23-07-2013 10:32 AM
بقلم : د. إبراهيم بدر شهاب الخالدي
شغلت قضية الانتخاب السياسي عقول المفكرين والمنظرين السياسيين منذ زمن بعيد ، وما زالت قضية ساخنة تتأجج جذوتها حينا وتخبو أحيانا ، وفق الظروف والمعطيات ، ويتجاذبها المؤيدون لفكرتها والمناهضون لها بين الحين والآخر ، ولم يستقروا على رأي أو مفصل يرتاح إليه بعد . ويكاد يكون أغلب الرأي السياسي مع فكرة الانتخابات العامة . لا للإنتخابات بحد ذاتها أو إفرازاتها ، وإنما لأنهم يرونها البديل الأفضل لأسلوب التعيين ، الذي تنفرد به الحكومات المستبدة ، فتتغول بذلك على حق الشعب ، فتحرم الكفاءات من مواقع التأثير والقرار ، وتقرب آخرين لا تؤهلهم إمكاناتهم ولا قدراتهم من الوصول إليها أو المكوث فيها .
وفي هذا السياق ، يسوق المدافعون عن فكرة الانتخابات مبررات ومسوغات كثيرة ، فالانتخابات عندهم أهم أعمدة الديمقراطية ، وعن طريقها يمكن وصول النخب الفكرية والسياسية إلى مواقع القرار ، وهي السبيل إلى تحقيق العدالة وتكافؤ الفرص ، كما أنها أداة الحراك السياسي ، وهي الطريق الذي لا طريق سواه لبلوغ الأهداف والطموحات .. إلخ .
وتلك مزايا جميلة وبراقة ، وتبدو مقنعة إلى حد كبير ، ولكنها في مجملها تمثل آمالا وتطلعات ، أكثر منها مسوغات وموجبات . والمدافعون عنها يرونها من هذا الجانب فقط ، ويغفلون أو يقللون من شأن الجوانب الأخرى ، التي لا بد من الوقوف عندها ، وتأملها بتأن وروية . حيث لا يكفي النظر إلى إحدى كفتي الميزان دون النظر إلى الكفة الأخرى ؛ لصحة المقارنة ، وسلامة الترجيح . وإلا فالنظرة الخاطفة العجلى قد تؤدي إلى خطأ في القياس ، يتبعه بالضرورة خطأ في النتيجة ، وقد تبنى عليها قرارات مصيرية تفضي إلى عواقب وخيمة ، يمكن تلافيها أو تجنبها ، لو صحت النظرة وصح القياس .
والمنعم النظر في طبيعة الانتخابات التشريعية والبلدية أو الانتخابات العامة ، ومقدماتها ومجرياتها وإفرازاتها ، تتبدى له الجوانب الأخرى التي تمثل في مجملها محاذير ومخاطر جسيمة ، ينبغي التنبه لها والحذر منها . ذلك أن الانتخابات العامة في صورتها المثلى لا تتحقق إلا في ظل مجتمع واع ، تربى أفراده على قيم الحق ، والعدل ، والمساواة ، والاعتراف بالآخر ، والقبول بنتائج الانتخابات مهما كانت متواضعة أو مخيبة للآمال ، بصدور رحبة ورضى تام ، تحدوهم المصلحة العليا للوطن ، والغايات النبيلة العامة المشتركة .
وليست الانتخابات عندهم هدفا في حد ذاتها ، بقدرما هي سبيل لتحقيق الاهداف الوطنية ، وليس المهم أن يصل المرشحون أو يفوزوا ، ما دام الهدف موحدا للجميع ، وإن تعدد المرشحون ، أو تمايز الناخبون ، أو تباينت الاجتهادات ، وفي قناعتهم أن من يصل أو يفوز لابد أن يخدم الجميع ، ويسعى لتحقيق الهدف العام الذي ارتضوه ، واتخذوه منارا للعمل والنشاط ، وبذلوا في سبيله الوقت ، والجهد ، والمال . وعندما تنتهي العملية الانتخابية ويفوز من يفوز، يفترض تحول ولاء الناخبين من مرشحيهم إلى الفائزين جميعهم . كما يفترض تحول ولاء الفائزين من جمهور المناصرين خاصة إلى الشعب عامة ، بل يكون الولاء للوطن كله : الشعب ، والأرض ، والقانون ، والتاريخ ، والمنجزات ، والطموحات . ويفترض كذلك أن تتسع النظرة الحزبية ، والعشائرية ، والجغرافية ..الخ ، التي تحرك في ضوئها المرشحون من قبل ، والفائزون من بعد ؛ لتشمل جميع المؤيدين وغير المؤيدين ، بل لتستوعب الوطن كله ، بكافة أطيافه السياسية ، والمهنية ، والاجتماعية .
