حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الجمعة ,21 فبراير, 2025 م
طباعة
  • المشاهدات: 33620

الانتخابات العامة والنموذج البديل

الانتخابات العامة والنموذج البديل

الانتخابات العامة والنموذج البديل

23-07-2013 10:32 AM

تعديل حجم الخط:

بقلم : د. إبراهيم بدر شهاب الخالدي

شغلت قضية الانتخاب السياسي عقول المفكرين والمنظرين السياسيين منذ زمن بعيد ، وما زالت قضية ساخنة تتأجج جذوتها حينا وتخبو أحيانا ، وفق الظروف والمعطيات ، ويتجاذبها المؤيدون لفكرتها والمناهضون لها بين الحين والآخر ، ولم يستقروا على رأي أو مفصل يرتاح إليه بعد . ويكاد يكون أغلب الرأي السياسي مع فكرة الانتخابات العامة . لا للإنتخابات بحد ذاتها أو إفرازاتها ، وإنما لأنهم يرونها البديل الأفضل لأسلوب التعيين ، الذي تنفرد به الحكومات المستبدة ، فتتغول بذلك على حق الشعب ، فتحرم الكفاءات من مواقع التأثير والقرار ، وتقرب آخرين لا تؤهلهم إمكاناتهم ولا قدراتهم من الوصول إليها أو المكوث فيها . 

وفي هذا السياق ، يسوق المدافعون عن فكرة الانتخابات مبررات ومسوغات كثيرة ، فالانتخابات عندهم أهم أعمدة الديمقراطية ، وعن طريقها يمكن وصول النخب الفكرية والسياسية إلى مواقع القرار ، وهي السبيل إلى تحقيق العدالة وتكافؤ الفرص ، كما أنها أداة الحراك السياسي ، وهي الطريق الذي لا طريق سواه لبلوغ الأهداف والطموحات .. إلخ .

وتلك مزايا جميلة وبراقة ، وتبدو مقنعة إلى حد كبير ، ولكنها في مجملها تمثل آمالا وتطلعات ، أكثر منها مسوغات وموجبات . والمدافعون عنها يرونها من هذا الجانب فقط ، ويغفلون أو يقللون من شأن الجوانب الأخرى ، التي لا بد من الوقوف عندها ، وتأملها بتأن وروية . حيث لا يكفي النظر إلى إحدى كفتي الميزان دون النظر إلى الكفة الأخرى ؛ لصحة المقارنة ، وسلامة الترجيح . وإلا فالنظرة الخاطفة العجلى قد تؤدي إلى خطأ في القياس ، يتبعه بالضرورة خطأ في النتيجة ، وقد تبنى عليها قرارات مصيرية تفضي إلى عواقب وخيمة ، يمكن تلافيها أو تجنبها ، لو صحت النظرة وصح القياس .

والمنعم النظر في طبيعة الانتخابات التشريعية والبلدية أو الانتخابات العامة ، ومقدماتها ومجرياتها وإفرازاتها ، تتبدى له الجوانب الأخرى التي تمثل في مجملها محاذير ومخاطر جسيمة ، ينبغي التنبه لها والحذر منها . ذلك أن الانتخابات العامة في صورتها المثلى لا تتحقق إلا في ظل مجتمع واع ، تربى أفراده على قيم الحق ، والعدل ، والمساواة ، والاعتراف بالآخر ، والقبول بنتائج الانتخابات مهما كانت متواضعة أو مخيبة للآمال ، بصدور رحبة ورضى تام ، تحدوهم المصلحة العليا للوطن ، والغايات النبيلة العامة المشتركة .

