13-07-2013 12:06 AM
بقلم : محمد ابراهيم الشقيرات
لا شك في أن العالم ملئ بالمتغيرات بسبب ما تمليه ظروف الجغرافيا والتاريخ واعتبارات المصالح السياسية الأخرى ، وكل دولة تحاول أن ترسم سياستها الخارجية وفق أهدافها الإستراتيجية من خلال النظريات العامة للعلاقات الدولية ، وعادة ما ترتبط السياسة الخارجية لأي دولة بالقرارات السياسية الخارجية لها فهي ليست بمعزل عن ظروف البيئة الداخلية للدولة وان كانت في محصلتها مجموعة من العوامل والظروف التي تتجاوز الحدود الإقليمية للدولة ، ويدخل ضمنها الأفعال وردود الأفعال التي تظهرها الدول الأخرى أو بالتحديد أجهزة اتخاذ القرارات السياسية فيها كما يراها احد رواد التحليل السياسي سنا يدر وزميلاه بروك وسابين.
يبدو أن السياسة الخارجية الإيرانية قد استطاعت على مدار العشر السنوات الماضية ومند عام 2003 على استغلال الظروف الإقليمية التي عاشتها المنطقة العربية بالشكل الذي يخدم أهدافها الوطنية وإستراتيجيتها الرامية إلى الحفاظ على أهداف الثورة الإسلامية التي أطاحت بحكم الشاه عام 1979م , وفي كل حدث إقليمي تجد فيه إيران فرصة سانحة لخدمة مصالحها الاستراتيجية فهي لا تتردد أبدا في تحديد اتجاه بوصلتها السياسية بالاتجاه الذي يعزز من دورها الإقليمي في المنطقة .
لقد أثار الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 فرصا سانحة أمام صانع القرار السياسي الإيراني المحاط ببيئة إقليمية بالغة التعقيد للتدخل المباشر أو غير المباشر في المشهد العراقي وذلك نظرا لمرتكزات الدور الإيراني المتمثلة في البعد الجغرافي والبعد الإيديولوجي بالإضافة إلى اعتبارات المصالح الأخرى ، وقد أدى الغزو الأمريكي للعراق انطلاقا من الارتباط المذهبي بين شيعة العراق ونظرائهم في إيران وكذلك التعاون الأمريكي الإيراني بما يخدم مصالح الطرفين مند احتلال العراق عام 2003 وحتى انتهاء الحرب رسميا في 15 ديسمبر عام 2011 مزيدا من تعزيز وجودها في العراق بشكل أو بآخر , وقد انتهجت إيران سياسة خارجية ذات أوجه مختلفة في العراق , وهي : دعم الأحزاب الشيعية والعملية السياسية في العراق وهذا من شأنه أنه قد ضمن لها استمرارية النفوذ في العراق .
أما الوجه الثاني فهو : ضمان استمرارية الفوضى التي لا زال الشارع العراقي يعاني منها ؛ الأمر الذي عزز لها الفرص أمام حاجة المجتمع الدولي لها وذلك لتحقيق مزيد من الاستقرار في هذا البلد العربي العريق. وهذا من شأنه أيضا أن يخفف من الضغوط الدولية تجاهها بسبب برنامجها النووي , حيث إن استقرار العراق مطلب دولي نظرا لما يمتلكه من موارد طبيعية أهمها النفط خصوصا في محافظتي البصرة وكركوك الأمر الذي يدعو( الولايات المتحدة الأمريكية ) إلى التفكير في مصالحها الإستراتيجية بعيدا عن سياستها الخارجية المعلنة .
أما الوجه الثالث فهو يتعلق بالاحتفاظ الإيراني بعلاقات سياسية مع السنة والأكراد والشيعة بما يضمن حدا أدنى من النفوذ في حال تغير موازين القوى ، وهذه الوجوه الإستراتيجية قد أثبتت أن لإيران مشروعا سياسيا واضحا في العراق , أما فيما يخص ملفها النووي وسياستها الخارجية المعتمدة من قبلها فقد واكبت الأعوام التي تلت الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 جدلا سياسيا واسعا بين المجتمع الدولي وإيران حيث استطاعت إيران بدبلوماسيتها المعتمدة على سياسة المهادنة والمراوغة تطويل أمد هدا الملف العالق بين أروقة الأمم المتحدة حتى الآن رغم أن هذا الملف له تداعياته الخطيرة مستقبلا على الأمن الوطني العربي وخاصة امن منطقة الخليج العربي.