في ظل هذه الرؤية المثالية وهذا الوعي العام تكون الانتخابات الحرة النزيهة النظيفة مطلبا جماهيريا ، وتستحق الدفاع عنها والاشادة بها . بيد أن هذه الصورة المثالية هي مجرد أحلام وردية ، ولم تتحقق في أرض الواقع ، الذي يشهد بخلاف ذلك ، ونكاد نجزم أنه لم تجر انتخابات عامة في العالم كله ، بما فيه الدول العريقة ، المستقرة ، الناضجة سياسيا ، التي يسود فيها القانون ، وتشيع فيها الحرية والديمقراطية ، دون مطاعن كثيرة ، ودون الحديث عن تزوير وتلاعب في الأصوات ، والصناديق ، والأسماء ، ودفن الأحياء وإحياء الأموات .. الخ . وهو ما يستتبع في الغالب احتجاجات تدعمها مسيرات ، وحوادث شغب ، ومظاهرات .
أما الجوانب الأخرى التي تمثل الوجه الأسود للانتخابات العامة ، والتي يغفلها الكثيرون ، نجدها بوضوح تام في الصور القاتمة التالية ، وهي بطبيعة الحال لا تمثل السواد كله أو جله .
فالذين يرشحون أو يترشحون في ظل الانتخابات العامة إنما هم في الغالب إما الأغنياء الذين يملكون الأموال والثروات ، وإما ذوو السلطان والجاه والنفوذ ، وإما الخطباء المفوهون ذوو الألسنة الحداد ، تحدوهم مصالح شخصية ، ورغبات فردية أو فئوية ، وأهداف ضيقة ، وهؤلاء جميعهم يستطيعون خوض غمار الانتخابات بما يملكون من مال ، وسلطان ، وتأثير . ويستطيعون كذلك استمالة الجماهير، والتأثير فيها ، والتلاعب بعقولها ، هذا إذا لم نقل : شراء الضمائر في حالات كثيرة ؛ لتغيير المواقف ، أو التهديد والوعيد ، أو الخداع وقلب الأمور . ذلك أنه من السهل خداع الجماهير ، والعبث بعقولها بشتى طرائق العبث والخداع .
كما أن العامة ، ولا سيما في الدول النامية ، لاتعي مصلحتها في اللعبة الديمقراطية ، ولا تدرك معنى الانتخابات ، سوى أنها فزعة ، أو نخوة ، أو حمية جاهلية ؛ ولهذا فهي تختزل الوطن في حزب ، أو عشيرة ، أو بلدة ، وتختزل الحزب ، والعشيرة ، والبلدة في شخص . ولا تفهم من الانتخابات إلا أن يفوز ذلك الشخص ، أو تكون النتائج العامة في صالحها . فإذا ما فاز مرشحها أو حققت نتائج مقبولة رقصت وهتفت ، وربما ماحكت واستفزت الفئات
الأخرى بشتى طرائق الاستفزاز. وذلك بغض النظر عن امكانات مرشحها ، أو توجهه السياسي ، والأخلاقي ، والديني . فالمهم عندهم أن يفوز ، حتى لو كانوا يدركون أنه لن يحقق لهم كل ما يريدون ، أو بعض ما يريدون ، ولكن لابد من إغاظة الآخرين ، وتحقيق الفوز بأية طريقة.