وليست الانتخابات عندهم هدفا في حد ذاتها ، بقدرما هي سبيل لتحقيق الاهداف الوطنية ، وليس المهم أن يصل المرشحون أو يفوزوا ، ما دام الهدف موحدا للجميع ، وإن تعدد المرشحون ، أو تمايز الناخبون ، أو تباينت الاجتهادات ، وفي قناعتهم أن من يصل أو يفوز لابد أن يخدم الجميع ، ويسعى لتحقيق الهدف العام الذي ارتضوه ، واتخذوه منارا للعمل والنشاط ، وبذلوا في سبيله الوقت ، والجهد ، والمال . وعندما تنتهي العملية الانتخابية ويفوز من يفوز، يفترض تحول ولاء الناخبين من مرشحيهم إلى الفائزين جميعهم . كما يفترض تحول ولاء الفائزين من جمهور المناصرين خاصة إلى الشعب عامة ، بل يكون الولاء للوطن كله : الشعب ، والأرض ، والقانون ، والتاريخ ، والمنجزات ، والطموحات . ويفترض كذلك أن تتسع النظرة الحزبية ، والعشائرية ، والجغرافية ..الخ ، التي تحرك في ضوئها المرشحون من قبل ، والفائزون من بعد ؛ لتشمل جميع المؤيدين وغير المؤيدين ، بل لتستوعب الوطن كله ، بكافة أطيافه السياسية ، والمهنية ، والاجتماعية .

في ظل هذه الرؤية المثالية وهذا الوعي العام تكون الانتخابات الحرة النزيهة النظيفة مطلبا جماهيريا ، وتستحق الدفاع عنها والاشادة بها . بيد أن هذه الصورة المثالية هي مجرد أحلام وردية ، ولم تتحقق في أرض الواقع ، الذي يشهد بخلاف ذلك ، ونكاد نجزم أنه لم تجر انتخابات عامة في العالم كله ، بما فيه الدول العريقة ، المستقرة ، الناضجة سياسيا ، التي يسود فيها القانون ، وتشيع فيها الحرية والديمقراطية ، دون مطاعن كثيرة ، ودون الحديث عن تزوير وتلاعب في الأصوات ، والصناديق ، والأسماء ، ودفن الأحياء وإحياء الأموات .. الخ . وهو ما يستتبع في الغالب احتجاجات تدعمها مسيرات ، وحوادث شغب ، ومظاهرات .

أما الجوانب الأخرى التي تمثل الوجه الأسود للانتخابات العامة ، والتي يغفلها الكثيرون ، نجدها بوضوح تام في الصور القاتمة التالية ، وهي بطبيعة الحال لا تمثل السواد كله أو جله .

فالذين يرشحون أو يترشحون في ظل الانتخابات العامة إنما هم في الغالب إما الأغنياء الذين يملكون الأموال والثروات ، وإما ذوو السلطان والجاه والنفوذ ، وإما الخطباء المفوهون ذوو الألسنة الحداد ، تحدوهم مصالح شخصية ، ورغبات فردية أو فئوية ، وأهداف ضيقة ، وهؤلاء جميعهم يستطيعون خوض غمار الانتخابات بما يملكون من مال ، وسلطان ، وتأثير . ويستطيعون كذلك استمالة الجماهير، والتأثير فيها ، والتلاعب بعقولها ، هذا إذا لم نقل : شراء الضمائر في حالات كثيرة ؛ لتغيير المواقف ، أو التهديد والوعيد ، أو الخداع وقلب الأمور . ذلك أنه من السهل خداع الجماهير ، والعبث بعقولها بشتى طرائق العبث والخداع .

كما أن العامة ، ولا سيما في الدول النامية ، لاتعي مصلحتها في اللعبة الديمقراطية ، ولا تدرك معنى الانتخابات ، سوى أنها فزعة ، أو نخوة ، أو حمية جاهلية ؛ ولهذا فهي تختزل الوطن في حزب ، أو عشيرة ، أو بلدة ، وتختزل الحزب ، والعشيرة ، والبلدة في شخص . ولا تفهم من الانتخابات إلا أن يفوز ذلك الشخص ، أو تكون النتائج العامة في صالحها . فإذا ما فاز مرشحها أو حققت نتائج مقبولة رقصت وهتفت ، وربما ماحكت واستفزت الفئات
الأخرى بشتى طرائق الاستفزاز. وذلك بغض النظر عن امكانات مرشحها ، أو توجهه السياسي ، والأخلاقي ، والديني . فالمهم عندهم أن يفوز ، حتى لو كانوا يدركون أنه لن يحقق لهم كل ما يريدون ، أو بعض ما يريدون ، ولكن لابد من إغاظة الآخرين ، وتحقيق الفوز بأية طريقة.

