15-07-2013 06:10 PM
سرايا - سرايا - سبعون عاما مرت على المسن أبو عبود وهو ينتظر لحظة خروجه من غرفته التي خلق فيها وتزوج وأنجب أطفالا وأحفادا فيها هم اليوم يعيشون إلى جانبه في غرف مماثلة داخل "خان التماثيلي" الأثري في مدينة الميناء بطرابلس شمالي لبنان، وسط ظروف اجتماعية واقتصادية وصحية سيئة للغاية نظرا لرداءة وضع المبنى وافتقاده لأبسط مقومات العيش فضلا عن المخاطر المتمثلة بالانهيارات والتشققات في أسقفه وجدرانه.
قصة أبو عبود لا تختلف عن قصص خمسين عائلة أجبرتها الظروف على الإقامة في غرف داخل هذا المعلم الأثري المهجور والمهمل من قبل الدولة رغم قيمته التاريخية التي تعود للعصر المملوكي والعثماني بعد إعادة تأهيله بأمر من السلطان العثماني سليم الأول وتحويله لمركز استقبال للتجار.
خان التماثيلي، هو من المعالم الأثرية التي تزخر بها طرابلس، ويعاني إهمالا كبيرا، بعدما تحول إلى مكان لإقامة عائلات فقيرة لجأت إليه قبل عشرات السنين، وهي تنتظر قرارا من قبل الدولة اللبنانية لنقلها إلى أماكن أخرى أو دفع تعويضات لها للانتقال إلى شقق سكنية تتوفر فيها شروط الإقامة الصحية، كما يقول خالد الحسن وهو أحد المقيمين في هذا الخان منذ ولادته قبل أربعين عاما.
ويضيف الحسن وهو متزوج وله أربعة أولاد "لقد تربيت في هذا الخان، وبعد وفاة والدتي ووالدي، تزوجت وأقمت في هذه الغرفة، لأنني لا أستطيع أن أنتقل إلى مكان أخر".
ويتابع "أعمل صيادا في البحر، وما أوفره أعيش به أنا وأولادي، وقبل خمس سنوات سقط ابني من أمام الغرفة الواقعة في الطابق الأول على ارتفاع ستة أمتار، وكاد أن يموت، وعندما حاولت أن أضع جدار صغير أمام غرفتي حتى لا يسقط أولادي منعتني بلدية الميناء لأنني في نظرهم أشوه مرفقا أثريا".
الخان الواقع على مقربة من شاطىء البحر هو عبارة عن مبنى مؤلف من طابقين سفلي وعلوي، وتتوسطه فسحة كبيرة، وتتوزع غرفه في الطابق العلوي.
ويقول المؤرخ اللبناني خالد تدمري "هذا الخان بني في عصر المماليك، وأعيد وضع بعض الاضافات عليه في عهد الدولة العثمانية، حيث جرى تحويله إلى فندق لإقامة قناصل الدول الغربية الذين كانوا يتابعون حركة الملاحة والتجارة البحرية".
ويضيف:"لقد كان حينها قبلة لكل التجار ومكانا هاما في المدينة الساحلية، حيث كانت غرفة في الطابق العلوي لإقامة القناصل والتجار، وباحته الكبيرة في الطابق السفلي للاستقبالات ولوقوف العربات".
ويتابع "بعد انتهاء عصر الدولة العثمانية، هجر الخان رواده وانتهت وظيفته، وتحول في السنوات الأخيرة وخصوصا مع بداية الخمسينيات من القرن الماضي إلى مأوى للعائلات الفقيرة، وهو اليوم يعاني أوضاعا صعبة، بسبب الانهيارات التي تحصل فيه من وقت لأخر، ونتيجة تصدع جدرانه، ورغم ذلك لم تقم الدولة حتى يومنا هذا باجلاء قاطنيه وإعادة ترميمه رغم أهميته التاريخية".
داخل الخان تعيش اليوم عائلات لبنانية وبينهم خمس عائلات نازحة سورية، ويتوزعون على غرف جرى توسيع بعضها بعد إنشاء غرف إضافية إلى جانبها ما غيّر في شكل المعلم.
ويواجه السكان ومعظمهم ممن يعملون في مهنة صيد الأسماك، صعوبات كبيرة في العيش نظرا لعدم وجود مياه نقية أو شبكة صرف صحي، حيث تتدفق الأوساخ إلى الساحة المطلة على الغرف، ويلعب بها الأطفال، ما يتسبب بروائح كريهة فضلا عن القوارض والحشرات التي تنتشر بين الغرف.
ويقول هيثم العامودي ناشط اجتماعي في المدينة:"هذا الخان لو أعيد ترميمه لأصبح من بين أهم المعالم الأثرية في الميناء، ولكن لا أحد يريد أن يتحمل هذه المسؤولية، والأهم من ذلك أن وضع العائلات هنا سيء للغاية وهناك خطر على حياتهم، وقد طالبنا مرارا المعنيين ولكن لم نحصل على أجوبة، حيث كنا نتلقى الوعود تلو الأخرى".
ويلتقت أبو عبود أطراف الحديث قائلا "أنا ولدت هنا وتزوجت واليوم ابني يعيش إلى جانبي في غرفة بعد أن تزوج، وكنت أحلم وأنا شاب أن انتقل للعيش في مكان أخر، ولكن مرت الأيام واليوم أشاهد احفادي يلعبون أمامي وسط النفايات وبين المياه الآسنة وكل ما أتمناه أن لا يمضوا بقية عمرهم مثلي هنا".(الاناضول)