ولا تخلو الحملات الانتخابية من الكذب ، والنفاق ، واغتيال سمعة الخصوم ، والتبجج بإنجازات وهمية ، والتقليل من شأن الآخرين ، واتهامهم بما هم بريئون منه ، ونبش الماضي ، وإثارة الفتن والنعرات ، فضلا عن الوعود الخيالية التي ليس أقلها تحريرالاندلس ، ورفع الشعارات البراقة الخيالية الحالمة ، التي لاتعكس فكر المرشحين ولا توجههم السياسي ، وإنما هي جزء من الوسائل الضرورية لاستقطاب الجماهير ، واستدرار عواطفهم ، واستجداء اصواتهم ، أو السطو على قناعاتهم .
وليس صحيحا ما يزعم أن الانتخابات العامة تفرز دائما الأفضل أو الأصلح ، بل العكس في أحيان كثيرة هو الصحيح ، فكثيرا ما تفرز أشخاصا لا كفاية لهم ولا دراية ، وما خوضهم الانتخابات إلا لغايات شخصية ، ومصالح ذاتية أو فئوية ، أو رُشِّحوا بطريقة ما لامتصاص أصوات كان يمكن أن تذهب إلى منافسين أقوياء ، فيضعف موقفهم ، وتقل أصواتهم ، ويخرجوا من اللعبة خائبين خاسرين . بدليل أن الكثيرين ممن يفوزون في عضوية المجالس النيابية والبلدية ، لا ذكر لهم ولا نشاط ، لا في المناقشات ، ولا في الحوارات ، ولا في تقديم الاقتراحات ، إنما هم مجرد أعداد تكميلية للعدد الكلي لأعضاء المجالس أو لأنصبة الجلسات ؛ لضمان قانونيتها ، أو لضمان حصول قرارات بعينها على أغلبية الأصوات .
كما أن الانتخابات العامة تأكل الأموال والثروات ، وتستنفد الجهود والأوقات ، وتعطل مصالح الناس ، وتشغل بالهم وعقولهم طيلة فترة الانتخابات ، وتثيرالقلق والتوتروالاحتقان لدى المرشحين وناخبيهم ، بما يدفعهم إلى معارك جانبية . وهو ما يثقل كاهل الدولة ، لما يستوجبه من استنفار للأجهزة الأمنية ، والإدارية ، والإعلامية ، لضبط الهياج العام ، والصراع المحموم بين الفئات والتيارات المتنافسة والمتصارعة .
وتعمل الانتخابات على إثارة النعرات الجاهلية بأشكالها السياسية ، والعنصرية ، والقبلية ، والطائفية ، والحزبية ، وتستيقظ في ظلها كافة الشرور والأحقاد الدفينة ، والفتن النائمة والغافية ، حتى لتكاد تأتي على العلاقات بين الجيران ، والأصدقاء ، والإخوان ، وتعمل على تهديد الوحدة الوطنية ، وتمزيق النسيج الاجتماعي المتماسك ، حيث تنفلت من أقواسها السهام الطاعنات ، فتنشب بسببها العداوات التي قد تتطور إلى صدامات ، وأحقاد ، وضغائن ، تأكل الوداد ، والأخوة ، والصداقة ، والمحبة ، وقد يستمر ذلك مدة طويلة ، حتى إذا امّحت تلك الخلافات ، وتلاشت الأحقاد ، واستقرت النفوس ، وهدأت الأعصاب ، والتأمت الجراح ، نكأتها الانتخابات القادمة ، وهيجتها من جديد . وهذا السبب لعمري هو ثالث الأثافي ، وقاصم الظهر ، وفاصم عرى الوطن . ونحن أدرى بالتركيبة الديمغرافية والثقافية العربية السريعة التأثر والاهتياج بهذه النعرات والسهام الطائشة التي تنطلق من كنانة الانتخابات ، وما يتمخض عنها ويتولد .
وفي ظل الانتخابات العامة يخضع المرشحون من قبل ، ومن ثم الفائزون من بعد لابتزاز الناخبين ، فالأصوات ليست مجانا ، وفق قواعد اللعبة التي تسمى ديمقراطية ، وكل شيء فيها له ثمن ، وخاضع للمزاد ، ولا بد وفق هذا المنطق من أن يتحول النائب من دوره التشريعي والرقابي ، إلى الدور الخدماتي ؛ لإرضاء الناخبين ، وإلا لن يحظى بأصواتهم في الانتخابات القادمة .