ولا تخلو الحملات الانتخابية من الكذب ، والنفاق ، واغتيال سمعة الخصوم ، والتبجج بإنجازات وهمية ، والتقليل من شأن الآخرين ، واتهامهم بما هم بريئون منه ، ونبش الماضي ، وإثارة الفتن والنعرات ، فضلا عن الوعود الخيالية التي ليس أقلها تحريرالاندلس ، ورفع الشعارات البراقة الخيالية الحالمة ، التي لاتعكس فكر المرشحين ولا توجههم السياسي ، وإنما هي جزء من الوسائل الضرورية لاستقطاب الجماهير ، واستدرار عواطفهم ، واستجداء اصواتهم ، أو السطو على قناعاتهم .

وليس صحيحا ما يزعم أن الانتخابات العامة تفرز دائما الأفضل أو الأصلح ، بل العكس في أحيان كثيرة هو الصحيح ، فكثيرا ما تفرز أشخاصا لا كفاية لهم ولا دراية ، وما خوضهم الانتخابات إلا لغايات شخصية ، ومصالح ذاتية أو فئوية ، أو رُشِّحوا بطريقة ما لامتصاص أصوات كان يمكن أن تذهب إلى منافسين أقوياء ، فيضعف موقفهم ، وتقل أصواتهم ، ويخرجوا من اللعبة خائبين خاسرين . بدليل أن الكثيرين ممن يفوزون في عضوية المجالس النيابية والبلدية ، لا ذكر لهم ولا نشاط ، لا في المناقشات ، ولا في الحوارات ، ولا في تقديم الاقتراحات ، إنما هم مجرد أعداد تكميلية للعدد الكلي لأعضاء المجالس أو لأنصبة الجلسات ؛ لضمان قانونيتها ، أو لضمان حصول قرارات بعينها على أغلبية الأصوات .

كما أن الانتخابات العامة تأكل الأموال والثروات ، وتستنفد الجهود والأوقات ، وتعطل مصالح الناس ، وتشغل بالهم وعقولهم طيلة فترة الانتخابات ، وتثيرالقلق والتوتروالاحتقان لدى المرشحين وناخبيهم ، بما يدفعهم إلى معارك جانبية . وهو ما يثقل كاهل الدولة ، لما يستوجبه من استنفار للأجهزة الأمنية ، والإدارية ، والإعلامية ، لضبط الهياج العام ، والصراع المحموم بين الفئات والتيارات المتنافسة والمتصارعة .

وتعمل الانتخابات على إثارة النعرات الجاهلية بأشكالها السياسية ، والعنصرية ، والقبلية ، والطائفية ، والحزبية ، وتستيقظ في ظلها كافة الشرور والأحقاد الدفينة ، والفتن النائمة والغافية ، حتى لتكاد تأتي على العلاقات بين الجيران ، والأصدقاء ، والإخوان ، وتعمل على تهديد الوحدة الوطنية ، وتمزيق النسيج الاجتماعي المتماسك ، حيث تنفلت من أقواسها السهام الطاعنات ، فتنشب بسببها العداوات التي قد تتطور إلى صدامات ، وأحقاد ، وضغائن ، تأكل الوداد ، والأخوة ، والصداقة ، والمحبة ، وقد يستمر ذلك مدة طويلة ، حتى إذا امّحت تلك الخلافات ، وتلاشت الأحقاد ، واستقرت النفوس ، وهدأت الأعصاب ، والتأمت الجراح ، نكأتها الانتخابات القادمة ، وهيجتها من جديد . وهذا السبب لعمري هو ثالث الأثافي ، وقاصم الظهر ، وفاصم عرى الوطن . ونحن أدرى بالتركيبة الديمغرافية والثقافية العربية السريعة التأثر والاهتياج بهذه النعرات والسهام الطائشة التي تنطلق من كنانة الانتخابات ، وما يتمخض عنها ويتولد .

وفي ظل الانتخابات العامة يخضع المرشحون من قبل ، ومن ثم الفائزون من بعد لابتزاز الناخبين ، فالأصوات ليست مجانا ، وفق قواعد اللعبة التي تسمى ديمقراطية ، وكل شيء فيها له ثمن ، وخاضع للمزاد ، ولا بد وفق هذا المنطق من أن يتحول النائب من دوره التشريعي والرقابي ، إلى الدور الخدماتي ؛ لإرضاء الناخبين ، وإلا لن يحظى بأصواتهم في الانتخابات القادمة .

