22-07-2013 09:56 AM
بقلم : سميح علوان الطويفح
قال تعالى : "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ" سورة البقرة ، آية (183) .
قال صلى الله عليه وسلم: " قال الله عز وجل: كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به . والصيام جنة ، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث يومئذ ولا يسخب ، فإن سابه أحدا أو قاتله فليقل: إني امرؤ صائم . والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله يوم القيامة من ريح المسك . وللصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي ربه فرح بصومه" متفق عليه .
لهذا يعتبر صوم شهر رمضان الركن الثالث من أركان الإسلام الخمسة وهو الشهر التاسع هجرياً والذي يأتي بعد شهر شعبان حيث يعتبر هذا الشهر الفضيل شهر مختلف له قدسيته السامية ومكانته الخاصة عند المسلمين عن جميع شهور السنة كونه الشهر الذي أمر الله به الوحي جبريل عليه السلام بالنزول على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، ليقرأه بذلك السلام ويبلغه أول سور القرآن الكريم ويرسله مبشراً ونذيراً ورحمة للعالمين كآفة في ليلة كريمة وفضيلة من لياليه المباركة والتي أخبرنا الله تعالى في محكم كتابه الكريم بأنها سلام وأمان حتى مطلع الفجر وهي أيضاً خير من آلف شهر وهذه الليلة هي "ليلة القدر" ، ولما في أيام هذا الشهر الفضيل من إمساك وإمتناع عن الطعام والشراب والجماع من الفجر وحتى آذان صلاة المغرب أي بعد غروب الشمس ، والمواظبة على الصلاة المفروضة بأوقاتها وقراءة القرآن والتسارع من قبل جميع الإخوة المسلمون في آداء الصلوات وإقامة الليل والإعتكاف بالمساجد تعبداً وتقرباً لله تعالى وما يرافق كل تلك العبادات من تعاون وتسامح وإنسجام وتلاطف فيما بين الإخوة المسلمون نراهم يركضون كالمتسابقين لفعل الخيرات والأعمال الصالحة ومتسامحين فيما بينهم عن ما صدر بحق بعضهم تجاه إلبعض من زلات أو نزاعات لجمال وحسن القول فيه فصلاً لها "اللهم إني صائم" وإعتراف المخطيء في حق أخيه يرافقه الأسف والندم والإسراع بالإعتذار يقابله قبول أخيه الأسف والإعتذار بكل صدر رحب دون غيظ أو حقد ، منسجمين متحابين متوادين حكامهم وأمرائهم وشعوبهم ، وأغنيائهم وفقرائهم ، وصغارهم وكبارهم ، ورجالهم ونسائهم ، متلازين وموحدين صفوفهم في إقامة الصلاة والعبادة لله والإعتكاف بالمساجد ، ويصلون أرحامهم ، وتجود أنفسهم بالصدقات وتزكى أرواحهم الطاهرة بما يعتقها من النار لكسب مرضات وجهه الكريم وليكونوا بذلك جميعاً إخوة بالله يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ، مهذبين النفوس ومؤدبينها ، مسلمون لأمره تعالى ومؤمنون بوحدانيته وقدرته ومؤدون كل ركن من أركان العقيدة الإسلامية السمحة وديننا الإسلامي الحنيف الخمسة والذي كما أخبرنا تعالى بقرآنه الكريم أنه لن يقبل من الناس غير الإسلام ديناً ، فنعماً هو الدين دين الإسلام ونعماً هو الشهر شهر الصيام .
ففي كل سنة نستقبل هذا الشهر الكريم والعزيز على قلوبنا مرة واحدة ، فهذا الشهر الفضيل الذي فيه زكاة للقلوب والنفوس وأشد ما يكون به من صلة الأقارب والأرحام ، وغض الأبصار ، وحفظ اللسان ، وكف السمع عما هو مكروه ، هذا الشهر الذي تُحط فيه الأوزار وتكثر فيه الطاعات وتزداد فيه الحسنات ، وهو عينه الشهر الذي تتفتح فيه أبواب السماء للمغفرة والرحمة وتكثر فيه دعوات الإستغفار والتوبة ويستجاب فيه الدعاء وتغلق فيه أبواب جهنم وتتصفد فيه الشياطين بمعزل عن من شد أزره وربط حزامه مستقبلاً هذا الشهر بالعبادة والدعاء والإستغفار ، ليفوز بالنهاية برضاء الله ورحمته ومغفرته ، والحسرة كل الحسرة على من أتى عليه هذا الشهر ولم يستقبله كما يجب وقد أخل بآداب ضيافته وإستحوذ الشيطان على قلبه فمضى في غياهب النكران والفجور غير عابيء بما ستؤول إليه روحه ونفسه لتأتي ساعة منيته دون أن يحس أو يشعر بوقت إتيانها ليلاقي حينها أنه قد فات الآوان للتوبة وقد أُستحيلت عليه العودة ولو لأيام قلال أو حتى لساعات أو دقائق قليلات ليتوب توبة نصوحة لأن الوقت إنتهى ودنت النهاية وخلصت فصول اللهو واللعب في حياته والتمرد والجبروت والفجور لنفسه المريضة بداء العظمة والكبرياء ليس على الإنسان فقط بل على الخالق أيضاً، فقد ذهب رمضان وقد خسر الظالم لنفسه اشد الخسران وراح عليه ما في شهر رمضان وصومه من حسنات وبركات وفضائل الخير والرحمة والغفران ، وترك دنياه دون توبة لله ومات فاقداً الأمل بالجنة يحمل معه أوزاره من الآثام والمعاصي بحق الله والعباد وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ " رواه البخاري ومسلم .
فلكل لاعباً لاهٍ في الدنيا ، بعيداً عن ذكر الله ، متناسياً حق الله عليه وحق نفسه عليه ، وحق كل من له حق عليه ، ولينسى مركزه ومنصبه وبرستيجه الدنيوي وليعلم بأن كل ذلك زائل ، فإن شهر رمضان قد جاء ولا تدري بأنه سوف يعود مرة ثانية أم لا ! فبادر بالتوبة لله وضاعف الطاعة إليه وأكثر من الحسنات وإعمل المعروف وأنهى عن المنكر ، وقف وقفة رجل حازم يرجو مغفرة الله ورحمته ، فإرفع أكفك عالياً متضرعاً لله ، واقفاً ببابه كي يتلقاك ، ولاذاً بحماة لأن من لاذ بحماه ووقاه من كل شرٍ وبلية وأذى ، ومن توكل عليه كفاه فلتبادر أخي المسلم يا من تلهىت بدنياك إلى التوبة إلى الله قبل أن تدركك الساعة وتخسر حياتك وتكون جهنم مرقدك وسكناك فعجل بالتوبة وأعلم في البداية والنهاية أن مرجعك إلى الله ، الذي خلقك فسواك فعدلك ، فلا تكن من الذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم لعل الله يقبل توبتك ويغفر لك ويجعلك من الصالحين التوابين .
فالصوم يعني للمسلمين الشيء الكثير فهو ليس فقط إمتناع عن الطعام والشراب والجماع فقط ، بل الصوم هو إمتناع أيضاً عن كل ما فيه معصية لله تعالى سواء كان ذلك بالكلام البذيء أو قول الزور أو أي عمل سيء أو أي شيء مراده إفتعال الذنوب والمعاصي أو دس الإشاعات المدمرة والمخربة لكيان المجتمعات المسلمة الآمنة والمستقرة أو إنتهاج أساليب المكر والخداع في تشتيت الأسر والشعوب كالفتنة والنميمة بين الأزواج والأقرباء والأصدقاء وحتى بين الشعوب والدول . لهذا فإن لهذا الشهر الفضيل علينا من الواجبات والمسؤوليات تجاه إرضاء مرضات وجه الله الكريم أولاً ثم تجاه أنفسنا وأبنائنا ومجتمعاتنا ثانياً بأن نرقى إلى أعلى وأسمى المستويات والدرجات من التفهم والإدراك في محبة الله تعالى ثم محبة إخواننا المسلمين في الدول العربية وفي شتى أنحاء العالم ، كونه يعد شهر التسامح والرحمة والغفران ، نابذين بذلك كل ما يخالف مبادئ الإسلام السامية وشرائعة الراقية ، محبين لجميع إخواننا المسلمين في مختلف بقاع الأرض الخير والصلاح والأمان والإستقرار ونكره لهم العنف والدمار والخراب وإراقة الدماء البريئة الزكية والنزاع والإقتتال والإغتصاب مذكرينهم جميعاً بأيام الله وأنهم كلهم من آدم وآدم من تراب داعين لهم بالصلاح والهداية وسألين لهم المولى عز وجل بأن يؤلف بين قلوبهم ويردهم إليه رداً جميلاً وأن يفك أسراهم ويشفي مراضاهم ويرحم شهدائهم وينصرهم على القوم الكافرين إنه نعم المولى ونعم النصير .