27-07-2013 10:36 AM
بقلم : د. فايز ابو درويش
بسم الله الرحمن الرحيم إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ .[1]
الحديث في هذه السورة عن تلك الليلة الموعودة المشهودة التي سجلها الوجود كله في فرح وغبطة وابتهال . ليلة الاتصال المطلق بين الأرض والملأ الأعلى . ليلة بدء نزول القرآن على قلب محمد ذلك الحدث العظيم الذي لم تشهد الأرض مثله في عظمته وفي حياة البشرية جميعاً . العظمة التي لا يحيط بها الإدراك البشري إنا أنزلناه في ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر ؟)
والنصوص القرآنية التي تذكر هذا الحديث تكاد تزف وتنير ... بل هي تفيض بالنور الهادئ الساري الرائق الودود . نور الله المشرق في قرآنه : ( إنا أنزلناه في ليلة القدر ) ونور الملائكة والروح وهم في غدوهم ورواحهم طوال الليلة بين الأرض والملأ الأعلى :
( تتنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر ) ونور الفجر الذي تعرضه النصوص متناسقاً مع نور الوحي ونور الملائكة ، وروح السلام المرفرف على الوجود وعلى الأرواح السارية في هذا الوجود : ( سلام هي حتى مطلع الفجر )
واسمها (ليلة القدر ) ... قد يكون معناه التقدير والتدبير . وقد يكون معناه القيمة والمقام . وكلاهما يتفق مع ذلك الحدث الكوني العظيم . حدث القرآن والوحي والرسالة . وليس أعظم منه ولا أقوم في أحداث هذا الوجود .
والليلة من العظمة بحيث تفوق حقيقتها حدود الادراك البشري : ( وما أدراك ما ليلة القدر ؟ ) . فهي ليلة عظيمة باختيار الله لها لبدء تنزيل هذا القرآن . وإفاضة هذا النور على الوجود كله ، وإسباغ السلام الذي فاض من روح الله على الضمير البشري والحياة الإنسانية وبما تضمنه هذا القرآن من عقيدة وشريعة وآداب . وتنزيل الملائكة وجبريل – خاصة ، بإذن ربهم ، ومعهم هذا القرآن – باعتبار جنسه الذي نزل في هذه الليلة – وانتشارهم فيما بين السماء والأرض في هذا المهرجان الكوني ، الذي تصوره كلمات السورة تصويراً عجيباً ..
والمنهج الإسلامي في التربية يربط بين العبادة وحقائق العقيدة في الضمير ، ويجعل العبادة وسيلة لاستحياء هذه الحقائق وايضاحها وتثبيتها في صورة حيه تتخلل المشاعر ولاتقف عند حدود التفكير .
وقد ثبت أن هذا المنهج وحده هو أصلح المناهج لإحياء هذه الحقائق ومنحها الحركة في عالم الضمير وعالم السلوك . وأن الإدراك النظري وحده لهذه الحقائق بدون مساندة العبادة ، وعن غير طريقها ، لايقر هذه الحقائق ، ولايحركها حركة دافعة في حياة الفرد ولا في حياة الجماعة .
وهذا الربط بين ذكرى ليلة القدر وبين القيام فيها إيماناً واحتساباً هو طرف في المهج الإسلامي الناجح القويم .