20-07-2013 10:22 AM
بقلم : د.صالح دواس الخوالده
يؤدي الفساد إلى اتساع رقعة التهميش الاجتماعي والتفاوت الطبقي؛ فتجد فئات مستورة كانت تصنف على استحياء على أنها من الطبقة الوسطى قد تهاوت إلى القاع السحيق، لتستقر بعيدًا تحت خط الفقر، بعد أن فقد عائلوها القدرة على تلبية الاحتياجات اليومية المتزايدة والملحة لأسرهم بالوسائل المشروعة، التي تقوم أساسًا على تحصيل عائد مناسب للجهد المبذول، سواء كان ذهنيًّا أم عضليًّا، وفى المقابل تصعد إلى السطح، في زمن قياسي، فئات الكسب السريع الذي ينجم عن أعمال غير مشروعة، وهامشية، وطفيلية، لا تضيف أي قيمة تذكر للاقتصاد الوطني، بل تجور عليه، وتنهب منه لتنتفخ جيوب فئة ضيقة جدًّا أكثر وأكثر، ويؤدي الفساد إلى صعود فئات جديدة إلى قمة الهرم الاجتماعي، نتيجة حصولها على عائدات غير شرعية من الفساد، ويظهر الصراع الاجتماعي أمام هذا الوضع الذي ينتج خللًا في السوق يوازيه انحدار في القيم الاجتماعية الأخلاقية وفقدان الإحساس بالمصلحة العامة، أو الشعور بالأمان إزاء المستقبل، ويسعى كل فرد مسئول أسريًّا إلى تحصيل ما يسد حاجته وذويه، بشكل مفرط في الأنانية وعدم المبالاة بما يرتبه القانون من واجبات وحقوق، وما يجرمه من تصرفات ودون توقف أمام أي سلبيات تنجم عن السلوكيات غير المشروعة، والتردي في أعمال الاختلاس والتربح من المناصب والمواقع في الوظائف العامة؛ فحين يصل الفرد إلى المستوى، الذي تتساوى عنده جميع المسارات والنتائج، مع الشعور العام بوصول الفساد إلى النخاع، تتصاعد درجة المخاطرة في شقها الرديء، عند أعداد غفيرة من الناس، وبالتالي يقدمون على تحصيل الأرزاق عبر وسائل غير قانونية بأعصاب باردة وضمير مستكين، في سعي دائب لموضع قدم في الزحام، خوفًا من أن تدهسهم أقدام الصاعدين سريعًا إلى قمة المجتمع، والذين يتحكمون في الجزء الأكبر من حركة السوق والأسعار، ويرسمون ملامح الاقتصاد الوطني، على أكثر من حد، هذا السلوك لا يقتصر على المنخرطين في صفوف الجهاز البيروقراطي للدولة المتورم، بل يمتد ليطوّق حتى أصحاب المهن الحرة بمختلف أنشطتها، والأعمال الهامشية والموسمية؛ فيرتب محاولات لا تتوقف في سبيل إحداث أي حال من التوازن أو الترميم الطبقي، حتى لو كان طفيفًا، هنا يصطف أفراد المجتمع كل حسب موقعه في السلم البيروقراطي أو نوع المهنة التي يحترفها في طابور طويل، وكأن كل فرد قد وضع يده في جيب من يقف أمامه، وترك في الوقت نفسه جيبه، لمن يليه في استمراء لحال السرقة الجماعية، وبالطبع فإن اتساع الفوارق الطبقية موجود في الأردن كباقي دول العالم، مع احتفاظ الطبقة الزاحفة على مستواها المتوارث؛ فمن خلق زاحفًا يبقى زاحفًا، وهنالك توافق في الرأي العام الأردني بأن الفقر هو أهم الأسباب التي يعزى إليها انتشار الفساد في القطاعين العام والخاص؛ وهناك استثناءات من هذه الحال، لكن هؤلاء المبتعدين عن التردد في السرقة العامة، لتعفف أو بعض ضمير أو خوف من الله أو إحساس جارف بالمصلحة الوطنية، قد يتقلصون بمرور الأيام، مع استمرار فشل السياسات الاقتصادية والاجتماعية، وفى ظل ارتخاء الدولة وتآكل قدرتها على سد احتياجات الشعب من تموين غذائي وتعليم وصحة وتآكل الرواتب ... إلخ، وكذلك في ظل غياب هيبة القانون ...؛ فالصورة الذهنية عن الغالبية الكاسحة للمبرزين من قادة العمل السياسي والاقتصادي والاجتماعي والبيروقراطي سلبية، إذ يرى العامة أن البعض فاسدون، إلا من يثبت بحقه عكس ذلك، وإن المطالبة بنظافة اليد والطهارة والحرص على المصلحة العامة، لا تعدو نداء من اللصوص الكبار إلى أتباعهم أو مقلديهم من اللصوص الصغار، ولذا لا يجد هذا الخطاب صدى؛ لأنه يفتقد إلى أي مصداقية، ولا يبقى منه إلا صدى صوت يضيع في الفراغ الكبير، الذي يغلف حياتنا التي يعشش فيها الاستبداد والفساد، وتكون نتيجة ذلك انهيار النظام القيمي للأفراد، والذي يتمثل في القيم والعادات والتقاليد الاجتماعية الموروثة، واستبدالها بقيم منحرفة وهشة بعيدة عن القيم الأصيلة المعتمدة في المجتمع .
وإن الأغنياء وأصحاب الامتيازات الخاصة يستفيدون من الخطط الفاسدة على حساب الفقراء، وسكان الأرياف وغيرهم، ممن ليسوا من أصحاب الامتيازات، وبذلك يصبح الفساد عملًا منتظمًا ومتأصلًا ومتجذرًا، وبهذه الدوامة قد يصبح المواطنين الشرفاء فاسدين من أجل تصريف أعمالهم لأن الفساد يزعزع ثقة الناس بجدوى نشاطاتهم المنتجة والفاعلة ، وفي نهاية المطاف ارى أن الأشخاص الذين يتمتعون بقيم ثابتة راسخة معززة بالإيمان لا يمكن أن توثر فيهم مغريات الحياة، والناس ذوو الأخلاق الحميدة موجودون دائمًا وإلى الأبد؛ لأن الخير موجود في الأمم إلى قيام الساعة . .