13-07-2013 10:55 AM
بقلم : راتب عبابنة
المتابع للإعلام العربي من خلال الفضائيات وخصوصا الموجه منها، يبدو له واضحا مدى التشفي والبهجة والشعور بالإنتصار بعد الإطاحة والإنقلاب على الرئيس محمد مرسي. ويمكن استثناء عدد بسيط من الفضائيات التي تقف بصف معارضي الإنقلاب. فقناة " العربية " تتقدم الفضائيات المؤيدة لانقلاب العسكر، بينما قناة "الجزيرة" تتقدم تلك التي تقف بصف الإخوان.
لا أحد يستطيع الإدعاء بعدم وجود هجمة شرسة ومنظمة وممولة ضد الإخوان يتم إطلاقها من خلال الفضائيات والمواقع الإخبارية العربية والصحف وهي بغالبها تدور بفلك الدول البترولية.
هناك جدل قائم عنوانه هل ما حصل انقلاب عسكري أم ثورة. الصحافة والإعلام الغربيين يقران بكون ما جرى انقلابا عسكريا بينما البيت الأبيض والإدارة الأمريكية ما زالوا يقلبون الأمر يمنة ويسرة ليقرروا فيما إذا كان انقلابا أو ثورة. وأمريكا لا تستطيع الإقرار بكونه انقلابا عسكريا إلا إذا كانت تنوي إيقاف المساعدات المالية السنوية لمصر والتي أقرت على خلفية اتفاقية كامب ديفيد بمقدار ( 1,3 ) مليار دولار.
وحقيقة هي غير راغبة بقطع هذه المساعدات وبمباركة اسرائيل حتى لا تقوى شوكة الإسلاميين ويخف دوران مصر بالفلك الأمريكي مما يعطي الإسلاميين دفعا وذريعة بأن مصر بحل من أمرها. وهذا يسبب قلقا ورعبا لإسرائيل يقض مضاجعها. والغرب عموما لا يعترف بالإنقلابات العسكرية ولا يأمن جانبها إذ كان الإتحاد السوفياتي سابقا هو الراعي والحاضن والداعم لمثل هذا الإنقلاب. وإن تمت المباركة فذلك يعني انقلابا على الثوابت والديموقراطية التي أقرتها الشعوب الغربية وازدواجية ترفضها الشعوب التي لا تقف صامتة أمام تلاعب حكوماتها بما كافحت من أجله حتى حققته واقعا ينظم حياتها وطريقة حكمها.
وإن بدوت للبعض مدافعا عن الإخوان، فذلك من باب إحقاق الحق وكي لا أبدو كشيطان أخرس. أؤكد عدم انسجامي على الكثير من طروحاتهم مثلما لا أنسجم مع الكثير من طروحات أية جهة أخرى سواء كانت الجهة حزب أو حكومة أو حركة أو شخص، لكن أحاول منطقة المشهد وقراءته ورصد مفاصله ودراسة ما يظهر من معطيات للخروج باستنتاجات ربما تفيد القارئ وتنير المناطق المظلمة كي يرى الصورة كاملة غير مجزوءة.
الإخوان تواقون للحكم والسيطرة على مفاصله, إذ يرون بأنفسهم حركة قديمة جدا ومنظمة وذات مرجعية وتراتبية ولديها مجالس شورى يتم بها تداول شؤونهم الداخلية وكيفية تفاعلهم مع مجريات الأحداث بالدول التي يتواجدون بها. لذا وكما يرون, فهم يتمتعون بالأهلية التي تجعل منهم أصحاب حق بالحكم. بالمقابل فإن إرثهم الطويل من خلال العمل الحزبي وعراكهم مع الحياة السياسية ومع الأنظمة والأحزاب الأخرى أعطى الآخرين قناعة راسخة بأن لديهم نزعة التفرد والإقصاء والتصلب مما جعل الآخرين يتعاطون معهم بمنتهى الحذر الذي يصل لفقدان الثقة بهم بالكثير من الأحيان.
لا ننكر أنهم استقطبوا أنصارا ومؤيدين لا يستهان بهم، وهو استقطاب قوامه الدين والدعوة له ومحاربة المظاهر التي لا تتوافق مع الدين. وهذا بالحقيقة تسطيح للأمور وتسييس للدين، والحركة الإسلامية هي من صنعت ما يسمى بالإسلام السياسي أو تسييس الدين, أي تحقيق أهداف دنيوية عن طريق الدين. لكن ما يلمع أمام عيون المستقطبين هو بريق الدين الذي سرعان ما يتلاشى ليظهر خلفه الهدف السياسي.
فهذا الإرث الذي لم يخرج الإخوان من قوقعته بعد ولم يعوا دروس الواقع, هو الذي جعل الإخوان بميدان مستهدف بل ومستباح من قبل الأنظمة الحاكمة والأحزاب والدول الغربية. فلا تتوانى دولة عن الوقوف بوجههم ومنعهم من التقدم. فرأينا كيف تلقت مصر ( 12 ) مليار دولار من السعودية والإمارات والكويت كمساعدات. وهي بمثابة دعم وتقوية للظام الجديد ليتمكن من الصمود بوجه المعارضة الإخوانية العريضة التي ما زالت محتشدة وتصر على إستعادة الشرعية.
