واحد.
ويشير أعضاء بجماعة الاخوان إلى مفارقة تشجيع الغرب للديمقراطية وفي الوقت نفسه منح التأييد في هدوء لانقلاب عسكري.
كذلك كشفت خطوة الجيش الكثير من الصعوبات التي واجهها الاخوان في الحكم إذ يشكو المصريون والمستثمرون على السواء من الفوضي التي سادت بعض الوزارات ودفع الاخوان برجالهم من ذوي الخبرات المحدودة لشغل مواقع قيادية. وقد سجلت البورصة المصرية ارتفاعا كبيرا عقب الاطاحة بمرسي.
وكانت أخطاء مرسي نفسه جسيمة على النقيض من الطريقة التي صعد بها نلسون مانديلا إلى قمة هرم السلطة في جنوب افريقيا حاملا رسالة الوحدة والتسامح.
لم يكن مرسي أستاذ الهندسة بإحدى الجامعات الاقليمية زعيما سياسيا بطبعه. إذ لم يصبح مرشح الاخوان في الانتخابات إلا بعد عدم تأهل المرشح المفضل عند الجماعة. ومع ذلك فقد أبدى الرئيس الجديد بعض الحسم عندما تولى منصبه وجمع في يده سلطات كثيرة الأمر الذي أدى إلى استعداء قطاع عريض من خصومه الليبراليين والاسلاميين.
وعقب انتخاب مرسي في يونيو حزيران 2012 بأغلبية 51.7 في المئة من أصوات من شاركوا في الانتخابات أحال اثنين من كبار قادة الجيش للتقاعد أحدهما هو المشير حسين طنطاوي الذي ظل 20 عاما وزيرا للدفاع في عهد مبارك في خطوة بدا أنها تمثل فكاكا من أسر الماضي.
وعين مرسي السيسي (58 عاما) قائدا جديدا للجيش.
والسيسي من ضباط سلاح المشاة قضى فترات كقائد ميداني ودرس في إحدى الكليات العسكرية بالولايات المتحدة كما تولى منصب الملحق العسكري في السعودية. وبدا أنه اختيار جيد للعمل مع مرسي وجماعة الاخوان التي تريد ابعاد الجيش عن الساحة السياسية بعد أن تصدر المشهد عشرات السنين.
لكن العلاقات بين مرسي وقادة الجيش الجدد تدهورت خلال شهور من تنصيبه. بل إن نجاح مرسي في التفاوض على وقف لاطلاق النار بين اسرائيل وحركة حماس الاسلامية التي تدير قطاع غزة أثار إستياء العسكريين.
وقال المصدر الأمني "تدخل مرسي في حرب غزة جعل مصر ضامنا لعدم قيام حماس بأي هجمات على اسرائيل وهذا يمثل تهديدا للأمن القومي المصري لأنه إذا شنت حماس هجوما فقد يدفع ذلك اسرائيل لرد انتقامي منا."
كما تحدث مرسي بلا مواربة عن احتمال مشاركة مصر في "الجهاد" للاطاحة بالرئيس السوري بشار الاسد وأثار احتمال القيام بعمل عسكري بسبب سد تبنيه اثيوبيا على نهر النيل.
ونتيجة لذلك زاد ارتياب قيادة الجيش فيه إذ رأت أنه يخاطر باشراكها في صراعات دون التشاور الواجب مع كبار القادة.
وشعر القادة العسكريون بقلق لا يقل شدة إزاء الاستقطاب السياسي والطائفي في مصر في ظل التدهور الاقتصادي الحاد. وكانوا قد أمنوا وضعهم في الدستور الجديد الذي وضعه حلفاء مرسي وتم استفتاء الشعب عليه في ديسمبر كانون الاول الماضي فضمنوا بذلك أن تظل مراجعة البرلمان لموازنة القوات المسلحة وعقود التسلح والسيطرة على قناة السويس محدودة.
لكن قلقهم تزايد لما رأوه من خطر وصول الأمر إلى حد الحرب الاهلية.
وعندما تولى مرسي منصبه كان الاقتصاد المصري الذي زاد الاثرياء ثراء والفقرا فقرا في سنوات مبارك الأخيرة في أزمة بالفعل.
لم يكن المجلس العسكري الذي حكم مصر في فترة انتقالية استمرت 16 شهرا عقب سقوط مبارك قد أجرى أي اصلاحات لنظام دعم السلع الغذائية والوقود أو التفاوض على اتفاق قرض مع صندوق النقد الدولي خشية اندلاع احتجاجات جديدة. وجفت موارد السياحة والاستثمار أو كادت بسبب الاضطراب السياسي.
وزادت حكومة مرسي المرتبكة الطين بلة. وبينما ظلت جماعة الاخوان المسلمين أكثر القوى السياسية تنظيما ونفوذا من خلال ادارة شبكة للدعم الاجتماعي وتقديم خدمات للفقراء والمحتاجين شعر ملايين المصريين انه لا يوجد من يمثل مصالحهم.