وإذا كان البعض يأخذ على أسلوب التعيين عدم النزاهة في أحيان كثيرة ، فإن الإنتخابات كذلك ، بل تتجلى فيها صور الظلم والعبث أيما جلاء ، والتجارب السابقة في العالم كله خير دليل . وليس أسلوب التعيين بأسوأ من أسلوب الانتخابات على أية حال ، ولو كان كذلك لكان تعيين جميع موظفي الدولة بطريق الانتخاب ، بما فيهم المعلمون ، والأطباء ، والمهندسون ، والإداريون ، وسائر موظفي الدولة . فلماذا إذن يقتصر الانتخاب على عضوية المجالس النيابية والبلدية دون سواهم . أليست والوظائف العامة مثل : التعليم ، والصحة وسائر الوظائف الحكومية بأهم وأخطر من مجالس البلديات؟! فلماذا إذا لا يُتبع أسلوب الانتخابات العامة في اختيار المعلمين ، والأطباء ، والمهندسين للوظائف الحكومية؟! وما يضر لو عُيِّن أعضاء مجالس البلديات بذات الطريقة التي يعين بموجبها موظفو الدولة ؟! وهل نكون غير ديموقراطيين إذا لم نتبع المنهج الغربي في الإدارة والسياسة ، والاقتصاد ، والفن الراقص؟! ... لا تضيرنا الأسماء والمصطلحات والشعارات ، متى وضحت لدينا المسميات والمضامين ، وتحقق الهدف الأسمى الذي نحرص عليه ، ونقاتل دونه ، وهو الوحدة الوطنية ، والتماسك الاجتماعي .
إن هذه المفاسد والشرور التي تثيرها الانتخابات العامة ، وهذه القناعات التي تولدت لدينا واستقرت في ثقافتنا بسبب الممارسات الطويلة التي عشناها والتي أثبتت ما أشرنا إليه من مفاسد النظام الانتخابي ، لهي كفيلة أن تثنينا عن هذا الأسلوب في اختيار الممثلين والنواب ، وتدعونا إلى وقفة صادقة مع النفس ، وإعادة النظر في أهدافنا ، ووسائلنا ، والبدائل التي توصلنا إلى تلك الأهداف ، ومقارنة مزايا كل بديل بمفاسده ، بكل موضوعية وتجرد ، وعدم الاندفاع وراء شعارات خيالية حالمة ، لا تسعفقها الوسائل والأساليب أو النماذج الغريبة ، لنختار البديل الذي ينسجم مع واقعنا ، وبيئتنا ، وثقافتنا ، وإرثنا الحضاري .
وإذا كانت قد بانت لنا بعض عيوب النظام الانتخابي ومفاسده ، وبعضها كثير وخطير ، فإننا نطرح البديل الذي نراه ألصق بثقافتنا وهويتنا الحضارية ، وهو صورة قريبة من أسلوب التعيين باختيار الأصلح ، نسميها طريقة الاختيار المرحلي أو المتعدد المراحل . وهي المخاض الذي لا بد منه لتشكيل المجلس التشريعي لأول مرة ، فإذا ما تشكل المجلس بهذه الطريقة ، واستقرت أعرافه وقوانينه وقواعده ، فذلك يدعم الاستقرار السياسي ، والوئام الوطني ، وينمو لدينا الوعي السياسي والتشريعي . وبذلك نحفظ للمجتمع تماسكه وتلاحمه ، وللوطن وحدته وهيبته ، ونتلافى جميع المزالق والمخاطر التي يجرنا إليها نظام الانتخابات أو يدفعنا إليها .
وقد قدم لنا التاريخ الإسلامي حالات كثيرة لاختيار الأكفاء الأكفياء لمناصب الدولة ، وعضوية مجالس الشورى ، وأهل الحل والعقد . تقترب كثيرا مما نحن بصدده . وبالمقابل لم يذكر لنا حالة واحدة جرت فيها انتخابات عامة لاختيار مجالس الشورى ومجالس أهل الحل والعقد أو حكام الولايات أو العمال بهذه الصورة التي تجري في وقتنا الحاضر . وليس أسلوب الانتخابات بخاف على عقول أسلافنا النيرة ، كما أنه ليس من الصعوبة تطبيقه لو أرادوا ، ولكنهم يدركون ما أدركناه أخيرا من عيوب الانتخابات العامة ، وما تجر إليه من مفاسد وشرور .
