12-08-2013 11:29 AM
بقلم : إبراهيم الطاهات
الفساد هو عملية سرقة لثروات الأمة. إنه يسرق من المواطنين قدراتهم الكامنة كما يسرق منهم طموحاتهم وتطلعاتهم نحو مستقبل أفضل وتعليم أحسن ورعاية صحية أشمل وقدرة أكبر على الحصول على المساكن والطعام والمياه وغيرها من ضروريات الحياة. كما يؤدى الفساد إلى إهدار سيادة القانون وزعزعة المؤسسات القائمة على اقتصاد السوق التى تعتبر أساس الديموقراطية، وإلى انتشار الجريمة الدولية وتهديد الأمن العام للجميع.
يؤدى انتشار التصرفات الفاسدة والغير أمينة و اللا أخلاقية بين الموظفين العموميين إلى انخفاض ثقة الناس فى قدرة الحكومة على القيام بعمل "جيد" وتحقيق المصلحة العامة. وقد يكون من السهل الوصول إلى فهم متزايد لأسباب الفساد وتداعياته، إلا أنه من المؤكد أن إحراز التقدم فى مكافحته يعد أمرا أكثر صعوبة.
نؤكد أنه لا توجد دولة خالية من الفساد. ولذلك فإن التعاون فى مكافحة الفساد يتطلب أن تتحمل كل دولة مسئوليتها مع جميع الدول الأخرى والحكومات ومنظمات المجتمع المدنى، وأن تتحمل الدول المتقدمة مسئوليتها عن ضمان الالتزام المستمر بزرع بذور ثقافة تقوم على الأخلاق والقيم وجنى ثمار التنمية.
ويمكننا معا أن نتصدى للفساد بالتركيز على أربعة مجالات استراتيجية أعتقد أنه لا يمكن الاستغناء عنها وهى (1) المشاركة فى تحمل المسئولية؛ (2) الإرادة الشعبية والالتزام السياسى؛ (3) الوقاية والشفافية وأنفاذ القوانين؛ (4) تعزيز روح المبادرة الفردية والمشاركة بين القطاعين العام والخاص.
المشاركة فى تحمل المسئولية
إن مجهوداتنا الدبلوماسية الحالية مع الالتزام بالشفافية ونفاذ القوانين بصورة فعالة وتكوين شراكات قوية بين القطاعين العام والخاص هى التى تصنع الفرق فى التحديات التى تواجه الكثير من الدول بإيجاد مناخ ملائم للنزاهة والمساءلة، وتعزيز الانفتاح الاقتصادى وفرص النمو، وتدعيم الحريات الشخصية، واحترام سيادة القانون. لقد أصبحنا الآن أكثر فهما لطبيعة الفساد الذى يدمر المجتمعات، ويرجع الفضل فى ذلك إلى حد كبير إلى المجهودات التى يبذلها معهد البنك الدولى ومنظمة الشفافية الدولية و كى سنتر Key Centre والصحفيون المهتمون بالأمر وغيرهم من المراقبين والمحاربين ضد الفساد.
الإرادة الشعبية والالتزام السياسى
عندما تقوم الإرادة الشعبية بصياغة الإرادة السياسية والتحكم فيها، يتمتع الجميع بالحرية والرخاء. وتؤدى مشاركة المواطنين بطريقة شاملة فى الحوكمة مثلا مع وجود وسائل إعلام مستقلة إلى عمليات مراجعة قوية وتوازنات حرجة لجعل عملية المساءلة الحكومية عملية مؤسسية. أما إذا لم تكن الإرادة السياسية فوق مستوى الشبهات فإن الفساد يطفئ نور الديموقراطية ويقضى على روح المبادرة الفردية للقيام بمشروعات خلاقة، ويحول دون جلب رأس المال المطلوب، ويحبط المقومات الأساسية لتحقيق مستوى من الكفاية الذاتية اللازمة للنمو على المدى الطويل. وتتضح هذه الصورة على وجه الخصوص فى كثير من البلدان فى مختلف أنحاء العالم، حيث تزداد أعداد الشعوب التى تطالب حكوماتها بتحطيم دائرة الفساد وإدخال إصلاحات حقيقية وتطبيق مبدأ المساءلة وصولا إلى حياة أفضل للجميع. لقد بدأ صبر الشعوب ينفد أمام الفساد الذى استشرى فى كل مكان ابتداء من تعرض المواطن العادى لمضايقات الشرطة فى الشارع من اجل دفع الرشوة المطلوبة، أو دفع مبالغ أكثر من اللازم للحصول على الخدمات الأساسية، وابتداء من الأزمة المالية العالمية إلى فضائح الشركات، ومن الأنظمة الأوتوقراطية المستبدة إلى الدول التى باتت سريعة الانهيار.
ونتيجة لذلك، تعترف دول كثيرة وبصفة متزايدة بقوة صوت الجماهير وتأثيره على مكافحة الفساد، وبدأت الدول تتحرك (ولو بالكلام على الأقل) لمعالجة الجذور الأساسية التى تغذى الفساد السياسى والعجز الاقتصادى. وبدأت مجموعة لا بأس بها من الدول تستجيب لهذا النداء وتقوم بعمل إيجابى لمكافحة الفساد.
الوقاية والشفافية وإنفاذ القوانين
فى إطار هذه التغيرات الجغرافية والسياسية، هناك عامل آخر يمكن أن يساهم مساهمة إيجابية فى نجاح مكافحة الفساد وهو العمل الدبلوماسى متعدد الأطراف فى مختلف أرجاء العالم. ويمكن تلخيص المبادئ العامة التى وضعتها حكومة الولايات المتحدة الأمريكية لدبلوماسية مكافحة الفساد في (1) وضع أعراف مقبولة دوليا فيما يتعلق بتحديد الفساد؛ (2) تشجيع قيام الحكومات بعملية تقييم ذاتى فيما يتعلق بالفساد الداخل فى نطاق حدودها؛ (3) الاعتراف بأن الفساد يمثل عقبة أمام التنمية وأن له مضاعفات محلية ودولية خطيرة؛ (4) زيادة التعاون الدولى.
تساعد الاتفاقيات الدولية متعددة الأطراف ضد الفساد على إنجاح جهود مكافحة الفساد فى مختلف الدول كما تضفى الصفة الرسمية على الالتزام الحكومى بتنفيذ مبادئ مكافحة الفساد
تعزيز المبادرات الفردية والمشاركة بين القطاعين العام والخاص
هناك عدد متزايد من الجهود الدولية المضادة للفساد يتضمن توجهات شاملة ترتبط ارتباطا وثيقا بالجهود المبذولة على مستوى كل دولة على حدة لتقوية لوائحها وسياساتها القانونية المؤيدة للنمو والمشجعة للروح الإبداعية فى الشركات ولأنشطة تنظيم المبادرات الفردية للقيام بمشروعات ناجحة. كما تمارس العولمة قوة مستمرة على الحكومات والشركات من خلال ضغوط السوق التى تختبر جودة وسلامة هياكل الحوكمة وأنظمتها.
يؤدى الفساد وسوء حوكمة الشركات إلى تقويض أسس نظام السوق، وبالتالى إلى تقليل القدرة على تحقيق تكامل السوق والأمن الاقتصادى وحماية النسيج الاجتماعى بالنسبة للجميع. وعلى العكس من ذلك، عندما تتحمل الشركات المسئولية ويقوم للقطاع الخاص بدور القيادة فإن ذلك سيؤدى إلى نتائج إيجابية فى كافة أنحاء المجتمع ويساعد على سد الثغرات الاقتصادية وتقوية التقدم الاجتماعى على المستوى العالمى.