03-08-2013 10:28 AM
بقلم : د. شفيق ربابعة
من يؤكّد لنا أنّ الانسان العربي يُفكّر بشكل سليم, ويعقل ويدرك ويتفهّم المحيط الذي يعيش فيه، ويتعامل معه بحكمة, بعد ان غزت ثقافتنا العربية والاسلامية الكثير من المفاهيم والافكار والمعتقدات, التي قبلنا بها على علّتها، واصبحنا نتشدّق بها, وكأنها جزء من واقعنا وثقافتنا وديننا.
لقد دخل على الدين الاسلامي الكثير من الاحزاب والفرق والمذاهب والتي ربما يكون لمؤسّسيها أهدافا لا نعيها رغم ذلك أصبح الناس يسيرون عليها ويؤمنون بها.
ففي بداية الاسلام , أيام الرسول محمد - صلى الله عليه وسلم- والخلفاء الراشدين رضي الله عنهم, كان الدين الاسلامي صافياً ونقيّاً يخلو من كل شائبة أو لوث أو اجتهاد بغير محله . ولكن بعد كربلاء وواقعة الجمل واستشهاد الحسين بن علي رضي الله عنهما, ظهرت فرق جديدة تشيّعت لعلي وللحسين وتكونت معتقدات يرى فيها العلماء محدثات جديدة على الدين, لا مجال للخوض فيها او تفنيدها، وادّعى اصحابها انهم مسلمون ولكن بطريقتهم ومعتقداتهم الجديدة، ثم تفرع من هذا فرق فرقاً مختلفة جاوز عددها العشرين، وانتشرت في كثير من البلدان العربية وغير العربية. ومنذ برهة وخلال وقت قصير ظهرت فرقة جديدة وضع اسسها ومعالمها المدعو عبدالله الحبشي، ظهرت في الحبشة واصبح لها اتباعها وانتشرت في كثير من البلاد العربية على وجه الخصوص في لبنان والأردن، وقد شاهدت في 1/8/2013 حشدا من مسلمين الحبشة يحتشدون امام البيت الابيض الامريكي يطلبون ويناشدون الحكومة الامريكية التدخل والضغط على الحكومة الاثيوبية لعدم فرض المذهب الحبشي على مسلمي الحبشة من غير اتباعه واعتباره الدين الاسلامي الصحيح في الحبشة مما يدلّ او يُنبئ بأن مثل هذه الحركات أخذت تسيطر في بعض الدول على بقيّة الطوائف الاخرى. وقد طرق مسامعي أن في الاردن - على سبيل المثال - ما يزيد على 80 شيخاً او اماماً يعتنقون المذهب الحبشي ويمارسون طقوسه , سواء بالأوقاف أو بغير مكان، وهم مسلمون من اهل السنة أصلا تخلّوا عن مذهبهم وأصبحوا من الاحباش . وهناك فرق وطوائف اخرى دخلت على الدين الاسلامي لتحريف الكثير من معالمه واساسياته.
اذن عرب ومسلمون بدأوا يعتنقون مذاهب وطوائف وفرق ظهرت حديثا، وهي بمجموعها تهدف للتأثير على تعاليم الدين الاسلامي الصحيحة التي جاء بها النبي محمد عليه الصلاة والسلام وخلق فتن بيا جماعة الدين الواحد، وقد يكون هناك جهات وراء مثل هذا ولا يستبعد ان يكون للصهيونية العالمية يد خفية ودوراً بارزاً في ظهور مثل هذه الفرق واقحامها على الدين لتشتيت شمل المسلمين والوصول بهم الى مهاوي الردى.والهلاك. .
وليس الذي يجري في سوريا الآن او في العراق منذ سنين او ماجرى من قبل بين الحوثيين واليمينيين أو ما يجري في البحرين إلا ثماراً وتجسيدا لأهداف تلك الفرق تنفيذا لذلك التخطيط.
اذن, العرب الشيعة وغير العرب من الشيعة يقاتلون العرب السنة في وضح النهار قتال بشراسة وضراوة لا رحمة فيه ولا شفقة، وهل يعقل ان يقاتل المسلم أخيه المسلم وبهذه الطريقة لو لم يكن هذا مخططا منذ سنين؟.
ما تقدم جانب ديني يثبت خللاً ويؤكد عقماً في تفكير ووعي الانسان العربي وانسياقاً وراء من يوسوسون لهم لإحداث هذا الصراع، واذا ابتعدنا عن الدين قليلا ودقّقنا في مايردنا وما نستورده من أحزاب نستعذبها ونتبناها,والتي تأتينا من شتى بقاع الارض، لشعرنا بالذهول والصدمة, فقد استوردنا الشيوعية بأهدافها ومبادئها التي تنكر وجود الخالق وأن الحياة مادة ومع هذا تجد انساناً عربياُ مسلما شيوعياً يتقبل هذه المبادئ بحجّة حرية الفكر والعقيدة، ثم استنسخنا حزب البعث الذي اسسه "مشيل عقلق" وهو نصراني هدف إلى جمع المسلم والنصراني تحت مظلة حزب واحد بعد ان يتخلى المسلم عن دينه ويصبح علمانيا حيث يستثنى الدين ويستبعد من اصل التعامل ما بين ابناء المجتمع الواحد.