وفي كل مرة تلعب السياسة الخارجية الإيرانية تجاه هذا الملف دورا في الإيحاء بالقبول الطوعي تارة لإملاءات المجتمع الدولي وتارة بالرفض والادعاء بسلمية هدا البرنامج ورغم العقوبات التي فرضت على إيران بسب هدا الملف إلا أنها لا تزال تنظر إلى البرنامج النووي على انه حق سيادي وانه غير قابل للتخلي نهائيا , شأنها شأن الدول التي تمتلك هذه التكنولوجيا وعلى رأسها إسرائيل , ولعل أهم ما يبرز في الخطاب السياسي الإيراني, بخصوص هذا الملف هو ثباته وعدم تغيره بالرغم انه يدور في حلقة مغلقه لا مخرج لها .
ويأتي التدخل الإيراني في سوريا خلال الأزمة التي تعيشها البلاد مند أكثر من عامين واضحا وعلى مرأى ومسمع المجتمع الدولي بما فيه الولايات المتحدة الأمريكية فهي تقف إلى جانب النظام السوري في محاولة كسر انف قوى المعارضة وهذا دليل آخر على نجاح السياسة الإيرانية في تحقيق أهدافها التي تصب في خدمة مصالحها الاستراتيجية بالرغم من العدائية الظاهرة للموقف الأمريكي تجاهها وكذلك المجتمع الدولي وخير دليل على ذلك ما قاله وزير الخارجية السعودي ، خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده في جده مع نظيره الأمريكي كيري الأسبوع الماضي ، والذي قال به (إن المملكة العربية السعودية تعتبر إن تدخل إيران وجماعة حزب الله في الصراع في سوريا خطير ، مضيفا انه لا يعتبر سوريا إلا أرضا محتله) أما كيري فقد أكد على أهمية الحل السياسي من خلال مؤتمر جنيف2 وهذا يعني إن الولايات المتحدة الأمريكية وإزاء الموقف الروسي والصيني المؤيدين للنظام السوري في أزمته مع المعارضة الداخلية تغض الطرف عن التدخل الإيراني وذراعها العسكري حزب الله في سوريا وهذا نجاح بحد ذاته للسياسة الإيرانية الخارجية في المنطقة العربية برغم الضغوط التي تواجهها من الولايات المتحدة التي تسعى هي الأخرى إلى الخطاب السياسي المتوازن الذي يحفظ لها استمرارية لعب الأدوار التي تخدم مصالحها في المنطقة العربية .
إن المتابع للأحداث الإقليمية التي تمر بها المنطقة العربية مثل الحراكات السياسية في البحرين وفي السعودية واليمن وسوريا ولبنان وأزمة الحكومة اليمنية مع الحوثيين، والخلاف الإيراني مع الكويت على حقل الدرة الحدودي ، واستمرار احتلال إيران للجزر الإماراتية الثلاثة ليدرك تماما أن لصانع القرار السياسي الإيراني دورا بارزا فيها سواء كان هذا الدور مباشرا أو غير مباشر وقد نجحت في استغلال كل هذه الأحداث وتجييرها لخدمة مصالحها القومية والحفاظ على دورها الفاعل في المنطقة .
وأخيرا إن ما حدث في مصر مؤخرا والمظاهرات المليونية التي أطاحت بحكم الأخوان المسلمين عكس أيضا محاولات إيران للتدخل في الشؤون الداخلية العربية ، فإن إيران على ما يبدو تشعر وكأنها المعنية بترتيب الأوضاع السياسية لدى جيرانها العرب ، وقد جاءت توجهاتها الخارجية متراوحة بين الوضوح أحيانا والغموض أحيانا أخرى ، وإن لم تخف معارضتها الإطاحة بالرئيس المصري محمد مرسي، وجاءت تصريحات الناطق الرسمي لوزارة الخارجية عباس عراقي أكثر حدة حين قال مؤخرا أن تدخل القوات المسلحة المصرية في المشهد السياسي المصري أمر غير مقبول، وانه لا يجب الإطاحة برئيس منتخب ديمقراطيا وهو ما رفضته الخارجية المصرية معتبرة ذلك تدخلاً في شؤونها الداخلية.
بقي أن أقول ومن وجهة نظري أن الفكر السياسي الخارجي الإيراني وبما يمثله من أيديولوجية تصدير الثورة يجب أن يقابله فكر سياسي عربي موحد يؤمن بالمصالح المتبادلة، ويخفف من حدة التوترات ، وينتقل بالمنطقة إلى مزيدا من رفاهية الشعوب وتحقيق تطلعاتهم ولكن بالمقابل يجب أن يعي تماما ما يدور في فلك الفكر السياسي المضاد وبناء الاستراتيجيات المضادة اللازمة .
ماجستير إدارة ودراسات إستراتيجية/ كلية الدفاع الوطني جامعة مؤتة
طالب دكتوراه علوم سياسية /جامعة العلوم الإسلامية العالمية