إذا كانت المساعدات تعطى بقصد دعم التنمية وتحسين معيشة المصريين، لماذا لم تمنح هذه المبالغ الطائلة أو جزء منها عندما كان رأس النظام إخواني منتخب؟؟ والشعب المصري ما زال هو الشعب المصري ومشاكله الإقتصادية والمعيشية ما زالت هي نفسها. بمقارنة سريعة جدا، ما يمر به الأردن من ضائقة اقتصادية ومالية يفوق سوءه أضعاف ما تمر به مصر إذا أخذنا بالحسبان إمكانيات وموارد كل دولة على حدة، فلماذا لم تسارع هذه الدول المتخمة لمساعدة الأردن كما سارعت لمساعدة النظام الإنقلابي العسكري بمصر؟؟ نعم, لقد قدمت دول الخليج مشكورة للأردن ما لا نستطيع إنكاره، لكنه مشروط ومقيد بمشاريع تنموية.
المساعدات الضخمة هذه جاءت بسياق ليس حبا بعلي ولكن نكاية بمعاوية. الدول العربية بمجملها تسرعت وظنت أن مبادرتها بمباركة الإنقلاب ولو ضمنا أنها تقترب من الغرب وتنسجم معه. الغرب ينظر للنظام الجديد على أنه انقلاب على الديموقراطية أي الشرعية لكنهم لا يذكرون الشرعية حتى لا يرفعوا رصيد الإخوان الشعبي, وتتعامل معه بناءا على قيم وثوابت وأعراف تقرها الدساتير التي باركتها شعوبهم. والتردد الواضح من الولايات المتحدة بالذات قائم على الفهم الواقعي لكون ما حصل هو إنقلاب على الديمقراطية وعلى رئيس شرعي جاءت به صناديق الإقتراع رغم الحملة العاتية المضادة له.
نعود بالذاكرة للثورة الإسلامية الإيرانية وما صنعته برموز النظام الإمبراطوري من إعدامات وقتل ومجازر وإقصاء، فما كان موقف الدول العربية الرسمي؟؟ هل أيدت المجازر التي ارتكبتها الثوره أم أدانتها؟؟ أليست طاعة ولي الأمر واجبة؟؟ لم نسمع إدانة للإعتقالات ولم نسمع شجبا للخروج على ولي الأمر ولم نسمع شجبا للقتلى على أبواب الحرس الجمهوري بغض النظر عن المسبب بل سمعنا عن دعم مادي لا يماثله دعم سوى الدعم لنظام مبارك خلال الحرب الخليجية الثانية على العراق بقيادة الشهيد صدام حسين.
ونفس الأمر ينسحب على إنقلاب السيسي الذي اعتقل المئات من المعارضين وارتكب مجزرة دار الحرس الجمهوري ويوميا نسمع عن نية اعتقال قيادات الإخوان. البيانات تصدر باسم القوات المسلحة لترسم معالم الطريق بينما بيانات الرئاسة تعنى بالأمور الهيكلية التنظيمية لتشكيل الحكومة. الفضائيات الموجهة لا تنقطع عن النبش خلف الإخوان بينما الإخوان أغلقت فضائياتهم وليس هناك ما يوصل صوتهم سوى قنوات مستقلة تعد على أصابع اليد الواحدة.
الجيش المصري وعلى لسان السيسي أكد منذ البداية وما زال يؤكد ببياناته أنه يقف بصف الشعب ( ميدان التحرير ) الذي نادى بإزاحة مرسي. وماذا عن الشعب ( رابعة العدوية ) الذي ينادي باسترجاع شرعية الرئيس المزاح؟؟ أصبح الأمر واضحا وجليا أن الجيش بقيادة السيسي قائد الإنقلاب يصطف فقط مع ميدان التحرير. وهذا يعزز الإنقسام ويزيد الفرقة ويشجع على التصادم والإنفلات ويؤدي لنتائج وخيمة يقع ضحيتها الشعب المصري نفسه، لا قدر الله .
الإخوان بشر كما الإنقلابيون بشر والكل يخطئ ويصيب لكن الحكمة والتعقل ومصلحة الشعب المصري يجب أن تكون هي المسيطرة على كلا الطرفين، مع إيماننا أن الطرفان يسعيان لمصلحة مصر كل حسب رؤيته. الإعتراف بالذنب فضيلة والتراجع عن الخطأ منتهى الحكمة والعقلانية. والإيثار يجب أن يكون عنوان المرحلة طالما الجميع ينادي بتصويب المسار.
حمى الله الأردن والأمة والغيارى عليهما. والله من وراء القصد.
ababneh1958@yahoo.com