وها هم البعثيون العلمانيون والشيوعيون في الاردن ومن لفّ لفّهم يؤيدون قتل وذبح وتعذيب المسلمين السنة في سوريا من هذا المنطلق لانتفاء الوازع الديني لديهم , ثم ظهرت أحزاب اخرى يسارية ويمينية ووسط تحت اسم التعددية حيث يقولون لنا ويحاولون اقناعنا بأن التعدية ظاهرة صحية ولكنها في الحقيقة ترمي الى تشتيت الشمل ايضا، فقد أتت بعد الفرق والطوائف الدينية الاحزاب بشتى مسمياتها وغزت عالمنا العربي بشكل خاص، حيث نجد أن لكل فرقة دينية جماعتها ولكل حزب ايضا جماعته, فوصلت بنا الحال الى مانحن عليه الان بحيث لا تجد حتى على مستوى الاسرة اي تماسك فالأب شيوعي والزوجة بعثية والابن اسلامي او والابنة يسارية واخوها واختها يمينيان يعتقدان بأحزاب مغايرة لكل منهم.
ولكن الواقع والدين الحنيف والاسلام الصحيح يبين لنا أن المخلوقات على سطح الارض هم حزبان فقط: حزب الرحمن وحزب الشيطان ولا يوجد بينهما حزب (الرحميطان) حزب وسطي بين الرحمن والشيطان، وكذلك أفعال بني البشر قسمان إما فعل الخير وإما فعل الشر ولا يوجد بينهما حزب (الخيشر) حزب وسطي بين الخير والشر، فمن أين أتوا لنا بهذا المصطلح الذي يسمونه التعددية تلك الظاهرة الصحية حسب قولهم، ولكن واقع التعددية ومقصده تفتيت شمل الامة وتقسيمها شيعاً وأحزابا لتذهب ريحها، وما واقعنا عن ذلك ببعيد، فهل من وقفة تأمل وتروّي وتعقّل ليقف الانسان العربي ويفكّر جليّا بما هو مستورد وما تسببته تلك الاحزاب والطوائف في افساد الحال واضعاف الامة وشرذمتها، مسلموبنفس الوقت شيوعي، طائفي، حبشي , مثَلي، علماني بعيد عن الاسلام كل البعد، فهل من صحوة؟
لم يكتفِ أعداء الاسلام بهذا ولم يتوقفوا عند حد فأمطرونا بحركات غريبة مريبة تنهي ما تبقى من عقيدة او تماسك او قدرة على العمل او التفكير لدى الإنسان المسلم، فسرّبوا الينا الماسونية بأهدافها ومراميها وما تسعى اليه من خدمة للصهيونية العالمية، وتصيّدوا لها من العرب والمسلمين من وصلوا إلى اعلى المناصب، وجنّدوا لهذه الغاية مكاتب الروتري والليونز، لتجنيد وتصيّد من سينضوي تحت لوائها، فوصل من الماسونيين سادة، وقادة وحكام ورؤساء حكومات وعدد هائل من المسؤولين الماسونيين في كثير من البلدان العربية والتي منها الاردن، فالماسونية حركة صهيونية تخدم اسرائيل واعضاؤها يخدمون الصهيونية بكل ما اوتوا من قوة.
لم يكتف أعداء الاسلام بالطائفية أو الحزبية أو الماسونية، حتى ظهر لنا عبدة الشيطان بدلا من عبدة الرحمن لتجد من بينهم من اسمه أحمد ومحمد وعبدالله وحسن، ويعبد الشيطان بطقوس تخرج الانسان المسلم من دينه كليا، اذن عربي مسلم أصبح يعبد الشيطان، وعربي مسلم ماسوني باحتراف يخدم الصهيونيّة، ولم تتوقف مسيرة الكيد للاسلام والمسلمين حتى طفت على السطح ما يسمى بالمثلية بيننا وبأعداد كبيرة تحت ذريعة التعددية وحرية التفكير والمعتقد.
أوهمونا كعرب مسلمين أننا قادرون على التفكير السليم واتخاذ الرأي الصائب، أوهمونا بأننا متطورون وذو فكر نيّر، قادرون على التفكير بحريّة من اجل اتخاذ القرار الذي يناسبهم ويبعدنا عن ديننا.
لا يتسع المجال أيضا للتحدث عن دورهم في خلق اعلام فاسد موجه لتضليل الانسان العربي خاصة بعد انتشار الفضائيات والتي تسابق العرب لانشائها في حين ما تبثه سموما يفسد الجيل وتلا تلك الفضائيات وسائل الاتصال المجتمعي الاخرى كالفيسبوك والتويتر وما يبث وينشر عبر هذه الوسائط من مفاهيم وافكار وأشرطة فيديو تُجسّد الإباحيّة أحيانا, وتبث الأكاذيب المضلّله للناس . ومن اقرب الامثلة على ذلك ما تقوم به وسائل الاعلام المصرية حاليا من تحريض ضد الشرعيّة في مصر وتأييدا للإنقلاب العسكري , وتنشرمعلوماتا واخبارا واحداثا تزرع الفتنة وتوهم العالم بأن اغلبية الشعب المصري ثاروا وتظاهروا ضد الرئيس المنتخب مرسي. وبنظرة فاحصة إلى ارقام المتظاهرين الذين تحشّدوا يوم الثلاثين من حزيران الماضي, فنجد أن جنرالات الاعلام المصري المعاصر قد ضخّموا أرقام المحتشدين في ميدان التحرير وبقية الميادين الاخرى إلى ما يزيد على ثلاثين مليون متظاهر، مع ان واقع الامر يختلف كثيرا، فميدان التحرير مع باقي الميادين الاخرى لا تتجاوز سعتها مجتمعة ثمانمئة الف متظاهر حيث أن جميع الميادين لا تتسع على ما يزيد عن اربعة ملايين متظاهر مقارنة مع الحرم المكي والذي لا يتسع في أحسن الاحوال إلى مليون وربع حاج،وقد تباينت الأرقام التي بثت بين 17 مليون ثم 22 مليون ثم 30 مليون وربما أكثر, علما بأن جميع هذه التقديرات كاذبة جملة وتفصيلا وإن العدد لم يتجاوز 4 مليون. بالمحصّلة يُحقن الانسان العربي بكم هائل من المعلومات التي تهدف الى تحقيق مرام وأهداف أغلبها غير شرعية أو منطقية. وبالمحصلة فالانسان العربي المسلم أمام سيل جارف من المعلومات المضللة والطائفية الوليدة والحزبية البغيضة والماسونية المعادية للاسلام والانسانية, ناهيك عن عبدة الشيطان والمثلية التي فتكت في فكر الناس وحرّفت المفاهيم وقولَبتْ الانسان المسلم الى انسان جديد قد يعجز عن التفكير او يشعر بالضياع.
والآن لا بد من قول الحقيقة، فهل يعتبر مسلماً من آمن واعتقد بأفكار وعقائد ليست من صلب الدين او اعتنق احزابا تهدف الى القضاء على الدين واضعاف العرب والمسلمين وهل يعتبر مسلما من انضوى تحت لواء الماسونية وعمل لصالح الصهيونية أو من لديه نزع وميل وممارسة للمثلية التي تخنث الانسان وتجعله يفقد كرامته وغيرته ورجولته وعزة نفسه، أحري بنا ان نتوقف ونجأر بالحقيقة بأن تلك الاحزاب والتنظيمات والحركات ما هي الا ظواهر مرضية معدية ضارة وسامة تؤدي الى ضياع الجيل واضعاف الدين والامة , لتصبح نهباً يتقاسمها ذوو الاطماع في وطننا العربي المشتت والمقطّع الأوصال.
ولو أخذنا الاردن على سبيل المثال حيث نشأتُ واعيش للمست بشكل جليّ وواضح أثر تلك الحركات والمنظمات والطوائف والاحزاب في بلد صغير في حجمه وعدد سكانه وتركيبته, فتجد من بين سكانه من هو طائفي او حزبي او ماسوني او حبشي او مثلي، ولكلٍ من هذه التنظيمات والفرق أنصارها ومؤيدوها، فهل ستترك الامور هكذا والحبل على الغارب والشتات كما هي الحال الآن ؟ أم لا بد من وقفة وتفكّر في ماغزا أفكارنا وعاداتنا وديننا وأن ينبري للوقوف بوجه كل هذا, جهات مخلصة مؤمنة تؤدي حق ربها ودينها وشعبها في توضيح الامور وارشاد الناس وهديهم.
ولا بد من دور للأسرة وأولياء الأمور باتباع اساليب صحيحة للتربية والتوعيةو وكذلك دور المدرسة من خلال المناهج وتوجيع المعلم, ويواكب ذالك إعلام صادق غير موجّه وغير مضلّل يلازم بالصدق والموضوعية والنزاهة والدقة, ليكتمل التوجيه بدور الائمة وخطباء المساجد لعلنا أو لعلّ هذه الجهات مجتمعة مضافا إليها دور الجامعة لنخرج بجيل واع مسلّح بالعلم والإيمان وليس بحزبيّة تشتّت الشمل وتفسد الخلق وتؤدي الى ضياع الأمة.
والله من وراء القصد.والسلام.