أما النموذج البديل المقترح الذي يتشكل بمقتضاه المجلس التشريعي لأول مرة ، أي المخاض الأول ، فتتبلور صورته بتشكل هيئة مؤقتة من كبار العلماء ، وأهل الرأي والخبرة ، في مختلف التخصصات والميادين العلمية ، والاجتماعية ، والمهنية ، المشهود لهم بالعلم ، والفضل ، والنزاهة ، والاستقامة . ممن عرفت عنهم الغيرة الوطنية ، والوعي السياسي ، والإخلاص لهذه الأمة . تناط بهذه الهيئة مهمة اختيار أعضاء المجلس التشريعي الأول ، بحيث تراعي في اختيار أعضاء المجلس المكانة العلمية ، والفكرية ، والاجتماعية ، والخبرة ، والاستقامة ، وسلامة التوجه ، وصحة النظر ، يشهد بذلك لهم سجلهم العلمي والوطني . كما يراعى في التركيبة العضوية للمجلس تنوع التخصصات ، بحيث تشمل القانون ، والشريعة ، والإدارة ، وعلم الاجتماع ، وعلم الاقتصاد ، وعلم النفس ، والتربية ، والسياسة ، وكافة التخصصات اللازمة للتشريع . ويراعى كذلك تمثيل الحواضر ، والأقاليم ، والعشائر ، والطوائف ، والمهن ، والأقليات . وألا يكون العدد كبيرا فيربك أعمال المجلس ، ولا قليلا بحيث يحتاج إلى خبرات إضافية . ويستلزم ذلك ضرورة تشكيل مجلس مساند ، يكون رديفا للمجلس التشريعي بذات الشروط والمعايير التي اختير أعضاؤه بموجبها ، بحيث يعزز خبرات المجلس ، ويدعم نشاطاته ، ويقدم الدراسات والأبحاث الضرورية لأعماله وقراراته .
فإذا ما تشكل المجلس الوليد بهذه الطريقة ، وخرج من مخاض التشكيل معافى سليما ، تنحل الهيئة الأم مباشرة ، ويباشر المجلس الجديد مهامه في التشريع ، والرقابة ، والتجديد الذاتي لأعضائه . فإذا ما شغر مقعد أحدهم بسبب الوفاة ، أو المرض ، أو العزل ، أو لأي سبب آخر ، يقوم المجلس نفسه بانتخاب عضو بديل من المجلس المساند ، أو من سائر المواطنين تحت شروط العضوية المشار إليها . وهكذا يستمر المجلس التشريعي في عمله ، بدون تحديد مدة معينة للمجلس أو لأي من أعضائه .
ولكي تكتمل الصورة بهاء وجمالا ، والعمل السياسي دقة وإحكاما ، لا بد من تدعيم عملية الاختيار في كلا المرحتين وما يستتبعهما برقابة ما يسمى بالوسيط الإداري ، أو السياسي ، إن جاز التعبير ، أو ما يدعى عند الغربيين ( بالأمبودسمان )Ombudsman أي الرقيب البرلماني أو التشريعي ، الذي يأتي تعيينه قبل تشكيل المجلس ؛ ليتولى الرقابة ابتداء على عملية اختيار الأعضاء في المجالس الثلاثة : الهيئة الابتدائية ، والمجلس المنتخب عن طريقها ، والمجلس المساند . وله حق الاعتراض على تعيين بعض الأعضاء الذين لا تنطبق عليهم شروط التعيين ، وله سلطة العزل ، والتأكد من سلامة الاختيار ، ورقابة ما يصدر عن المجلس من قرارات وقوانين ، وهو ما يكسب عملية الاختيار الثقة ، ويحصنها مما يمكن أن يعتريها من تحيز في الاختيار والتعيين ، عبر المراحل المشار إليها .
بهذا الأسلوب الحضاري تتكامل حلقات العقد الاجتماعي ، وتدور عجلة الحياة السياسية دوراتها الهادئة المتزنة ، لا تعكرها انتخابات هائجة ، ولا عواصف سياسية أو زوابع إعلامية.