وأطلقت مجموعة من النشطاء حركة تمرد في أول مايو ايار لجمع التوقيعات للمطالبة برحيل مرسي. واكتسبت هذه الحركة زخما حتى أعلنت أنها جمعت أكثر من 22 مليون توقيع ودعت إلى تنظيم مظاهرات ضخمة في مختلف أنحاء البلاد يوم 30 يونيو حزيران بمناسبة مرور عام على تنصيب مرسي.
وانطلاقا من الغضب الذي شعر به المصريون إزاء مساعي الاخوان للاستحواذ على السلطة وسوء أدائهم في إدارة الاقتصاد خرج الملايين مرددين هتاف "ارحل". واجتذبت المظاهرات المضادة التي نظمها مؤيدو مرسي بضعة مئات الالاف فقط.
وفي اليوم التالي لمظاهرات 30 يونيو حزيران حدد السيسي مهلة مدتها 48 ساعة لمرسي فإما الاستجابة لمطالب المتظاهرين باقتسام السلطة مع المعارضة وإما افساح المجال أمام الجيش لطرح خريطة طريق أخرى.
وقال مصدر عسكري اطلع على التفاصيل إنه في لقاءين آخرين مع الرئيس في الأول والثاني من يوليو تموز الجاري كان القائد العام أكثر صراحة لكن مسعاه قوبل بالرفض.
وقال المصدر "توجه الفريق أول السيسي إليه وقال لنا عندما عاد إنه لا يصدق ما يحدث وقال إن المحتجين بين 130 و160 الفا فقط. قلت له: لا سيادتك إنهم أكثر بكثير من ذلك وعليك أن تستمع لمطالبهم."
وأضاف المصدر "في الاجتماع الثاني ذهب السيسي ومعه تسجيل فيديو للاحتجاجات أعده الجيش وقال له "سيادتك الوضع خرج عن السيطرة واقتراحاتك لتغيير الحكومة وتعديل الدستور الان فات أوانها ولن ترضي الشارع. أقترح أن تدعو لاستفتاء على استمرارك في الحكم. لكنه رفض وقال إن ذلك غير دستوري ومخالف للشرعية."
وأمام رفض الرئيس كثف السيسي اتصالاته بمحمد البرادعي الذي اختارته جبهة الانقاذ الوطني المعارضة للتفاوض مع الجيش وبالقيادات الدينية للمسلمين والمسيحيين متمثلة في الامام الاكبر أحمد الطيب شيخ الأزهر والبابا تواضروس رأس الكنيسة القبطية. وكان الاثنان قد أيدا حركة الاحتجاج علانية.
كما أشرك قائد الجيش مؤسسي حركة تمرد وزعيم ثاني أكبر الأحزاب الاسلامية هو حزب النور السلفي الذي ينافس الاخوان على أصوات المسلمين.
والتقى الجميع بمقر المخابرات العسكرية في شارع الثورة يوم الأربعاء الثالث من يوليو تموز الذي انتهى فيه إنذار الجيش لمرسي لرسم خارطة طريق لمرحلة انتقالية ثانية.
استمر الاجتماع نحو ست ساعات وتبنى الجيش الخطة التي اقترحتها حركة تمرد ووافقت عليها جبهة الانقاذ.
وقال المصدر العسكري "حاول الفريق أول السيسي الاتصال بزعيم الاخوان المسلمين لاقتراح خيار الاستفتاء لكنه رفض الحضور هو واخرون. كما عرضها على الساسة وغيرهم لكن أعضاء تمرد رفضوها واتفق الآخرون تقريبا على كل شيء اقترحته تمرد."
كان النشطاء الذين يحركون الشارع وعددهم يزيد قليلا على العشرين هم من أخذوا بزمام الأمور.
كانت أطراف خارجية تشعر أيضا بالقلق لأسباب ليس أقلها أن مصر تحصل على قدر كبير من المعونة الامريكية وأن مرسي كان يمثل فرصة للديمقراطية في المنطقة. فقال البيت الابيض إن الرئيس الأمريكي باراك أوباما اتصل خلال زيارته لتنزانيا بمرسي يوم الاثنين الأول من يوليو تموز وحثه على الاستجابة لمطالب المحتجين.
وقال وزير الخارجية الامريكي جون كيري للصحفيين خلال جولة في الشرق الاوسط الاسبوع الماضي "قدمنا توصيات كثيرة لاصدقائنا في مصر. نحن نحاول المساعدة مثلما تحاول دول أخرى لايجاد مكان للمعارضة في العملية السياسية لتنفيذ بعض الاصلاحات الاقتصادية التي تسهم في جذب الاعمال ورأس المال وبدء تحريك الاقتصاد."
لكن مسؤولين أمريكيين آخرين أبدوا تشككا في قدرة مرسي على توحيد البلاد والخروج من الأزمة. وخلف الكواليس اتصل وزير الدفاع الامريكي تشاك هاجل اتصالات بالسيسي حسبما أعلن البنتاجون (وزارة الدفاع).
وامتنعت الوزارة عن الافصاح عما دار بين الرجلين لكن المصالح المشتركة بينهما كثيرة. فمصر تتحكم في قناة السويس التي تمر عبرها نسبة كبيرة من شحنات النفط المتجه للغرب كما أن واشنطن تقدم للقوات المسلحة المصرية مساعدات قيمتها 1.3 مليار دولار سنويا.