وإذا كان البعض يأخذ على أسلوب التعيين عدم النزاهة في أحيان كثيرة ، فإن الإنتخابات كذلك ، بل تتجلى فيها صور الظلم والعبث أيما جلاء ، والتجارب السابقة في العالم كله خير دليل . وليس أسلوب التعيين بأسوأ من أسلوب الانتخابات على أية حال ، ولو كان كذلك لكان تعيين جميع موظفي الدولة بطريق الانتخاب ، بما فيهم المعلمون ، والأطباء ، والمهندسون ، والإداريون ، وسائر موظفي الدولة . فلماذا إذن يقتصر الانتخاب على عضوية المجالس النيابية والبلدية دون سواهم . أليست والوظائف العامة مثل : التعليم ، والصحة وسائر الوظائف الحكومية بأهم وأخطر من مجالس البلديات؟! فلماذا إذا لا يُتبع أسلوب الانتخابات العامة في اختيار المعلمين ، والأطباء ، والمهندسين للوظائف الحكومية؟! وما يضر لو عُيِّن أعضاء مجالس البلديات بذات الطريقة التي يعين بموجبها موظفو الدولة ؟! وهل نكون غير ديموقراطيين إذا لم نتبع المنهج الغربي في الإدارة والسياسة ، والاقتصاد ، والفن الراقص؟! ... لا تضيرنا الأسماء والمصطلحات والشعارات ، متى وضحت لدينا المسميات والمضامين ، وتحقق الهدف الأسمى الذي نحرص عليه ، ونقاتل دونه ، وهو الوحدة الوطنية ، والتماسك الاجتماعي .

إن هذه المفاسد والشرور التي تثيرها الانتخابات العامة ، وهذه القناعات التي تولدت لدينا واستقرت في ثقافتنا بسبب الممارسات الطويلة التي عشناها والتي أثبتت ما أشرنا إليه من مفاسد النظام الانتخابي ، لهي كفيلة أن تثنينا عن هذا الأسلوب في اختيار الممثلين والنواب ، وتدعونا إلى وقفة صادقة مع النفس ، وإعادة النظر في أهدافنا ، ووسائلنا ، والبدائل التي توصلنا إلى تلك الأهداف ، ومقارنة مزايا كل بديل بمفاسده ، بكل موضوعية وتجرد ، وعدم الاندفاع وراء شعارات خيالية حالمة ، لا تسعفقها الوسائل والأساليب أو النماذج الغريبة ، لنختار البديل الذي ينسجم مع واقعنا ، وبيئتنا ، وثقافتنا ، وإرثنا الحضاري .

وإذا كانت قد بانت لنا بعض عيوب النظام الانتخابي ومفاسده ، وبعضها كثير وخطير ، فإننا نطرح البديل الذي نراه ألصق بثقافتنا وهويتنا الحضارية ، وهو صورة قريبة من أسلوب التعيين باختيار الأصلح ، نسميها طريقة الاختيار المرحلي أو المتعدد المراحل . وهي المخاض الذي لا بد منه لتشكيل المجلس التشريعي لأول مرة ، فإذا ما تشكل المجلس بهذه الطريقة ، واستقرت أعرافه وقوانينه وقواعده ، فذلك يدعم الاستقرار السياسي ، والوئام الوطني ، وينمو لدينا الوعي السياسي والتشريعي . وبذلك نحفظ للمجتمع تماسكه وتلاحمه ، وللوطن وحدته وهيبته ، ونتلافى جميع المزالق والمخاطر التي يجرنا إليها نظام الانتخابات أو يدفعنا إليها .

وقد قدم لنا التاريخ الإسلامي حالات كثيرة لاختيار الأكفاء الأكفياء لمناصب الدولة ، وعضوية مجالس الشورى ، وأهل الحل والعقد . تقترب كثيرا مما نحن بصدده . وبالمقابل لم يذكر لنا حالة واحدة جرت فيها انتخابات عامة لاختيار مجالس الشورى ومجالس أهل الحل والعقد أو حكام الولايات أو العمال بهذه الصورة التي تجري في وقتنا الحاضر . وليس أسلوب الانتخابات بخاف على عقول أسلافنا النيرة ، كما أنه ليس من الصعوبة تطبيقه لو أرادوا ، ولكنهم يدركون ما أدركناه أخيرا من عيوب الانتخابات العامة ، وما تجر إليه من مفاسد وشرور .

أما النموذج البديل المقترح الذي يتشكل بمقتضاه المجلس التشريعي لأول مرة ، أي المخاض الأول ، فتتبلور صورته بتشكل هيئة مؤقتة من كبار العلماء ، وأهل الرأي والخبرة ، في مختلف التخصصات والميادين العلمية ، والاجتماعية ، والمهنية ، المشهود لهم بالعلم ، والفضل ، والنزاهة ، والاستقامة . ممن عرفت عنهم الغيرة الوطنية ، والوعي السياسي ، والإخلاص لهذه الأمة . تناط بهذه الهيئة مهمة اختيار أعضاء المجلس التشريعي الأول ، بحيث تراعي في اختيار أعضاء المجلس المكانة العلمية ، والفكرية ، والاجتماعية ، والخبرة ، والاستقامة ، وسلامة التوجه ، وصحة النظر ، يشهد بذلك لهم سجلهم العلمي والوطني . كما يراعى في التركيبة العضوية للمجلس تنوع التخصصات ، بحيث تشمل القانون ، والشريعة ، والإدارة ، وعلم الاجتماع ، وعلم الاقتصاد ، وعلم النفس ، والتربية ، والسياسة ، وكافة التخصصات اللازمة للتشريع . ويراعى كذلك تمثيل الحواضر ، والأقاليم ، والعشائر ، والطوائف ، والمهن ، والأقليات . وألا يكون العدد كبيرا فيربك أعمال المجلس ، ولا قليلا بحيث يحتاج إلى خبرات إضافية . ويستلزم ذلك ضرورة تشكيل مجلس مساند ، يكون رديفا للمجلس التشريعي بذات الشروط والمعايير التي اختير أعضاؤه بموجبها ، بحيث يعزز خبرات المجلس ، ويدعم نشاطاته ، ويقدم الدراسات والأبحاث الضرورية لأعماله وقراراته .

فإذا ما تشكل المجلس الوليد بهذه الطريقة ، وخرج من مخاض التشكيل معافى سليما ، تنحل الهيئة الأم مباشرة ، ويباشر المجلس الجديد مهامه في التشريع ، والرقابة ، والتجديد الذاتي لأعضائه . فإذا ما شغر مقعد أحدهم بسبب الوفاة ، أو المرض ، أو العزل ، أو لأي سبب آخر ، يقوم المجلس نفسه بانتخاب عضو بديل من المجلس المساند ، أو من سائر المواطنين تحت شروط العضوية المشار إليها . وهكذا يستمر المجلس التشريعي في عمله ، بدون تحديد مدة معينة للمجلس أو لأي من أعضائه .

ولكي تكتمل الصورة بهاء وجمالا ، والعمل السياسي دقة وإحكاما ، لا بد من تدعيم عملية الاختيار في كلا المرحتين وما يستتبعهما برقابة ما يسمى بالوسيط الإداري ، أو السياسي ، إن جاز التعبير ، أو ما يدعى عند الغربيين ( بالأمبودسمان )Ombudsman أي الرقيب البرلماني أو التشريعي ، الذي يأتي تعيينه قبل تشكيل المجلس ؛ ليتولى الرقابة ابتداء على عملية اختيار الأعضاء في المجالس الثلاثة : الهيئة الابتدائية ، والمجلس المنتخب عن طريقها ، والمجلس المساند . وله حق الاعتراض على تعيين بعض الأعضاء الذين لا تنطبق عليهم شروط التعيين ، وله سلطة العزل ، والتأكد من سلامة الاختيار ، ورقابة ما يصدر عن المجلس من قرارات وقوانين ، وهو ما يكسب عملية الاختيار الثقة ، ويحصنها مما يمكن أن يعتريها من تحيز في الاختيار والتعيين ، عبر المراحل المشار إليها .

بهذا الأسلوب الحضاري تتكامل حلقات العقد الاجتماعي ، وتدور عجلة الحياة السياسية دوراتها الهادئة المتزنة ، لا تعكرها انتخابات هائجة ، ولا عواصف سياسية أو زوابع إعلامية.








طباعة
  • المشاهدات: 33620
برأيك، هل يصمد اتفاق وقف إطلاق النار في غزة رغم مواصلة نتنياهو وترامب تهديد حماس باستئناف الحرب والتهجير؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم